أنقرة - الكاشف نيوز : باستثناء بيان اختيرت كلماته بكل دقة لتحض على الوحدة كان الرئيس رجب طيب إردوغان هادئا على غير العادة بعد أسوأ تفجير تتعرض له تركيا على الإطلاق.
فيما سبق ذلك من أحداث لم يكن إردوغان - أكثر الزعماء إثارة للشقاق في تركيا الحديثة - يتردد في الهيمنة على محطات الراديو والتلفزيون في أوقات الأزمات لشد أزر أنصاره المتحمسين ومهاجمة خصومه بالقدر نفسه دفاعا عن الدولة.
لكن التفجير الانتحاري المزدوج الذي أدى إلى مقتل ما يصل إلى 128 شخصا في لقاء جماهيري نظمه مؤيدون للأكراد ونشطاء يساريون يوم السبت الماضي قبل ثلاثة أسابيع من موعد الانتخابات أطلق شرارة انتقادات استهدفت إدارة إردوغان في الوقت الذي تخوض فيه تركيا صراعا في جنوب شرق البلاد حيث يتركز الأكراد إلى جانب تأثيرات الحرب الأهلية السورية المتزايدة عليها.
وبالنسبة للموالين لإردوغان وحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الاسلامية الذي أسسه كان التفجيران مؤامرة جديدة من جانب قوى تلقى دعما من الخارج لتقويض الدولة التركية وإلحاق الضرر بمكانتها في الشرق الأوسط.
أما بالنسبة لخصومه ومنهم حزب الشعوب الديمقراطي المعارض المؤيد للاكراد الذي استهدفه التفجيران فإن الإيدي في إدارته ملطخة بالدماء لفشلها على صعيد الاستخبارات في أفضل الأحوال وللتواطؤ في محاولة لإذكاء النعرة القومية في أسوأها.
وقال وولفانجو بيكولي العضو المنتدب لشركة تينيو انتليجنس في لندن ما إن هدأت الصدمة الأولى حتى بدا أن الهجوم سيعمل على الأرجح على استفحال الشقوق العميقة في مجتمع منقسم انقساما ينذر بالخطر.
وقال مصدر أمني رفيع المستوى إن التحقيقات تتركز على الدولة الاسلامية رغم أن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو قال خلال الساعات التي أعقبت التفجيرين إن أيا من الجماعات المتشددة قد تكون مسؤولة عنهما سواء الجماعات الاسلامية أو الفصائل الكردية أو اليسار المتطرف.
وقد أعلن تنظيم الدولة الاسلامية مسؤوليته عن هجمات سابقة بل إنه انتهز بعض الفرص وأعلن مسؤوليته عن أعمال لم ينفذها مباشرة.
ولم يصدر عن التنظيم إعلان بالمسؤولية عن تفجيري انقرة ويرى المتشككون أن الجماعة كبش فداء ملائم.
ويرى المقربون من إردوغان في الهجوم محاولة محسوبة لإضعافه في وقت اختلت فيه استراتيجيته في سوريا القائمة على السعي للاطاحة بالرئيس بشار الأسد والحد من مكاسب الأكراد على الارض بسبب التدخل الروسي لدعم الأسد.
وقال مسؤول حكومي كبير دون الخوض في التفاصيل هذا الهجوم شنه من يريدون إخراج تركيا وإردوغان مع حزب العدالة والتنمية من المعادلة في الشرق الأوسط. لابد أن منظمات استخباراتية لها نفوذ في المنطقة قدمت الدعم.
ولدى خصوم إردوغان نظريات مماثلة عن مؤامرات محبوكة.
وقال بيكولي من شركة تينيو كثيرون في تركيا سيشكون أن قوى سرية مؤيدة للحكومة ربما كانت متواطئة بشكل أو باخر ... في إطار ‘استراتيجية توتر‘ تهدف لتخويف الناخبين من أجل دعم برنامج إردوغان القائم على إعطاء الأولوية للقانون والنظام والأمن.
