فضل الإسلام على الفرس
كان فضل الاسلام على الفرس عظيماً فقد كانوا قبله قد ابتلوا – كما يقول الفيلسوف النيسابوري محمد بن يوسف العامري – بمحنتين عظيمتين لا يدانيهما شيء من المحن الدنيوية في الفظاعة والفكر.
اما هاتان المحنتان اللتان كانتا تقفان الفرس في الجهالة والعبودية على اشد ما يطبقان على الانفس والعقول, فهما – على ما يورد العامري في كتابه: «الاعلام بمناقب الاسلام» الذي كنا توقفنا عند شذرات منه في مقالة سابقة -:
اولاً: ان طبقة رجال الدين الزرادشتي «الموابذة» كانت تمنع الفرس من النظر الحر في الامور الاعتقادية وتحظر عليهم ان يفكروا خارج الدائرة المغلقة التي رسمها لهم زرادشت المتنبي, الدالة فيما يقول العامري «على نزارة حظّه من الحكمة النظرية» وعلى هذيانه فيما يتعلق بكون العالم من قديمين وفيما اتصل بذلك من تخليط.
لقد كان الفرس مزجورين عن مثل هذا النظر المتدبر حذر أن ينتبهوا الى سخافة دعاوى الزرادشتية وقهرهم الموابذة على عقولهم «فثكلوا روح اليقين بالحقائق البرهانية».
ثانياً: أن الفرس كانوا مقهورين بسياسة الاستعباد والتراتبية الطبقية على نحو قعد بهم عن نشدان الكمالات الانسانية, ويقول العامري في ذلك «انه ليس يشك في أن تسخير العاقل الحر بالقهر والغلبة على المنزلة الواحدة وزجره عن اكتساب المحامد بالهمة العليّة, والتمني باجتهاد سعيه الى ما يتمناه من الجاه والمعلوة, في الغاية من الاتضاع والخسة, وهي النهاية في الاستسلام للفضاضة».
لقد كان بين ملك الفرس وسائر رعيته, كما يورد محقق الكتاب عن المسعودي في «التنبيه والاشراف» خمس طبقات: اعلاها طبقة الموابذة (رجال الدين) يليها الوزراء, ثم قواد الجيش, ثم الكتاب, ثم الشعب أو الطبقة العاملة أو من يكد بيديه. وقد كان محظوراً تمازج هذه الطبقات واختلاطها. فكل محكوم بحدود طبقته.
هذه هي حال الفرس قبل الاسلام. شعب مقهور بملوكه وموابذته, وطبقيّة صارمة مذلة. فلما جاءهم الاسلام «اخرجهم من تسخير العبودية وازال الحجر عنهم في تطلّب الرفعة, إذ قيل لهم «إن الناس كلهم لآدم, وآدم من تراب» وإن «اكرمكم عند الله اتقاكم» وإن «المسلمين تتكافأ دماؤهم, ويسعى بذمتهم ادناهم, وهم يد على من سواهم».
لقد اخرج الاسلام الفرس من جاهليتهم «المركّبة» هذه كما اخرج العرب من جاهليتهم «البسيطة» من قبل وإنه لحري بالفرس أن لا يفخروا بجاهليتهم كما لا ينبغي للعرب الفخر بجاهليتهم الاولى ايضاً.. ومهما يكن الامر في اسباب تمايز الخلق, فإن ثمة ميزاناً غير ذي تخسير يبوّئ الانسان مرتبته من الفضيلة والخير, وذلك بأن يكون على حد قول العامري: «اعزر الناس عرفاناً للحق, وأقدرهم على العمل بما يوافق الحق» وتلك هي رسالة الاسلام في جانبيها المعرفي والاخلاقي. وبها تشرُف «الاقوام» لا بغيرها من الاوهام.