أخر الأخبار
رشيد: انتصرت فتح .. وهزم عباس
رشيد: انتصرت فتح .. وهزم عباس

حين وقف القائد الفيتنامي العظيم هوشي منه ليخاطب جموعا غفيرة من الشعب الفيتنامي اثر موافقته على اتفاق باريس مع الولايات المتحدة ، كان يسمع هتافا واحدا يتردد بصورة مجلجلة من الجموع  " خائن ، خائن ، خائن ، خيانة ، خيانة ، خيانة  " ، احنى " هو " راسه كي تهدا الجموع قليلا ، لكنه أيضاً احناها ،  اعترافا منه بان الاتفاق الذي حصل عليه ، لا يعكس ما وعد به الشعب الفيتنامي .

رفع " هو " راسه  ، ونظر  في عيون الناس ، ثم قال  ،  " صحيح ، ما تقولون صحيح تماماً ، لكن تذكروا ، هذا ما حصدت بنادقكم المقاتلة ، وان أردتم اكثر من هذا الاتفاق ، عليكم ان تقدموا اكثر مما قدمتم حتى الان " ، فهم الفيتناميون قائدهم العظيم ، فهموا بانه لا يريد من كلامه تمرير الاتفاق ، بل يريد شحذ الهمم لمعركة اخرى ، من اجل نتائج يرضى ، ويرضون عنها ، وذلك ما كان من امر فيتنام لاحقا .

اقول ذلك ، لأني اعلم مقدار الأسى والألم ،  الذي يسيطر اليوم على كل أبناء حركة " فتح " ، فمقابل كل عين تضحك للفائز ،  الموالي او المتمرد ، هناك عين اخرى ، تحزن وتتحسر  ، على ما وصل اليه الحال في هذا العصر ، عصر لا تستطيع الحركة فيه ،  التفوق والفوز بانتخابات ، حتى دون منافسة تذكر ، لانه عصر مصمم على أضعاف  " فتح " وشق صفوفها ، على تدمير حاضرها ومستقبلها ، وتحطيم الإرادة الحرة لأبنائها ، في اختيار ممثليهم المحليين .

الإكراه والضغوط التي مورست على أبناء " فتح "  لا يمكن تمييزها إطلاقا  ، عن الضغوط التقليدية للنظم  العربية الساقطة ، من فصل واحالة مبكرة على المعاش ، وملاحقات وكيل الاتهامات ، وكل ذلك في اطار نهج نمطي ، يشمل معاقبة المتنافس الفتحاوي الحر في البلديات ، كما في كرة القدم والرياضة ، كما في الاتحادات الشعبية ، وهو نهج يعكس تماماً ، تفكير ووعي محمود عباس المتدني ، لقيمة الشعب ، او لقوة كلمته الفاصلة ، ومع كل هذا ، الشعب قد قال كلمته بالامس " جفت الأقلام ورفعت الصحف " .

محمود عباس مؤمن تماماً ، وهو لا يخفي ذلك ، ان لا قيمة لشيء اسمه الرأي العام ، فالجموع من وجهة نظره المتعالية و المغرورة ، هي كتل بلا ارادة ، وجسد بلا عقل ، وان كان اقتناع عباس ذلك ، دون قواعد او جذور طبقية شخصية او عائلية  مبررة ، لا عندما كان عامل " take away " ، يوصل الطعام الى البيوت ، ولا عندما اصبح موظفا بسيطا في قطر ، ومثل أغلبنا  ، من مثل تلك الجذور الشعبية  نشا ، اما العز والدلال الذي عاشه ويعيشه ، هو وأسرته ، أبناؤه و أحفاده وأقرباؤه ومقربوه ، فهو من حساب ، وعلى حساب تلك الجموع الشعبية التي خانها  ، داخل فلسطين وخارجها .

عباس لم يتميز يوما بالعطاء ، ولا أسرته خذلت  مسار خطاه ، فقد اخذ ، واخذوا الحد الأقصى ،  واكثر ، من الدلال والعيش الرغيد ، اعلى تعليم وافخر علاج ، اجمل الملابس واكثر السيارات رفاهية ، حسابات مليئة بالمال الحرام ، ويحرق الفائض  " سيجارا " كوبيا فاخرا  ، او يحرق وقودا ،  لعشرات الآليات والسيارات التى تحت تصرف العائلة، دون ان يتغبر لهم حذاء في معركة ، او يحترق لهم سروال  ، او يجرح لهم اصبع .

فما حاجة شخص  ، مثل عباس هذا ،  لوحدة " فتح " وعنفوانها ، ما حاجته الى الصراحة والروح المستقلة ، التي تربت عليها أجيال " فتح " ، وما حاجته لمن يملك القدرة على نطق كلمة حق ، ولماذا يكون هناك من يمكن ان يقول " كفى " ، فكل تلك ، مظاهر غير صحية تضع قيودا على سلوك " الفرعون الملهم " ، واحمالا تثقل كاهله .

واقول ذلك ايضا ، لأني اعلم ،  ان ما يجري مخطط شيطاني للقضاء على "فتح " ، ففي تمزق الحركة وانكسارها ،  يكمن أمان عباس من حساب المستقبل ، او ذلك ما يعتقد هو واهما ، وهو بذلك الاعتقاد يتصرف بحماقة اب أناني ، يترك لأولاده وأحفاده تركة ثقيلة للغاية من الملاحقة والمحاسبة ، فالشعب لن يترك حقوقه عند عمار ونادر ومحمود ، او عند أولاده الكبار  ، ولن تفعل " فتح " أيضاً ، وجرائم السنوات الثمانية الماضية ، الدموية منها والمالية ، هي لائحة اتهام خالدة ، ووسام عار ابدي ، تحرص ال " أنا " العباسية المعروفة  ، نقل ذلك الوسام الى صدر أبنائه ، وأبنائهم  من بعدهم .

