أخر الأخبار
في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا.. ما يزال الدم الفلسطيني ينزف!
في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا.. ما يزال الدم الفلسطيني ينزف!

القدس - الكاشف نيوز : يصادف اليوم الأربعاء، الذكرى الثالثة والثلاثون لمجزرة صبرا وشاتيلا التي وقعت في عام 1982 في مخيم صبرا وشاتيلا بلبنان.
ونفذت المذبحة في الـ16 من أيلول 1982، واستمرت لمدة ثلاثة أيام حتى 18 أيلول.. و"صبرا" هو اسم حي يتبع إداريًا بلدية الغبيري في محافظة جبل لبنان. وتحده مدينة بيروت من الشمال والمدينة الرياضية من الغرب ومدافن الشهداء وقصقص من الشرق ومخيم شاتيلا من الجنوب.
يسكن الحي نسبة كبيرة من الفلسطينيين إلا أنه ليس مخيمًا رسميًا للاجئين رغم ارتباط اسمه باسم شاتيلا. تعود التسمية إلى عائلة صبرا التي أطلق اسمها على شارع صبرا الذي يمر في قلب الحي بادئًا في حي الدنا في منطقة الطريق الجديدة ببيروت، ومارًا بساحة صبرا وسوق الخضار الرئيس ومنتهيًا عند مدخل مخيم شاتيلا. ويسمى الشارع في المسافة بين ساحة صبرا وشاتيلا بآخر شارع صبرا.
أما "شاتيلا" فهو مخيم دائم للاجئين الفلسطينيين أسسته وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عام 1949 بهدف إيواء المئات من اللاجئين الذين تدفقوا إليه من قرى أمكا، ومجد الكروم، والياجور في شمال فلسطين بعد عام 1948.
يقع المخيم جنوب بيروت عاصمة لبنان. وبعد مرور شهور على النكبة ولما ازدادت الحاجة إلى وجود أمكنة للسكن تبرع سعد الدين باشا شاتيلا بأرض له، تعرف منذ ذلك التاريخ حتى اليوم بمخيم شاتيلا. وأرض المخيم نصفها مؤجر من قبل الأونروا والنصف الثاني ملك لمنظمة التحرير الفلسطينية والمخيم معروف بأنه المكان الذي حصلت فيه مذبحة صبرا وشاتيلا في سبتمبر 1982، بالإضافة لأحداث الحرب الأهلية اللبنانية عام 1982 وحرب المخيمات بين عامي 1985 حتى 1987.
لا تزيد مساحته عن كيلو متر مربع ويسكنه أكثر من 12000 لاجئ وبذلك يكون المخيم من أكثر المناطق كثافة بالسكان.
كيف بدأت المذبحة؟
بدأت واستمرت لمدة ثلاثة أيام على يد المجموعات الانعزالية اللبنانية المتمثلة بحزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبي والجيش الإسرائيلي، ففي صباح السابع عشر من سبتمبر عام 1982 استيقظ لاجئو مخيمي صبرا وشاتيلا على واحدة من أكثر الفصول الدموية في تاريخ الشعب الفلسطيني الصامد، بل من أبشع ما كتب تاريخ العالم بأسره في حق حركات المقاومة والتحرير.
في تلك المذبحة تحالف أعداء الإسلام من صهاينة وخونة فانضم الجيش الإسرائيلى إلى حزب الكتائب اللبناني ليسطروا بالدم صفحة من صفحات الظلم والبطش في مجزرة أدت إلى تصفية الفلسطينيين وإرغامهم على الهجرة من جديد.


صدر قرار تلك المذبحة برئاسة رافايل إيتان رئيس أركان الحرب الإسرائيلي، وآرييل شارون وزير الدفاع آنذاك في حكومة مناحيم بيجن.
وبدأت المذبحة في الخامسة من مساء السادس عشر من سبتمبر / أيلول، حيث دخلت ثلاث فرق إلى المخيم كل منها يتكون من خمسين من المجرمين والسفاحين، وأطبقت تلك الفرق على سكان المخيم وأخذوا يقتلون المدنيين قتلًا بلا هوادة؛ أطفال في سن الثالثة والرابعة وُجدوا غرقى في دمائهم, حوامل بقرت بطونهن، ونساء تم اغتصابهنَ قبل قتلهن, ورجال وشيوخ ذبحوا وقتلوا, وكل من حاول الهرب كان القتل مصيره!