وفي بيان صدر عن مكتبه يوم السبت ندد إردوغان بالتفجيرين ودعا إلى التضامن كأبلغ رد على الإرهاب ورفض المسؤولون أي تلميح إلى انه ليس مسيطرا على الوضع.
وقال مسؤول كبير في حزب العدالة والتنمية تحميل حزب العدالة والتنمية أو إردوغان أو الحكومة المسؤولية عما حدث كلام فارغ. فإردوغان والحكومة يدركان مسؤوليتهما. وهما يركزان على بذل الجهد الضروري. والباقي لا أهمية له.
والأثر النفسي لهجوم مدمر بهذه الضخامة في قلب العاصمة أمر جلي.
وقالت مدرسة تدعى سيلين (32 عاما) وهي تشارك في احتجاج مناهض للحكومة في أنقره يوم الأحد كيف يمكن لقنبلة كبيرة كهذه أن تنفجر في وسط عاصمة هذا البلد؟
وأضافت لا بد أن جهاز المخابرات والشرطة ومسؤولي الأمن مشغولون بالعثور على من يرسلون تغريدات تهاجم إردوغان والزج بهم في السجون.
ويوم الجمعة الماضي اعتقلت الشرطة رئيس تحرير صحيفة تودايز زمان التي تصدر بالانجليزية بتهمة إهانة إردوغان على موقع تويتر للتدوينات المصغرة.
وقال سنان أولغن الباحث الزائر بمركز كارنيجي أوروبا ورئيس مركز إدام للابحاث في اسطنبول إن بعض المتعاطفين مع حزب العدالة والتنمية ربما يتشككون في ولائهم بعد تفجيري أنقره.
وقال الحكومة هي المسؤولة في النهاية عن حماية مواطنيها وهذه المسؤولية لا يمكن استبعادها. حدث فشل أمني واستخباراتي هنا. وهذا لا يمكنك أن تخفيه.
لكنه أضاف أن الاثر سيكون بسيطا على الأرجح على نوايا التصويت لدى الناخبين الذين تفصل بينهم انقسامات مترسخة.
وهذا يعني أن حزب العدالة والتنمية في رأي معظم المحللين سيفشل في استعادة الأغلبية التي فقدها في انتخابات يونيو حزيران الماضي بعد أن ظل يحكم البلاد وحده دون شريك لأكثر من عشر سنوات.
وكانت تلك النتيجة لطمة مباشرة لامال إردوغان في جعل الرئاسة في تركيا تنفيذية ذات سلطات أكبر وهو الأمر الذي يتوقف على هيمنة الحزب الذي أسسه على البرلمان.
ومن المؤكد أن ضمان الامن في الانتخابات التي تجرى في الأول من نوفمبر تشرين الثاني سيصبح أكثر إلحاحا الان.
وتركزت المخاوف على جنوب شرق البلاد حيث يكثر الأكراد وحيث تجدد الصراع بين قوات الأمن ومتشددي حزب العمال الكردستاني في الشهور الأخيرة.
فعشية الانتخابات السابقة لقي أربعة أشخاص مصرعهم في مدينة ديار بكر عندما انفجرت قنبلة في لقاء جماهيري ضمن الحملة الانتخابية لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد كما سقط 34 قتيلا في تفجير انتحاري في يوليو تموز في مدينة سوروج قرب الحدود السورية وكان أغلبهم من النشطاء الشبان المؤيدين للأكراد.
ويحرص حزب الشعوب الديمقراطي أيضا على استمرار الانتخابات لتعزيز تمثيله النيابي بعد أن دخل البرلمان للمرة الأولى في انتخابات يونيو حزيران وذلك بتجاوز قاعدة ناخبيه التي تتركز بين الأكراد واستمالة خصوم إردوغان خاصة من التيار اليساري.
ورغم أن الانتخابات ستسفر على الأرجح عن برلمان معلق لا يفوز فيه حزب بالأغلبية فإن أنصار إردوغان يعتقدون أن طول فترة عدم الاستقرار قد يدفع الناخبين للحنين للعودة إلى حكم الحزب الواحد.