أقوياء رغم الارهاب والخطوب
من بين ثنايا المشاعر التي خالطها الفخر والحزن على شهيد الواجب راشد الزيود وتمنيات الشفاء العاجل للجرحى المغاوير يقف المرء مع نفسه وقفة المفجوع الأسي ، فهذا الشهيد الباسل ورفاقه ممن سبقوه كانوا كلهم مشاعل نور تنير الطريق لاجيال الوطن وتعطي اروع الامثلة في التضحية وتثبت ان في الاردن رجالا يعرفون كيف يقاتلون ويعرفون كيف يموتون. ما كان الاردنيون قبيل شر ولا كانوا مكسر عصا لكي ينال منهم العدو سواء اكان ارهابيا ام غاصباً. كانوا وما زالوا سادة في بلادهم يجيرون الخائف المستجير ويحمون الذمار وياخذون بيد المنجود... كانوا دائماً الطلائع في شد ازر اخوانهم العرب كلما دعا الداعي، يقتسمون رزقهم مع من يستنجد بهم ممن ضاقت بهم السبل وجارت عليهم صروف الدهر. ان ما حدث في اربد وما تجلى من بطولات النشامى الاردنيين وما سكب من دمائهم الزكية التي بذلوها لحماية الوطن والمواطنين ليشهد بجلاء ان هذا البلد منيع وعصي على الاعداء بهمة قيادته وابنائه البواسل في جيشه وقواه الامنية وعزيمة مواطنيه.
من هم هؤلاء الذين اعتسفوا تعاليم الدين واخذوا يلوون اعناق مفاهيمه ليخرجوا باستدلالات ما انزل الله بها من سلطان منافية للاسلام وروحه اعتمدها فكرهم الضلالي فكان هذا الفهم الشارد والمعوج لتعاليمه السمحة النبيلةعندما استعملوا القاموس الديني والرمزية الروحية في خطابهم التحريضي وغلب تاويلهم للنص على تحكيم العقل فحاك في صدورهم الاثم وظلوا سادرين في غيهم ورفضهم للآخر وضاقت مساحة الفكر عندهم واتسعت لديهم مساحات الجهل والخرافة وامعنوا في محاولاتهم لاذكاء مشاعر الاغتراب بين الشعب والسلطة، وظنوا ويالسوء ما ظنوا ان لهم ان يملكوا مصائر الخلق وان يكونوا سدنة على ابواب الجنة وخزنة على ابواب جهنم يدخلون من يشاؤون ويمنعون من يشاؤون ويصادرون على حق الخالق تعالى فى الرأفة بعبادة وعلى حق المجتمع في تطبيق القانون بعدالة فصاروا يصدرون احكامهم اعتباطاً بتكفير الناس وقتلهم وحرقهم واغراقهم.
ولقد ران على جوانب من الثقافة العربية في العقود الاخيرة تراجع في الاتجاهات العقلانية وخللاً فكرياً واجتماعياً ونكوصا على كثير من الموروث الثقافي البائد والافكار الماضية فتعالت اصوات تدعو الى الماضي واستفتاء الموتى في مصائر الاحياء وساد التعصب والدوغمائية عند الكثيرين الذين باتوا ينفخون في كير هذه النزعة ويحطبون في نيرانها وقد فاتهم ان الحضارة الانسانية قد تطورت وتخلت عن الفكر الاسطوري وانحازت الى الفكر العقلاني.
ولا شك ان المشاعر الانسانية الصرفة لا بد ان لها من ان تجعلنا ننظر بعين الاشفاق على اولئك الشباب المغرر بهم والذين التحقوا بالتكفيريين لمحاربة ابناء اوطانهم والحاق الاذى ببلادهم فظلموا بالدرجة الاولى انفسهم واهليهم وذويهم ومات الكثيرون منهم بلا هدف ولا نفع لا بل وبلا قيمة ولا قدر وضاعت طاقات الشباب وحماسه لديهم وصارت هباء منثوراً.
ما العمل؟
لقد قيل الكثير وامعن الكثير في اقتراح وسائل واجتراح حلول بما يغني عن الخوض في هذا لكن رب العباد قد ترك لعباده مجال التوبة ويا ليت لاولئك الفتية المغرر بهم ان يراجعوا انفسهم فليست القناعات الفكرية مهما كان نوعها خيارات نهائية تستعصي على النقد والتطوير اوحتى على الانصراف عنها وانما هي مطروحة دوماً على المراجعة والتغيير الدائمين.
والمسؤولية في مكافحة هذه الظاهرة الشاذة انما تقع ليس على القوى الامنية وحدها مع ما نقدرة لها من جهود عظيمة تبذلها، الا انها تقع ايضا على النخب الوطنية النزيهة والكفؤة فهي القادرة على مكافحتها واحداث الفارق والتغييرات المطلوبة وتجديد الخطاب الديني لابراز ما في الدين من معان سامية وانسانية وهنا ياتي ايضاً دور علماء الدين المتنورين والدارسين ومؤسسات المجتمع المدني الواعية.