رام الله - الكاشف نيوز : عشرة سنوات بعد صعوده لسدة الحكم لا يخفى اليوم على أحد فشله الذريع. الرئيس محمود عباس الذي يجسد مفاوضات السلام واتفاقيات أوسلو في سن الثمانين أصيب اليوم بالعجز. ويفكر يوميا قبل خطابه في الأمم المتحدة في الاستقالة.
هل سيرحل اليوم معترفا بفشل مسار السلام مع إسرائيل او سيتمسك أكثر بالسلطة رغم انسداد كل الافاق؟ محمود عباس البالغ اليوم من العمر ثمانين عاما يحاول منذ أسابيع اثارة الشكوك حول نواياه في إعادة الترشح لرئاسة السلطة.
خليفة ياسر عرفات الذي راهن طيلة عقود على نبذ العنف والآمال التي حملتها اتفاقيات أوسلو لكنه لا يمكن ان ينفي انه يمثل الطرق المسدودة والفشل الذريع.
اغلبية كبرى من الفلسطينيين لم تعد تثق به مطلقا بينما تلفظه البلدان العربية، مرهقة من صراع لا ينتهي وخاصة تصاعد قوة الدولة الإسلامية تنظيم داعش. الزوار الذين التقوه أخيرا في مقر السلطة في المقاطعة برام الله دهشوا من مزاجه المتعكر وقد صرح أحدهم بانه يعطي صورة رجل متعب ومنهار وفاقد لكل امل. يقول المحيطون به بانه محبط ويفكر جديا في الاستقالة او أكثر أي التنديد باتفاقيات أوسلو.
قبل يوم من خطابه في مجلس الامن الأربعاء 30 سبتمبر وعد الرئيس ان يكون خطابه بمثابة القنبلة. كذبة جديدة قال المشككون ، وقد تكون اخر تحذير من رجل جرب كل الطرق السلام ويشعر اليوم انه بدون حلول.
الفشل في ربيع 2014 في الجولة الالف للمفاوضات التي أشرف عليها جون كيري خاصة بعد صعود حكومة إسرائيلية يسطر عليها الليكود واليمين المتطرف يبدو انها عوامل اماتت اخر ارصاهات السراب. كما عبر عن ذلك هاني المصري مدير مركز الفكر الفلسطيني ، لقد أيقن ان استراتيجيته القائمة منذ ثلاثين سنة على امل ابرام اتفاق مع إسرائيل فشلت. تزايد تضييق الإسرائيليين على الضفة والقدس الشرقية حيث يسكن أكثر من 500.000 مستوطن اليوم واغلبيتهم لا يمكن إجلاؤها حتى إذا وقعت اتفاقيات سلام مع إسرائيل يوما ما. الجيش الإسرائيلي في نفس الوقت يكثف من تدخلاته العسكرية المذلة في المدن الواقعة تحت سيطرة سلطة رام الله. التوترات المتواصلة حول المسجد الأقصى تلخص العجز الكلي للإدارة الفلسطينية في القدس الشرقية التي يزعم عباس إقامة عاصمته عليها. يلاحظ علي الجرباوي الوزبر الأسبق و أستاذ العلوم السياسية ان عباس لم يثبط فقط الإسرائيليين فقط و انما المجتمع الدولي الذي ترك حل الدولتين يفرغ من محتواه شيئا فشيئا بل ان شعوره اليوم يصطدم بالحائط.
سمعة سيئة :
مجرد عبور لمخيم الأمعري في جنوب رام الله يمكن لنا ان نحكم على الاوضاع المزرية والتردي بعد سبعون عاما لانتصاب المخيمات الاولى ، لا تحظي المنطقة بالماء الصالح للشراب وتفتقد لمجاري الصرف الصحي لكن الاخطر ليس هنا يقول
محمد بدران الجالس في المقهى المتواضع ان عدم اهتمام السلطة ورئيسها بأوضاع المخيم والمأساة التي يعيشها السكان. يؤكد محمد بدران في تهكم ان الاتفاقيات الأمنية التي عقدتها السلطة مع الدولة العبرية أصبحت جزئا من التنازلات التي قبل بها محمود عباس فعوض حماية وليد وأصدقائه تنسحب شرطة عباس عندما يحضر الإسرائيليون. ان الدولة التي يتشدق عباس بتأسيسها منذ سنوات 2000 بإعانة المجتمع الدولي ليست الا خدعة تصوروا ان أبو مازن ووزرائه في كل مرة يريدون مغادرة المنطقة التي يحكمونها للسفر الى الخارج عليهم طلب الضوء الأخضر من الإسرائيليين.