48 ساعة من القتل المستمر وسماء المخيم مغطاة بنيران القنابل المضيئة. أحكمت الآليات الإسرائيلية إغلاق كل مداخل النجاة إلى المخيم فلم يُسمح للصحفيين ولا وكالات الأنباء بالدخول إلا بعد انتهاء المجزرة في الثامن عشر من سبتمبر حين استفاق العالم على مذبحة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية ليجد جثثًا مذبوحة بلا رؤوس و رؤوسًا بلا أعين وأخرى محطمة.
قرابة 3000 جثة ما بين طفل وامرأة وشيخ ورجل من أبناء الشعب الفلسطيني والمئات من أبناء الشعب اللبناني!
في ذلك الوقت كان المخيم مطوق بالكامل من قبل جيش لبنان الجنوبي والجيش الإسرائيلي الذي كان تحت قيادة ارئيل شارون ورافائيل أيتان أما قيادة القوات المحتلة فكانت تحت إمرة المدعو إيلي حبيقة المسؤول الكتائبي. وقامت القوات الانعزالية بالدخول إلى المخيم وبدأت بدم بارد تنفيذ المجزرة التي هزت العالم ودونما رحمة وبعيدًا عن الإعلام. وكانت قد استخدمت الأسلحة البيضاء وغيرها في عمليات التصفية لسكان المخيم العزل وكانت مهمة الجيش الإسرائيلي محاصرة المخيم وإنارته ليلًا بالقنابل المضيئة.
عدد الشهداء
عدد الشهداء في المذبحة لا يعرف بوضوح وتتراوح التقديرات بين 3500 و5000 شهيد من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح، أغلبيتهم من الفلسطينيين ولكن من بينهم لبنانيين أيضًا.
وفي رسالة من ممثلي الصليب الأحمر لوزير الدفاع اللبناني يقال أن تعداد الجثث بلغ 328 جثة، ولكن لجنة التحقيق الإسرائيلية برئاسة إسحاق كاهن تلقت وثائق أخرى تشير إلى تعداد 460 جثة في موقع المذبحة. وفي تقريرها النهائي استنتجت لجنة التحقيق الإسرائيلية من مصادر لبنانية وإسرائيلية أن عدد القتلى بلغ ما بين 700 و800 نسمة.
وفي تقرير إخباري لهيئة الإذاعة البريطانية BBC يشار إلى 800 قتيل في المذبحة. قدرت بيان نويهض الحوت، في كتابها "صبرا وشتيلا - سبتمبر 1982"، عدد القتلى ب 1300 نسمة على الأقل حسب مقارنة بين 17 قائمة تفصل أسماء الضحايا ومصادر أخرى.
وأفاد الصحافي البريطاني روبرت فيسك أن أحد ضباط الميليشيا المارونية الذي رفض كشف هويته قال إن أفراد الميليشيا قتلوا 2000 فلسطيني. أما الصحافي الإسرائيلي الفرنسي أمنون كابليوك فقال في كتاب نشر عن المذبحة أن الصليب الأحمر جمع 3000 جثة بينما جمع أفراد الميليشيا 2000 جثة إضافية، ما يشير إلى 3000 قتيل في المذبحة على الأقل.
أسباب المجزرة
قام الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي بإنزال 350 مسلح مسيحي من حزب الكتائب اللبنانية, بذريعة البحث عن 1500 مقاتل فلسطيني مختبئين داخل المخيم وفي تلك الفترة كان المقاتلين الفلسطينيين خارج المخيم في جبهات القتال ولم يكن في المخيم سوى الأطفال والشيوخ والنساء وقام المسلحين الكتائبيين بقتل النساء والأطفال والشيوخ بدم بارد، وكانت معظم الجثث في شوارع المخيم. ومن ثم دخلت الجرافات الإسرائيلية وقامت بجرف المخيم وهدم المنازل.