طبعا تستطيع " فتح " ان تلملم جراحها ، وان تغسل بسرعة " الدماء الانتخابية " ، التي أريقت على سجادة المحليات  ، كما يستطيع الفائزون ، متمردون وموالون ، ان يجمعوا صفوفهم ، ويحولوا ، اكثر انتخابات سياسية وتنظيمية ، معلنة ومفتوحة ،  في تاريخ " فتح " ، الى نتائج وحدوية ، تؤهلهم لتقديم ما وعدوا به ، من قدرة على " خدمة " الناس ، في اطار الإمكانات المتوفرة ، بل وتطوير تلك الإمكانات داخليا وخارجيا ، لما يملكون اليوم من مصداقية وتفويض شعبي شرعي قوي .

امل حقيقي براودني ، بان تكون حكومة الدكتور سلام فياض ،  متعاونة الى اقصى حد ممكن ، مع هذه القوة الشرعية المنتخبة ، بتخفيف قبضة الحكم المركزي ، لصالح اقصى إدارة لا مركزية ، في الملفات  البعيدة عن شؤون " السيادة " ، وان كانت كلمة " سيادة " مجافية لواقع حال السلطة في عصر عباس ، و " واسعة " في وصف الوضع القانوني الواقعي للسلطة ، وقد يكون ذلك اخر خدمة كبيرة يقدمها الدكتور فياض للشعب الفلسطيني في حكومته الحالية .

محمود عباس ، ولسبب ما ، اعتقد بان هذه الانتخابات ، ستكون تجديدا وتفويضا ،  لنهجه وحكمه ، ولأجل ذلك ، تشدد في اختيار الموالين ، وتشدد اكثر ، في قمع واضطهاد الرافضين ، واعتقد ان نتائج الانتخابات ، ستنجيه من نار وعوده الجازمة ،  وتهديداته الفارغة بالرحيل عن الحكم ، لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر ، ونجاح " فتح " اسقط مسعى عباس ، للعودة مجددا ، غير مدرك بعد ان عهده قد مضى .

واقعيا ،  صوت لحركة " فتح "  اكثر من 80% من الناخبين ، في حين لم يصوت لعودة محمود عباس اكثر من 20% من الناخبين ، وينطبق الامر أيضاً على عدد من اعضاء مركزية " فتح " ، من النواة الصلبة للتيار العباسي في الحركة ، لكننا لن نرى رؤوسا تتدحرج ، ولن نرى الكرامة وعزة النفس ، تحملان البعض على الاستقالة والانزواء ، بعد ان فشلت مخططاتهم ، واحترقت كل أوراقهم .

لقد كان مثل أولئك ، عباس ونواته الصلبة ، كمثل مدرس احمق ، وتلميذ غبي ، يحاولان سرقة وتقاسم جائزة تفوق في الامتحانات ، فوضعا الأسئلة معا ، وراجعا مادة الامتحان معا ، وجهزا " روشيتات " الغش معا ، فدخل التلميذ الغبي الى قاعة الامتحان ، ودخل المدرس الأحمق مراقبا لها ، ليكتشفوا بانهم قد نسوا أمرا واحدا  بسيطا ، فالامتحان كان يوم امس ، وليس اليوم ، فأخذوا يضربون بعضهم البعض ، ويكيلون الشتائم للجمهور المتفرج .

الإنجاز الاخر المؤكد والخطير لهذه الانتخابات ، انها افرزت كيانات محلية شرعية ، منتخبة ، مفوضة ، تشكل عمودا فقريا قويا ،  لحماية السلطة الفلسطينية ، من ضغوط الاحتلال ، ومن المتامرين الداخليين الذين يهددون ليل نهار بتفكيكها ، والقاء مصالح اكثر من اربعة ملايين فلسطيني ، الى قارعة الطريق ، وهي انتخابات ناجحة ،  وضعت كل تلك الجهود السوداء في مهب الريح ، فلا احد يستطيع ان يناقش اليوم ، او يسائل شرعية هذه القوة المنتخبة  .

ربما كان من المصلحة الوطنية العليا ،  توسيع دور هذه القوى المنتخبة ،  في الحياة الوطنية الفلسطينية ، في زمن دمر فيه الانقسام ،  كل كيان وطني شرعي ومنتخب ، وتكفل عباس بتدمير كل كيان حركي شرعي ، وحول منظمة التحرير الفلسطينية الى " زوجة " مهملة في بيت الطاعة .

الأمس رحل ، وان كانت بعض مصائبه لا زالت بيننا ، والغد للناس ، وأمرهم بات الى حد كبير بين ايديهم ، على الاقل في جزء عزيز من الوطن ، والفلسطيني بدأ يستعيد نغمة الديموقراطية ، رغما عن الاحتلال ، ورغما عن الديكتاتورية ، وتلك البداية السليمة ، فقد تحرر سلاح الإرادة ، وعلى المحتل ، وأصدقائه " المنسقين " ، أنتظار الهبة الجديدة .