القاهرة-الكاشف نيوز: استنكر رئيس الوزراء المصري الدكتور حازم الببلاوي تصريحات نظيره التركي رجب طيب أردوغان بخصوص شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب. وطالب الببلاوي في تصريحات له أمس بـ«عدم المساس بالرموز الدينية مثل شيخ الأزهر، لما يمثله لمصر والعالم العربي والإسلامي من قيمة كبيرة، بالإضافة إلى كونه على رأس أكبر المؤسسات الإسلامية في العالم، التي تعمل على نشر الدين الإسلامي الصحيح وتعاليمه السمحة».
وتأتي تصريحات الببلاوي في إطار التصاعد المستمر في الغضب الشعبي والرسمي في مصر، عقب تصريحات لأردوغان انتقد خلالها موقف شيخ الأزهر من عزل الرئيس السابق محمد مرسي، التابع لجماعة الإخوان المسلمين، إثر احتجاجات شعبية ضخمة في 30 يونيو (حزيران) الماضي.
وفي إجراء جديد يعكس تدهورا في العلاقات بين البلدين، رفضت وزارة الخارجية المصرية أمس طلبا تركيا بتعزيز أعضاء بعثتها الدبلوماسية في القاهرة بأعضاء دبلوماسيين جدد، وقررت عدم النظر في هذا الطلب في الوقت الراهن. وأوضحت الخارجية المصرية في بيان لها أمس أن «هذه الخطوة تأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تتخذها مصر في الفترة الأخيرة ردا على مواقف وتصريحات المسؤولين الأتراك المستفزة وغير المسؤولة التي تمثل تدخلا سافرا في الشأن المصري الداخلي وتتطاول على مصر ورموزها وقاماتها الدينية».
وخلال زيارته لمشيخة الأزهر أمس، قال أحمد المسلماني، المستشار الإعلامي للرئيس المصري، والذي نقل تحيات الرئيس لشيخ الأزهر، إنه «فوجئ بما قاله رئيس الوزراء التركي وتجرئه على الأزهر وشيخه، وهو ما يؤكد ضعف الثقافة الدينية لدى رئيس الوزراء التركي، وهو الأمر الذي أغضب جميع المصريين»، مؤكدا أن الأزهر هو رأس القوة الناعمة للإسلام في العالم و«نأمل أن تسود الوسطية التي يحملها منهج الأزهر لتؤكد للعالم أن الدماء ليست طريق النهضة، والعنف ليس طريق التقدم». وتابع المسلماني قائلا إنه «حان الوقت لنقول للأتراك والمتشدقين منهم إن السماحة والفكر الوسطي هما الأساس لأي نهضة».
وعلى الصعيد نفسه، رفض الأزهر التعليق على تصريحات أردوغان أمس، وقال الدكتور محمد مهنا، مستشار شيخ الأزهر، لـ«الشرق الأوسط»، إن «شيخ الأزهر الشريف يترفع عن أن يرد على مثل هذه التصريحات التي صدرت من رئيس الوزراء التركي». وقال مهنا إن «الدكتور الطيب اعتاد على تجاهل مثل تلك التصريحات التي لا تصدر إلا عن حاقد أو جاهل أو متربص بمصر».
ومن جهته، وجه شيخ الأزهر رسالة للطلاب الوافدين والوافدات من تركيا للدراسة بجامعة الأزهر، طمأنهم خلالها على أنهم محل عناية ورعاية فائقة من قبل الأزهر، وأن علاقاتهم كأبناء وتلاميذ وطلاب للأزهر لا تتأثر على الإطلاق بما يصدر من تصريحات سياسية من قبل الحكومة التركية.
وبينما عبرت قطاعات من المصريين عن احتجاجاتها ضد موقف أردوغان من مصر، بالتظاهر وإصدار البيانات انطلاقا من عدة مدن، خرجت مظاهرة في قرية «القرنة» مسقط رأس شيخ الأزهر بمحافظة الأقصر بصعيد مصر، شارك فيها آلاف المسلمين والأقباط، للتنديد بتصريحات أردوغان. وطالب علماء الأزهر بوقف التعاون الثقافي والعلمي بين الأزهر وتركيا. وقال الشيخ محمد الطيب، الشقيق الأكبر لشيخ الأزهر «طالبنا الجميع بالهدوء حفاظا على الاستقرار».