النتائج المترتبة على المجزرة وتداعياتها
في 1 نوفمبر 1982 أمرت الحكومة الإسرائيلية المحكمة العليا بتشكيل لجنة تحقيق خاصة، وقرر رئيس المحكمة العليا، إسحاق كاهـَن، أن يرأس اللجنة بنفسه، حيث سميت "لجنة كاهن". في 7 فبراير 1983 أعلنت اللجنة نتائج البحث وقررت أن وزير الدفاع الإسرائيلي أرئيل شارون يحمل مسؤولية غير مباشرة عن المذبحة إذ تجاهل إمكانية وقوعها ولم يسع للحيلولة دونها. كذلك انتقدت اللجنة رئيس الوزراء مناحيم بيغن، وزير الخارجية إسحاق شامير، رئيس أركان الجيش رفائيل إيتان وقادة المخابرات، قائلةً إنهم لم يقوموا بما يكفي للحيلولة دون المذبحة أو لإيقافها حينما بدأت. رفض أريئيل شارون قرار اللجنة ولكنه استقال من منصب وزير الدفاع عندما تكثفت الضغوط عليه. بعد استقالته تعين شارون وزيرًا للدولة (أي عضو في مجلس الوزراء دون وزارة معينة).
شاهد على المذبحة
هو جندي إسرائيلي رفض الحديث عن ذكرياته المتعلقة بالمجزرة الرهيبة، وحتى حين حاولوا إثارته للحديث عنها مؤكدين له بأن كل رفاقه تحدثوا وأدلوا بشهادتهم رفض وادعى بأنه لا يتذكر شيئًا، لكن عبء الذاكرة أجبره أخيرًا على التحدث أمام زوجته وعدد من أصدقائه، ونشرت الشهادة "غاليت أكسلور" على موقعها الخاص لتجد طريقها أخيرًا لموقع "هآرتس" الإلكتروني الذي نشرها يوم الخميس 20/09/2012.
أدلى الجندي "ش"، الذي رفض ذكر اسمه، بشهادته أثناء لقاء عائلي خلال الاحتفال برأس السنة العبرية، حيث أثارت طقوس العيد وتقديم العسل والتفاح ذكرياته القاسية ففتح صندوقه الأسود أمام زوجته وعدد من الأصدقاء، مطالبًا الحضور بنشر الشهادة وعدم كتمان شيء منها مع ضرورة إخفاء هويته واسمه الحقيقي.
كان "ش" حين وقعت المجزرة في التاسعة عشرة من عمره، وهو أحد تلاميذ المدارس الدينية اليهودية، لكنه ترك المدرسة والدين أيضًا أشهرًا قليلة قبل استدعائه للخدمة العسكرية الإلزامية، استهل شهادته بقوله "أصابتني مذبحة صبرا وشاتيلا بصدمة الحرب وفي النهاية ألقى الجيش بي خارجًا وسرّحني من الخدمة".
وعاد الجندي "ش" إلى سجل ذكرياته قائلًا "وقع الأمر في عصر يوم جمعة حيث أحاطت سرية دبابات الميركافا التي أخدم فيها بالطرق الترابية المحيطة بمطار بيروت الدولي، وحضرت شاحنة عسكرية لمكان تمركز السرية، حيث زودتنا باحتياجات العيد مثل العسل والبيض وتشكيلة واسعة من السلع والأغراض التي كنّا نقايضها مع السكان المحليين مقابل تزويدنا بالحشيش الفاخر، وكنا نبتاع بالعملة الإسرائيلية من سوبر ماركت الحي 7UP السكاكر وسجائر (الكنت) الرخيصة مقابل الأسعار السائدة في إسرائيل".
وتابع: "قُتل بشير الجميل قبل ذلك بيومين فأبلغونا بأننا سننتقل إلى قطاع عسكري آخر، وكان علينا السير بالدبابات لعدم وجود وقت لاستدعاء الشاحنات الناقلة إضافة لوجود فلسطينيين يتمركزون على شرفات المنازل ويطلقون النار باتجاه السيارات العسكرية على الطريق".
