القاهرة - الكاشف نيوز
دفعت «انتصار» تلك الفتاة التى لم تتعد العشرين عاماً من عمرها، حياتها ثمناً لحبها ووفائها لوالدتها، التى توفيت منذ بضعة أشهر مضت متأثرة بمرضها، ماتت انتصار لأنها وقفت ضد رغبة والدها فى الزواج من امرأة أخرى.
لم تدخر انتصار جهداً فى محاولة إقناع والدها بعدم الزواج أو تأجيله على الأقل، لكن إصرار أبيها ورغبته فى الزواج كانا فوق كل اعتبار، وبالفعل قام بشراء مستلزمات الزواج من مفروشات وموبيليا جديدة، على الرغم من الضائقة المالية التى يمرون بها، وهو ما دفع «انتصار» إلى تحطيم جزء من «جهاز» أبيها، وكان رده عليها الضرب حتى الموت بمعاونة شقيقها الأصغر.
داخل منزل ريفى صغير، بقرية «طه حسين» بمركز النوبارية، فى البحيرة، عاشت «انتصار» 17 سنة، وسط أسرة صغيرة تضم ثلاثة أبناء بخلاف الأب والأم، وفرض عليها فقر العائلة العناء منذ نعومة أظفارها، حيث يعمل أبوها سائقاً يجلب قوت أولاده كل يوم حسب الرزق، وتحملت مسئولية المنزل مع شقيقتها الكبرى، التى توفيت منذ أكثر من ثلاث سنوات، فى ظروف غامضة، وشابت موتها أقاويل كثيرة، حتى إن النيابة العامة أمرت بإخراج الجثة بعد دفنها للوقوف على أسباب الوفاة، إلا أن تحلل الجثة حال بين النيابة وبين ثبوت حقيقة وفاتها، وعجز تقرير الطب الشرعى آنذاك عن التوصل لسبب موتها، وكانت وفاة شقيقتها الكبرى أولى صدماتها، حيث أفاد المقربون من «انتصار» أن شقيقتها المتوفاة كانت بمثابة صديقتها وأمها وكانت تلازمها أينما ذهبت، وعاشت الطفلة «انتصار» شهوراً فى حالة حزن بسبب فراق «أختها»، وأتى مرض والدتها ليزيد من عنائها، حيث كانت «انتصار» بشهادة أبيها تقوم بجميع أعمال المنزل.
لم تلبث حياة «انتصار» أن تستقر بعد فراق «أختها»، إلا وفارقت «والدتها» الحياة بعد أكثر من ثلاث سنوات على موت شقيقتها، بعد سنوات من المرض استنزفت خلالها موارد الأسرة المالية، وكانت هذه هى الصدمة الأخرى التى تلقتها الفتاة الصغيرة، وباتت تحمل على كاهلها مسئولية منزل به ثلاثة رجال «أب وولدان»، ورضيت بما كتبه الله لها من قضاء، وارتدت الجلباب الأسود معلنة حالة الحداد داخل المنزل.
وقبل أن تخلع «انتصار» ثوب الحداد، فاجأها أبوها بنيته فى الزواج من أخرى، وعقد النية بشرائه مستلزمات الزواج من أثاث ومفروشات جديدة، ونزل عليها الخبر كالصاعقة، وكان بمثابة الصدمة الثالثة لها، وناقشت أباها فى بداية الأمر بهدوء وطلبت منه الانتظار حتى تمضى فترة كافية على موت أمها، خاصة أن المجتمع الريفى والعُرف الموجود به لا يقبل هذا الوضع ويستنكر زواج الرجل بعد وفاة زوجته مباشرة، وهو ما رفضه الأب مصراً على عقد قرانه خلال أيام، وتحدى الضائقة المالية التى تمر بها الأسرة، وقام بشراء موبيليا جديدة ومفروشات بناء على طلب «العروسة» الجديدة، وهو ما زاد من حدة التوتر داخل المنزل وتسبب فى نشوب المشاجرات بين أفراد الأسرة.
فى ليلة الأحد الموافق 31 مايو الماضى، احتدت المناقشة بين الأب وابنته بسبب إصراره على الزواج، قامت على أثرها الفتاة بتكسير جزء من «الموبيليا» الخاصة بالزواج، وهو ما أغضب أباها ودفعه لضربها بعصا غليظة «شومة» ودفعها بشدة لتصطدم بأحد حوائط المنزل وتسقط وسط بركة من الدماء، ولم يكتف الأب الذى تجرد من جميع مشاعر الإنسانية بهذا، بل قام بضربها بـ«شومة» بمعاونة شقيقها الأصغر، حتى فارقت الحياة أو حسبما قال فى التحقيقات: «فرمت دماغها وعملته زى الحواوشى».
كان المقدم محمد أبوغزالة، رئيس مباحث مركز شرطة النوبارية، قد تلقى بلاغاً يفيد بأنه حال قيام أفراد الخدمة المعينة على كنيسة «أبوالعطا» بدائرة القسم، تمكنوا من ضبط على أحمد محمود محمد، 49 سنة، سائق، ونجله أحمد، عامل باليومية، ومقيمين بقرية «طه حسين» دائرة القسم، وذلك أثناء استقلالهما عربة كارو محملة بأجولة بلاستيكية تظهر من أسفلها يد آدمية، تم اصطحابهما إلى مركز الشرطة، وتبين وجود جثة لفتاة فى العقد الثانى من العمر، بسؤالهما قررا أن الفتاة نجلة الأول وتدعى «انتصار» وتعانى من حالة إغماء وهما فى طريقهما للمستشفى لتقديم الرعاية الطبية لها، وبمناظرة الجثة بمعرفة النيابة تبين أن بها آثار جروح وكدمات متفرقة بالجسم وآثار دماء بالرأس، وبتطوير مناقشتهما اعترفا بقتل الضحية، وذلك بعد أن قام الأول بدفع رأسها للحائط وقيام الثانى بالتعدى عليها بشومة كانت بحوزته، ولم يتركاها إلا جثة هامدة، معللين ذلك بقيامها بتحطيم جزء من «موبيليا» خاصة بزفاف والدها على زوجة أخرى، وأقرا أن المجنى عليها كانت معترضة على هذه الزيجة، حيث كانت مرتبطة بأمها كثيراً وحزنت حزناً شديداً لفراقها، الأمر الذى جعلها تعترض على زواج أبيها، خاصة أن والدتها توفيت منذ شهور قليلة.
وأضاف المتهمان أنهما فور علمهما بوفاتها حاولا إخفاء جثتها وإغراقها فى ترعة «النصر» بالنوبارية، إلا أنه تم ضبطهما متلبسين بجوار جثة الفتاة، تم تحرير المحضر اللازم، وضبط الشومة المستخدمة فى الجريمة وعليها آثار دماء.