وسبق أن أدانت أطراف مصرية عدة تصريحات أردوغان، بينها الخارجية المصرية التي استنكرت «التطاول على قامة دينية وإسلامية كبرى ممثلة في شيخ الأزهر». كما أدانتها وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، مؤكدتين أن مكانة شيخ الأزهر أكبر من أن ينال منها أحد.
وكان أردوغان، المنحاز للرئيس المعزول مرسي، وجه انتقادا شديدا لشيخ الأزهر بسبب تأييده لما وصفه بـ«الانقلاب العسكري» في مصر، في إشارة إلى خارطة المستقبل التي أعلنها الفريق أول عبد الفتاح السيسي يوم الثالث من الشهر الماضي، بعد التشاور مع القيادات الدينية والسياسية ومن بينها الأزهر والكنيسة وشخصيات عامة، وجرى بموجبها عزل مرسي وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا مؤقتا للبلاد إلى حين تعديل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.
وقال أردوغان، الذي يناصر حزبه جماعة الإخوان بمصر، إن موقف شيخ الأزهر أصابه بـ«خيبة أمل». وجاءت تصريحاته الأخيرة ضمن سلسلة من الانتقادات التي اعتاد أردوغان توجيهها لمصر منذ الإطاحة بمرسي، مما دفع القاهرة لاستدعاء سفيرها من أنقرة للتشاور، كما ألغت التدريبات البحرية التي كانت مقررة في تركيا في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وفي السياق نفسه، أجرى البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، اتصالا هاتفيا بالدكتور الطيب أمس، أعرب خلاله عن تقديره لشيخ الأزهر ورفض أي إساءة له. ونقلت مصادر في الأزهر الشريف فحوى الاتصال، بقولها، إن «البابا أعلن رفضه الشديد وأسفه على التطاول من قبل رئيس وزراء تركيا على شيخ الأزهر أحد الرموز الوطنية المخلصة وصمام الأمان في مصر».
وأضافت المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن «البابا رفض أيضا خلال الاتصال التدخل الخارجي في شؤون مصر الداخلية»، قائلا إن «الأزهر والكنيسة لا يريدان التدخل في السياسة، وكان لا بد للأزهر والكنيسة أن يساندا الشعب المصري والجيش والشرطة في ثورة 30 يونيو، وهذا دفع كثيرين من الخارج لأن يتطاولوا عليهما».
وقال الدكتور عبد الله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، إن «تطاول أردوغان على الأزهر يدل على عدم معرفته بالواقع المصري وكيفية ارتباط المصريين بالأزهر». ومن جانبه، طالب الدكتور عباس شومان، أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أردوغان بالاعتذار للمسلمين كافة على ما فعله». كما قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن الإساءة للعلماء ورجال الدين نهى عنها القرآن، مضيفا أن «التطاول على الأزهر لن يؤثر عليه».
وشارك في مظاهرة بالأقصر أحزاب وقبائل وأقباط، معبرين عن غضبهم الشديد من «تطاول (أردوغان)». وأصدر ائتلاف أقباط مصر بالأقصر بيانا على لسان منسقه إميل نظير أمس، قال فيه إن «أقباط الأقصر ومصر يفتدون شيخ الأزهر بالمال والأرواح لما له من مكانة في قلوب جميع المصريين والأقباط قبل إخوتهم المسلمين، ولما له من قيمة وقامة وطنية ودينية، وأي مساس بالدكتور الطيب يعتبر تعديا على هيبة مصر وكرامتها».
كما استنكر الدكتور عبد الهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية «تطاول أردوغان» على مقام الشيخ الطيب، مؤكدا في بيان له أمس أن ذلك يمثل تطاولا على الدين الإسلامي نفسه، ويستفز مشاعر أكثر من مليار ونصف مليار مسلم حول العالم.