و"أثناء سيرنا على الطريق الترابي المحيط بمطار بيروت صعدت دبابتنا على تلة ترابية صغيرة بجانب الطريق فتحطمت كل حاجياتنا التي حزناها في قرب برج الدبابة واندثرت داخل الدبابة فدنست كرتونة بيض وعلبة عسل زجاجية ملابسنا ولم يتوفر لنا الوقت لتغييرها كوننا كنا في حالة حركة، وبعد ساعتين تقريبًا وصلنا إلى جدار مبنى من الحجر يرتفع ثلاثة أمتار تقريبًا فيما تمركز الضباط في بناية مهجورة من خمسة طوابق على بعد عدة مئات من الأمتار من الجدار الحجري تواجد فيها جميع الضباط الذين كانوا يراقبون المخيم وما يجري داخله وبعد ساعة أو ساعتين وصل حوالي 70 مقاتلًا من حزب الكتائب يرتدون ملابس عسكرية نظيفة وأحذية تلمع من شدة نظافتها ويحملون بنادق إسرائيلية الصنع من طراز "غليلي قصير" ويرتدون دروعًا وجعب إسرائيلية فوقفوا على شكل مجموعات ثلاثية ضاربين بأقدامهم الأرض وكأنهم يقفون في طابور صباحي، فيما صعد قائدهم للتحدث مع قائد اللواء الإسرائيلي أو قائد الكتيبة المشغولين بمراقبة المخيم عبر نقطة المراقبة الكائنة في الطابق الخامس من البناية".
"وهبط الظلام فيما ظللنا واقفين بانتظار الأوامر لمعرفة ما يتوجب علينا القيام به ومن احتاج قضاء حاجته كان ملزمًا بالخروج من الباب الخلفي للدبابة، حيث تم إغلاق جميع فتحات الدبابة تحسبًا لوجود قناص فلسطيني خلف الجدار الحجري قد يباغتنا بإطلاق النار وبعد نصف ساعة تقريبًا وصلت من المكان جرافة إسرائيلية "شوفل" فاضطررنا للتحرك حتى نفسح المجال للجرافة، فيما واصل مقاتلو الكتائب استعراضهم".
"قامت الجرافة بفتح ثغرة بالجدار لقد كان بإمكاننا مشاهدتهم "الكتائب" عبر منظار الدبابة دون أن نسمعهم فيما تركنا الباب الخلفي للدبابة مفتوحًا، وذلك لأن الجو داخلها كان خانقًا بسبب البيض والمعجنات والعسل الذي تبعثر على أرضية الدبابة، فكانت كل خطوة داخل الدبابة تشبه سيرنا في منطقة موحلة".
"وبعد أن أنهت الجرافة عملها وغادرت المكان انتظم مقاتلو الكتائب مرة أخرى مجموعات ثلاثية ومن ثم دخلوا المخيم فيما بقينا داخل دباباتنا وطلب قائد الكتائب من قائدنا إطلاق قذائف إنارة فوق المخيم لأن الظلام بدأ بإسدال خيوطه، فتسللت إلى مسامعنا عبر الباب الخلفي للدبابة أصوات إطلاق كثيف وصرخات عاليه، خاصة صرخات صادرة عن نسوة والكثير من بكاء الأطفال، وبشكل عام صرخات كثيرة، وطيلة الليل وبفارق ربع ساعة تقريبًا أطلقت ناقلة الجند الواقفة بجوارنا قنابل إنارة فوق المخيم فأحالت ليله نهارًا وحين تنطفئ إحدى قنابلهم كانوا يعاجلون بإطلاق قنبلة أخرى بدلًا عنها".


"لم تقع الكثير من الأحداث عندنا، فكنا نخلد للنوم بين قنبلة وأخرى دون أن نتمكن من استبدال ملابسنا القذرة بالكثير من البيض والعسل، فيما نام سائق الدبابة على الكرسي الخاص بالسائق والمسؤول عن تلقيم المدفع بالقذائف تحت مدفعه، وزحف القائد نحو الباب الخارجي حيث وجد متسع للنوم على أرضية الدبابة القذرة، وأنا وبصفتي "مدفعي" الدبابة نمت على الكرسي الخاص بالمدفعي مسندًا رأسي على سبطانة المدفع".
"استفقنا صباحًا من نومنا وخرجنا خارج الدبابة، وكان البكاء والصراخ يأتينا من كل حدب وصوب فصعدنا على الدبابة، وأطلقنا النار خلف الجدار الحجري وكانت أكوام الجثث على مدخل كل بيت وزاوية، وأخذ بعض الجنود يصرخون علينا ويتحدثون لنا قائلين "إنهم يقتلون الجميع ماذا تفعلون".