حاول الرئيس الفلسطيني منذ سنوات ان يقوم بمناورة من طرف واحد مع اسرائيل بمساندة المحكمة الدولية لكن هذا الجهد لم يكن له اي تأثير على الفلسطينيين في الضفة الذين يعتقدون ان هذه الانتصارات الوهمية ليس لها اي وقع على الميدان وكل المؤشرات توحي بان الفلسطينيين ملوا من التسويف والحالة المتردية ويريدون تغييرا جذريا. قال خليل الشقاقي مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والإحصاء أن دراسة أجريت في غزة والضفة في نصف شهر سبتمبر الحالي اكدت على ان سمعة السلطة وصلت الى القاع في مستوى متدني لم تشهده السلطة منذ تأسيسها وان أكثر من ثلثي المستجوبين يريدون استقالة محمود عباس وان 42 بالمائة منهم يرون ان الالتجاء الى العنف هو الطريق الاسلم لفرض سلطة الدولة السيادية رغم الجروح الحارقة للانتفاضة الثانية. لأول مرة منذ اتفاقيات أوسلو تعبر أغلبية نسبية عن رفضها لحل الدولتين ويعتبر أكثر من 80 بالمائة منها ان الدول العربية الكبرى تخلت على الفلسطينيين.
فصيلان متناحران :
هذا الشعور بالإحباط يتغذى أيضا من الشلل الكلي للنظام السياسي. الانشقاق حصل في سنة 2007 بين قطاع غزة التي يحكمها اسلاميوا حماس والضفة التي يديرها القوميون العلمانيون لفتح والتي تبرر وحدها جمود الحياة الديمقراطية تماما.
محمود عباس الذي انتخب سنة 2005 بعد وفاة الراحل ياسر عرفات وصل بعد أربعة سنوات الى نهاية مدته الرئاسية الشرعية ويحكم الى اليوم بالمراسيم ينتظر أياما اسعد لإجراء انتخابات رئاسية. بينما كانت حماس تسيطر على البرلمان الذي انتخب سنة 2006 والذي لم يجتمع منذ سبع سنوات. حتى عملية المصالحة بين الفصيلين التي تعتبر ضرورية لإنعاش الحياة السياسية وإعادة عملية التداول على السلطة تبدو مستحيلة. يبدو اننا خطونا ببطء نحو الديكتاتورية يؤكد أحد المغضوب عليهم غسان الخطيب نائب رئيس جامعة بير زيت وأحد اهم رموز السلطة في السابق الذي يخشى الأخطر في حالة حصول شغور في السلطة. ان نقل السلطة الى الإسلامي عزيز دويك اخر رئيس برلمان فلسطيني غير وارد بل مستحيل بالنسبة لفتح وبالنسبة للمجتمع الدولي، على عكس ياسر عرفات الذي عرف كيف يلينهم محمود عباس رفض الى الان القيام بإتمام عملية التداول على السلطة , يحذر غسان الخطيب الذي ينادي بانتخابات سريعة لتفادي الكارثة حيث يوجد خطر حقيقي في ان يكون أبو مازن هو اخر رئيس للسلطة الفلسطينية.
مفتقدا اليوم الى كل الافاق السياسية وأكثر عزلة حاول محمود عباس في الأشهر الأخيرة إعادة تأكيد سلطته على السلطة الفلسطينية. فابعد الامين العام لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه الذي يعتبره طيعا كثيرا حسب رايه ليعوضه بكبير المفاوضين صائب عريقات يعتقد هاني المصري ان الرئيس يحاول حماية ظهره والتأكد من عدم ملاحقة عائلته بعد رحيله. هناك تحقيق قضائي مثير للجدل مفتوح ضد رئيس الوزراء الأسبق سلام فياض الذي ساهم بقسط كبير في بناء مجسم الدولة الفلسطينية والذي يحظى بسمعة طيبة لا تروق لخصومه. في وسط هذا الصيف أعلن عباس انه يريد الاستقالة من رئاسة منظمة التحرير بهدف احداث تغييرات في اعلى هرم المنظمة ، يبدو انه أراد خاصة ابعاد مساندي ومؤيدي محمد دحلان العدو اللدود له والمرشح لخلافته.
لكن المحاولة البشعة فشلت بشكل غير عادي فجزء كبير من كوادر فتح رفض الانصياع لرغبات الرئيس والجلسة الخارقة للعادة للمجلس الوطني الفلسطيني التي دعا اليها تأجلت الى شهور لاحقة. هذه الخطوات العشوائية أكدت مرة أخرى ان عباس لا يتحكم البتة في الاجندة السياسية الفلسطينية كما يلاحظ ديبلوماسي غربي ويضيف ان خلافة عباس لم تعد بالشيء المحرم حتى في فصيله السياسي.
بقلم : كايرل لويس موفد جريدة ليفغارو إلى رام الله