أخر الأخبار
أوباما الثاني
أوباما الثاني



عبد العزيز المقالح

أوباما الأول هو ذلك الذي رأيناه بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية وهو يدخل البيت الأبيض مصحوباً بإعجاب الملايين في غرب المعمورة وشرقها . أما أوباما الثاني فهو هذا الذي نراه يتوكأ على عكاز غير مرئي وعلى كلمات باهتة لا علاقة لها بما كان يقوله قبل وبعد دخول البيت الأبيض.

ومن يتابع حياة الرؤساء الأمريكان ابتداءً من أوائل القرن العشرين وإلى أوائل هذا القرن يدرك أن بعضهم يبدأ متوهجاً ثم ينتهي باهتاً، في حين أن البعض الآخر يبدأ باهتاً ثم ينتهي متوهجاً . ومن الواضح أن الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما ينتمي إلى النوع الأول من الرؤساء فقد بدأ متألقاً ولافتاً للانتباه في أحاديثه ووعوده، وآسراً في لغته، ثم بدأ ينطفئ قليلاً قليلاً إلى أن بات في الأيام الأخيرة منطفئاً تماماً، وفقدت طلّته المثيرة للإعجاب بريقها ولم يعد أحد في الولايات المتحدة ولا خارجها يتابع ظهوره في مؤتمراته الصحفية أو يُعنى بما يطرحه من كلام مكرر كأنه لا يصدر إلا عن موظف تابع للإدارة الأمريكية لا من واحد من قادتها وصناع سياساتها.

وهناك من داخل الولايات المتحدة من يشكك في أن أوباما الذي ظهر على العالم من ستة أعوام هو هذا الذي يظهر هذه الأيام في التلفاز، وكأن جهاتٍ معينة قد عملت على استبداله بمن يشبهه في السحنة، ولا يشبهه في تطلعاته وحيويته . ومن المحزن أن الغالبية في الولايات المتحدة والعالم كانت تتوهم أن المرحلة الثانية والأخيرة في رئاسته ستكون أكثر توهجاً واندفاعاً نحو تحقيق الإنجازات التي وعد بها، وأنه سيذهب شوطاً بعيداً في تنفيذ الوعود المؤجلة، لأنه لن يكون حريصاً على فترة جديدة يقضيها مع أسرته في البيت الأبيض، وبذلك لن يخاف اللوبيات التي تحاصره وتعد عليه أنفاسه.

لكن الأيام بل الشهور التي مرت من ولايته الثانية أثبتت بمشاهدها المتلاحقة أن الشخصيات العظيمة لا تصنعها التمنيات والأحلام ولا يغير منها الانتظار الطويل، وإنما تصنعها الإرادة المرتبطة بالمواقف والقدرة الذاتية على مواجهة الأخطاء بشجاعة لا تحتمل التردد والإبطاء . وكم كان صادقاً في تصوراته المسبقة ذلك الصحفي الأمريكي المخضرم الذي تنبأ منذ الأيام الأولى لدخول أوباما إلى البيت الأبيض أن نهايته ستكون أسوأ من نهاية سلفه جورج بوش الابن وأن ذلك البريق الذي رافق ظهوره سيتلاشى تدريجياً إلى أن يختفي . ومما قاله ذلك الصحفي المخضرم إن أوباما جاء إلى الرئاسة من دون خبرة حقيقية ومعرفة كافية بالعالم ومشكلاته، وأنه سيكون لعبة سهلة التحرك بأيدي السيناتورات الكبار أصحاب المصالح الحقيقية في الداخل والخارج.

أما الذين كانوا يعتقدون أن أوباما سيكون أكثر تعاطفاً مع القضية الفلسطينية، فقد كانوا يتناسون أنه ينتمي إلى حزب يضع حماية الكيان الصهيوني في مقدمة اهتماماته وأن مهمة الرئيس الديمقراطي لا تخرج عن تحقيق بقية الأجندة المتروكة في رئاسة بوش الابن رغم ما يقال عن اختلاف برامج الحزبين.