أخر الأخبار
هل هناك تغيير في الموقف الروسي؟
هل هناك تغيير في الموقف الروسي؟

مأمون كيوان

ثمة شبكة من المصالح الحيوية الروسية شكلت بوصلة التدخل الروسي في رزمة الأزمات الشرق أوسطية وفي مقدمها راهناً الأزمة السورية . فمصالح روسيا كثيرة في سوريا وليست فقط عسكرية واستراتيجية، بل أيضاً تجارية وثقافية .

وخلال الحرب الباردة انتقل الكثير من الروس إلى سوريا، وفي المقابل درست الكثير من النخب السورية في كبريات المؤسسات التعليمية الروسية مثل “جامعة موسكو الحكومية” و”جامعة الصداقة بين الشعوب” . ومن جانبها، سعت القيادة السوفييتية إلى اجتذاب الطلاب المتفوقين من الدول الحليفة الذين يمكن الاعتماد عليهم في وقت لاحق . ونظراً لأن سوريا تتمتع بأهمية كبيرة بالنسبة للمكانة السوفييتية في الشرق الأوسط، فقد تمت الإشارة إلى السوريين في البث الإذاعي العام والبيانات ك “حلفاء” و”أصدقاء” للشعب السوفييتي .

وعندما بدأت الانتفاضة السورية في مارس/آذار ،2011 ربما كان هناك100 ألف مواطن روسي يعيشون في البلاد .

وكانت سوريا دولة مستهلكة للأسلحة الروسية لفترة طويلة، وما حصل بعد مجيء الأسد وبوتين إلى السلطة في عام 2000 هو ازدياد تجارة الأسلحة بين البلدين بصورة مكثفة . ووفقاً ل “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام”، شكلت روسيا 78 في المئة من مشتريات سوريا من الأسلحة بين عامي 2007 و 2012 . كما وصلت مبيعات الأسلحة الروسية إلى سوريا بين عامي 2007 و 2010 إلى 7 .4 مليار دولار .

ووفقاً لصحيفة “موسكو تايمز”، فإنه فضلاً عن الأسلحة، استثمرت الشركات الروسية ما مجموعه 20 مليار دولار في سوريا منذ عام 2009 . وإذا فقد الأسد السلطة، فسيتم إلغاء هذه العقود .

كما أن القروض الروسية الكبيرة المقدمة للأسد معرضة للخطر . فوفقاً لقوائم الشحن، أرسلت موسكو إلى النظام السوري عن طريق الجو أكثر من مائتي طن من “الأوراق النقدية” في صيف 2011 .

وقد اعتبر بوتين توسيع القدرة البحرية الروسية ركيزة أساسية في فترة ولايته الرئاسية الثالثة . وخلال تدشين فئة الغواصات الروسية الجديدة الأولى منذ عام ،1991 التي جرت في 10 يناير/كانون الثاني، قال بوتين: “أود أن أؤكد مجدداً أن تطوير قوة بحرية قوية فعالة هو واحد من أولويات روسيا الرئيسية” . وهكذا فإن سقوط الأسد يعني خسارة روسيا لقاعدتها العسكرية الوحيدة خارج الاتحاد السوفييتي السابق - أي مركز التموين البحري في ميناء طرطوس السوري .

ومنذ عام ،2000 سعى بوتين إلى استعادة مكانة روسيا ك “قوة عظمى” مُجسداً سياستها ضد الولايات المتحدة في شكل لعبة محصلتها صفر من أجل وضع روسيا كثقل موازن للغرب في الشرق الأوسط . وتمثل سوريا موطئ القدم الأكثر أهمية في المنطقة بالنسبة لروسيا، كما أنها تعتبر ذات أهمية رئيسية في حسابات بوتين . فموقع سوريا الجيوبوليتيكي يجعلها ذات أهمية كبرى من أن يُسمح بخسارتها .

وساد اعتقاد مفاده أن “الحرب ضد الإرهاب”، سواء على الأراضي السورية أو في منطقة القوقاز، وإن طال أمدها، تعتبر مفروضة على روسيا وسوريا في آن . ومن الطبيعي، في ظل التخوف من عودة المقاتلين من سوريا إلى القوقاز، أن تعتبر روسيا الجبهة السورية خطها الدفاعي الأول . فسوريا اليوم تستقطب آلافاً منهم، يسعون إلى “الاستشهاد” .

وذلك يشكل، مهما طال أمده، أحد مستويات المصالح المشتركة بين البلدين .

ولم يكن هناك مبرر للآمال التي تقضي بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوف يغير دعمه للنظام السوري . لكن سرعان أن تجمعت مؤشرات معاكسة فقد اعترف علناً نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف باحتمالية فقدان الرئيس  الأسد السلطة حيث قال: “للأسف، لا يمكن استبعاد انتصار المعارضة” . لكن سرعان ما تراجع الكرملين عن موقفه مدعياً أن بوغدانوف كان يعبر فقط عن وجهة نظر المعارضة السورية .

ومؤخراً، وفي أعقاب تصعيد الحديث الدولي، وعلى نحو خاص الأمريكي عن التدخل العسكري ضد حكومة دمشق، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده “لن تدخل في حرب ضد أحد إذا تبنى الغرب الخيار العسكري في سوريا” .

وأن شن عمليات عسكرية خارج إطار مجلس الأمن “يشكل مخالفة جسيمة للقانون الدولي وتداعياتها جربت في العراق وليبيا، وإن إطاحة النظام السوري لن تنهي الحرب الأهلية في هذا البلد” .

وعلق الباحث والمحلل الروسي ورئيس المجلس الروسي للسياسة الاقتصادية والدفاعية، فيودر لوكيانوف على تصريحات لافروف، قائلاً: “إذا ما وضعنا جانباً احتمال التدخل الروسي غير المباشر، فعلى الأرجح سيكون موقف الكرملين تجاه سوريا مشابهاً لموقفه إزاء العراق في العام ،2003 حيث بقيت روسيا جانباً لتراقب . وما حدث في العراق يثبت من جديد النظرية الروسية القائلة بمساوئ التدخل العسكري على الأراضي الأخرى . فالأمريكيون لم يخرجوا منتصرين من العراق، وفي سوريا سيكون الوضع على ما هو عليه . ولا شك في أن روسيا بحيادها، إذا ما اعتمدت الحياد، ستكون خاسرة على مستويات عدة في المنطقة لأنها ستكون قد تركت مواقعها وثمن العودة ليس بالبخس” .

وفي دليل جديد على تحول في موقف موسكو الداعم لنظام بشار الأسد، بدأت روسيا في ترحيل تسليم أسلحة نوعية للنظام إلى العام 2016 . والسبب الرئيس لتغيير مواعيد التسليم يتعلق بأمور مالية، تتمحور حول عجز نظام دمشق عن تسديد ما عليه من دفعات مستحقة .

وفي السياق نفسه، أعلن خبير تحليل الاستراتيجيات كونستانتين ماكينكو أن “تزويد نظام دمشق بمقاتلات “ميغ” المحدثة في 2013 ليس تصرفاً عسكرياً ولا سياسياً مفيداً لموسكو أو دمشق” . وبذلك يشير إلى الإفلاس المتكرر للسياسة الموسكوفية في الشرق الأوسط، أو سياسة “الروليت الفيتوية” التي طبقها سابقاً غروميكو وبريماكوف وراهناً لافروف، وتنذر بتلاشي صدقية ومبدئية المواقف الروسية التي لا تتجاوز حدود استخدام حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن . وفيتو “رابع” في الحالة السورية سيكون في منزلة لزوم ما لا يلزم .