أخر الأخبار
كيف يفكر أوباما؟
كيف يفكر أوباما؟

حسين شبكشي

لن تكون السطور التالية محاولة للتنجيم أو ادعاء علم التحليل النفسي، ولكنها محاولة لتقييم شخصية باراك أوباما الرئيس الأميركي وطريقة مراجعته للقرار السياسي عموما، وتحديدا في ما يخص الضربة العسكرية بحق نظام الرئيس السوري بشار الأسد بعد المذبحة المروعة التي ارتكبها بحق شعبه وراح ضحيتها قرابة الألفي شخص، جلّهم كانوا من الأطفال كما هو معروف.

باراك جاء إلى الحكم بعد رئيس «ورط» أميركا في حربين بلا هدف واضح الملامح؛ حربين استنزفتا الكثير من موارد أميركا المالية وأغرقتاها في ديون هائلة أدت إلى أزمة مالية عظيمة وغير مسبوقة ورطت العالم معها، وطبعا مع عدم إغفال الخسائر البشرية التي تكبدها الجيش الأميركي، ولذلك كان أوباما حريصا دوما على تكرار أنه الرئيس الذي سينهي تورط أميركا في العراق وأفغانستان وأنه لن يدخل حروبا جديدة. كذلك هناك آراء متصاعدة في الأوساط السياسية المؤثرة بدوائر الرئيس أوباما التي تردد له أن الشرق الأوسط لم يعد منطقة «مهمة» لأميركا، وأن أميركا اليوم تحديدا تستهلك أقل من 24% من نفطها من الشرق الأوسط، والنسبة دوما إلى انخفاض لوجود المصادر البديلة المتزايدة من نفط صخري وما شابه ذلك، وأن المشكلة في حقيقة الأمر يجب أن تكون مشكلة الصين لأنها هي التي تعتمد بشكل متعاظم على نفط منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي هي التي لديها المصالح الواضحة والمهمة، ولذلك الأمر يجب ألا يصعب ويزيد وترتفع بالتالي أسعار النفط أكثر من ذي قبل.

ولكن الرئيس أوباما قد قطع وعدا سياسيا بقوله إن استخدام السلاح الكيماوي هو خط أحمر لن يسمح به، وإنه في حالة حصوله سيكون لأميركا رد مناسب وصارم. القضية الآن بالتالي هي «مكانة» وجدارة الوعد السياسي لقيادة أميركا في العالم لأن رد أوباما إذا كان خجولا وشكليا فقط سيكون رسالة بالغة الدلالة للدول المارقة حول العالم بأن تقوم بتجاوز «الخطوط الحمراء» من دون خشية من الرادع لأن الرادع سوف يكون بسيطا واستيعابه مقدورا عليه.

التردد الذي أصاب صاحب القرار في أميركا يبدو واضحا، وهو يأتي مع نظام باطش ودموي وطاغية ونظريا مدعوم من «أعداء» لأميركا، فالقصة ليست بالصعبة أن يجري إقناع الغير بها وخصوصا في ظل وجود الدلائل والبراهين والشهود على استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي لقتل شعبه، وهي ليست المرة الأولى أبدا كما بات الآن معروفا للجميع.

العالم ينتظر قرار أميركا في ردها على تجاوز الأسد الخط الأحمر الموضوع له وكيف أنه لم يكترث للتهديد الأميركي، فالآن «هيبة» أميركا و«مكانتها» موضوعتان على الخط ومصالحها الهائلة قد تتأثر إزاء «هزة» هذه المكانة عالميا، فالمعنى المقصود هنا أن أميركا لا تفكر الآن في الضحايا الذين سقطوا على أيدي نظام الأسد والثورة السورية ومسيرتها تحديدا في هذه اللحظة، ولكنها تفكر كيف أن نظام الأسد تحدى أميركا وتجاوز التهديد الذي وضعته له.

باراك أوباما محامٍ أكاديمي حذر ومتردد يرغب دوما في الحصول على إجماع ورضا الكل معه، وهذه مهمة أشبه بالمستحيلة، ولكن السياسي الأميركي المعني بالأمن القومي قلق من تأخر الرد «الحاسم» على نظام أهان قيادة بلاده باستهتاره بخط أحمر صريح وضع له.

كما قلت، هذه محاولة لفهم كيف يفكر أوباما، والأيام سترينا عمليا كيف سيتصرف الرجل!