"وكان مسؤول الرقابة في مجموعتنا جنديًا جاء أصلًا من سلاح الجو ولم يكن يعلم شيئًا عما يجري في الخارج فصعد إلى الطابق الخامس ليتحدث إلى القادة والضباط فعاد وقال لنا: إنهم يشاهدون ويعرفون كل ما يجري وعلينا عدم التدخل إنه صراع داخلي بين الكتائب والفلسطينيين وعلى كل حال فإن القادة يقدمون تقاريرهم حول ما يجري للقادة الأعلى منهم وحتى اللحظة لا توجد أية أوامر للقيام بشيء ما لذلك علينا الجلوس هنا حتى نتسلم الأوامر".
"انتصف النهار وشرعنا بغسل وتنظيف الدبابة وغسلنا بعض ملابسنا وعلقناها على حبل نصبناه بين دبابتين وتوفرت لنا الكثير من المياه فيما تواصلت الصرخات والبكاء القادمة من خلف الجدار دون أن نعرف ماذا علينا أن نفعل فقط ننتظر الأوامر".

"وسمعت في ذات الظهيرة صديقي "اورن" حيث كان واقفًا على برج الدبابة يسترق النظر إلى ما وراء الجدار يصرخ باتجاه الطابق الخامس ومن يقيمون فيه إنها مجزرة إنهم يقتلون الجميع هناك. لكن لم نتلق أية أوامر".

"فرّ شاب في العشرينات من عمره وبدى أكبر مني حيث كنت في التاسعة عشرة من عمري عبر فتحة الجدار فيما استمر أحد رجال الكتائب بملاحقته مشهرًا بندقية "غليلي" التي يحملها، وقف الشاب خلف ظهري محتميًا بي ممسكًا بكتفي لقد كان حافي القدمين يرتدي سروالًا قصيرًا وقميصًا ممزقًا وقديمًا وكانت رائحته كريهة من شدة الخوف رائحة قوية مثل رائحة القيء ورائحة عرق شديدة قوية وتحدّث إلي مختنقًا بالبكاء قائلًا "الكتائبي يريد قتلي ساعدني لقد صرح باللغة الإنجليزية HELP HELP، وتمتم بكلمات عربية باكيًا فهمت منها لقد قتل الجميع ويريد قتلي أنقذني أنقذني".

"وهنا نظرت إلى قائدي مرتبكًا وسألته ماذا أفعل؟ فتبسم القائد وغمز بعينه، وقال لي دعهم يقومون بالعمل الأسود. أعطى إشارة للكتائبي يفهم منها بأنه يستطيع جر الفلسطيني الباكي خلفي وهنا تقدم الكتائبي وأمسك بالفلسطيني من رقبته وسار معه ثلاث أو أربع خطوات فيما واصل الشاب الفلسطيني رجائي يتنقل بنظراته الحائرة بيني وبين الكتائبي مستعطفًا أن نرحمه وهنا أطلق الكتائبي طلقة نارية إصابته في ركبته وأخذ الفلسطيني يصرخ ويصيح من شدة الألم جاثيًا على ركبتيه صارخًا أنقذوني.. أنقذوني. فأطلق عليه الكتائبي طلقة أخرى أصابت بطنه وحين انحنى من شدة الألم وقارب رأسه أن يلمس حذاء الكتائبي عاجله بطلقة في الرأس وحينها ساد صمت القبور ونظرت لكل ما جرى أمامي مصدومًا بشكل تام وكامل حيث كانت المرة الأولى التي أرى فيها الموت قريبًا لهذه الدرجة وعاد الكتائبي ليختفي خلف الجدار عائدًا إلى عمق المخيم ليستكمل مهمة القتل".
"بدأت سيارات "مارسيدس" تحمل يافطة صحفي بالوصول فأعلن قائدي المكان منطقة عسكرية مغلقة يمنع دخولها وسمعتهم يتجادلون بالعبرية، لقد كان مراسل مجلة "تايمز" الذي قال بأنهم يجمعون الناس أطفال، نساء، شيوخ في الملعب ويطلقون النار عليهم وأن علينا القيام بشيء ما وهنا نزل القائد من الطابق الخامس وشرع بالصراخ على المراسل قائلًا إياك أن تقول لي ماذا عليّ أن أفعل وأن المنطقة مغلقة بصفتها منطقة عسكرية ويحظر عليه التواجد فيها. وصرخ المراسل على القائد قائلًا بأنه قدم الآن من الجهة الأخرى للمخيم وسمحوا له بالمرور وشاهد المخيم مليئًا بالدماء وأن ما يجري مذبحة".
"هنا بدأنا نحن نتساءل ونشعر بعدم الراحة ماذا يفعلون؟ ماذا يجري هناك؟ ماذا ننتظر؟ وهنا قال القائد إنه فترة أعياد وإن رفول (رئيس الأركان الإسرائيلي حينها رفائيل ايتان) يتحدث مع بيغن وربما بسبب الأعياد لا يريدون التحدث هاتفيًا مع بيغن لذلك لا يوجد قرار حالي ولا أوامر".
"ومرة أخرى وصلت سيارة تابعة للصليب الأحمر واشتكت للقائد في الطابق الخامس بأن الكتائب يقتلون الجميع ويمنعون الصليب الأحمر من تقديم المساعدة ومعالجة الجرحى فقال القائد لممثل الصليب سأنقل المعلومات للجهات الأعلى وفي لحظة تلقينا الأوامر سنتحرك. إنه صراع لبناني داخلي".
"وطلبوا منّا مساء اليوم التالي أن نتحرك وندخل المخيم فيما غادره غالبية الكتائبيين وطلبوا منا ركن الدبابات بالقرب من أحد الأبنية ووصل شخص ما يرتدي بدلة للحديث مع القائد في الطابق الخامس وأبلغه بوجود عميل للموساد داخل المخيم سيقوم بإرشادنا وحين دخلنا شاهدنا أكوام الجثث في كل مدخل بيت وزاوية وعلى سلالم البيوت، حيث لا زالت الدماء ترشح منها وتغطي السلالم لقد كانت رائحة الدم والجثث رهيبة فصعدنا للطابق الأول من البيت حيث كانت الأبواب مشرعة وفي كل غرفة تناثرت الجثث والأشلاء ملقاة على الأسرة وأرضية البيت والممرات الداخلية ملقاة على ظهرها فيما ثقوب الطلقات واضحة، ووجدنا جثث نسوة يحتضن أطفالهن مقابل باب الغرفة لقد قُتل الجميع فيما بدت علامات الطعن بالسكاكين والحراب "السِّنَج" على بعض الجثث واضحة وجلية وكان الكثير من النساء العاريات أو يرتدين فساتين ممزقة يستلقين على ظهورهن مع رصاصة استقرت برؤوسهن".
"لم نستطع المكوث في المكان ونزلنا مسرعين لنحتمي داخل الدبابة وبعد أن حل الظلام رأينا شارة ضوئية متقطعة انطلقت من أحد نوافذ قبو تابع لبناية تقابلنا فأبلغنا عبر جهاز الاتصال المسؤول بما شاهدناه فوصلت سيارة جيب وخرج أحد الرجال من القبو وصعد إلى السيارة وانطلقوا بعيدًا. إنه عميل الموساد".
"عج المكان في ساعات الصباح بالصحفيين وكانت الرائحة لا يمكن احتمالها وانتشر في كل مكان صحفي أو مراسل يحملون ميكروفوناتهم فصدرت الأوامر لنا بالتحرك نحو ملعب كرة القدم حيث عج بأسراب طويلة من الجثث المغطاة بالبطانيات والخِرق فقامت جرافة تابعة للجيش بحفر خندق ودفعت الجثث داخلها قبل أن تهيل التراب عليها في قبر جماعي، الأمر الذي ذكرني فورًا بالصورة من متحف المحرقة النازية. (يد فشم) قال الجندي واصفًا مشاعره، ولم أعد أتذكر شيئًا لقد اختلطت الأمور في رأسي وذاكرتي وقد عانيت الكثير وتعرضت لحالات قيئ طويلة ومتكررة رغبت بالعودة إلى بيتي باكيًا كالطفل الصغير، ما أجبرهم على إعادتي إلى منزلي حيث صعدت مع صديق لي إلى سيارة جيب أقلتنا حتى رأس الناقورة ومنها إلى نهاريا ولم أعد أتذكر شيئًا فوصلنا بطريقة ما إلى القدس بعد رحلة لأكثر من 10 ساعات".