أخر الأخبار
تحديات إيران في الحرب على سوريا
تحديات إيران في الحرب على سوريا

محمد السعيد إدريس

أيام، وربما ساعات قليلة، ويصبح خيار “الحرب على سوريا”، الذي ظلّ هاجساً يسيطر على مخططات معظم فصائل المعارضة السورية منذ فرض خيار عسكرة الانتفاضة الشعبية ضد نظام بشار الأسد، إلى واقع دموي ملموس . فلجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ بدأت تعد خطاب تفويض الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشن هذه الحرب، فكيف سيكون موقف إيران من هذه الحرب التي تراها عدواناً على الشعب السوري، وفي ظل قناعة إيرانية مفادها أن النظام السوري بريء من تهمة قصف غوطتي دمشق بأسلحة كيماوية يوم 21 أغسطس/ آب الماضي، وأن المعارضة السورية هي من ارتكب الجريمة البشعة مدفوعة من جانب أطراف داعمة .

السؤال تزداد أهميته في الوقت الذي تزداد فيه صعوبته لسببين أولهما، ما أوردته بعض المصادر الإعلامية من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن أنه “لا يستبعد الموافقة على شن عملية عسكرية في سوريا إذا ثبت استخدام دمشق سلاحاً كيميائياً”، لكنه اشترط مصادقة الأمم المتحدة أولاً . ولكنه لم يتراجع عن قناعاته العقلية والمنطقية باستبعاد تورط النظام السوري في استخدام أسلحة كيميائية ضد المعارضة . وقال “من وجهة نظرنا يبدو أنه من العبث تماماً للقوات النظامية السورية والتي تقف في موضع الهجوم اليوم وفي بعض المناطق قامت بتطويق ما يسمون بالمتمردين وتعمل على الإجهاز عليهم، أن تشرع في مثل هذه الظروف في استخدام أسلحة كيميائية محظورة، وهي على يقين كامل بأنها قد تستخدم كذريعة لفرض عقوبات ضدها بما فيها استخدام القوة”، واعتبر بوتين أنه “لمن السخف” اتهام القوات النظامية السورية بمثل هذا الاتهام .

هذا يعني أن بوتين لم يغيّر قناعاته باستبعاد تورط النظام في جريمة الغوطتين، ولكنه لم يستبعد أن يوافق على شن عملية عسكرية ضد قوات النظام إذا ثبت بالدليل القاطع أنه استخدم أسلحة كيميائية . البعض يقرأ تصريح بوتين على أنه ربما يقبل بتمرير العملية العسكرية، لكن الأهم أنه لن يلجأ إلى اتخاذ تدابير عدائية ما ضد الولايات المتحدة، وهذا أمر يختلف كلية عن كل ما ورد على لسان بوتين ووزير خارجيته في الأيام الماضية .

السبب الثاني ما تكشّف خلال مرافعات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الدفاع تشاك هاغل ورئيس الأركان الجنرال ديمبسي من نوايا مبيّتة لجعل ما أسموه ب “العملية العسكرية” وليس مصطلح “الضربة” العسكرية، عملية “مفتوحة زمانياً ومكانياً” . فمنذ اللحظة الأولى التي ظهر فيها التوجه الأمريكي لاستخدام الخيار العسكري ضد النظام السوري وقواته العسكرية كان المصطلح الذي جرى ترويجه هو “الضربة العسكرية” في محاولة مدروسة لتقليل واحتواء ردود الفعل الرافضة أو المتحفظة مسبقاً من خلال تمرير إيحاء بأنها ستكون “مجرّد ضربة صاروخية لساعات محدودة”، وهو ما وصفته صحف “إسرائيلية” مستهزئة ب “ذر للرماد في العيون” . الأمر بدأ يختلف الآن، وربما تكون “إسرائيل” قد قامت بدور مهم في ذلك، وكذلك بعض الأطراف الداعمة للحرب على سوريا وفصائل المعارضة، بهدف توسيع “الضربة” لتتحول إلى “حرب موجعة للنظام” وليس مجرد ضربة إثبات موقف والسلام . فما ورد على لسان “فرسان أوباما الثلاثة” أمام الكونغرس تضمّن حرصاً على تمكينه من الحصول على “تفويض مفتوح زمانياً” من الكونغرس، أي إعطاء الرئيس حق توجيه ضربات ضد النظام السوري في كل مرة يشك فيها أنه استخدم أسلحة كيميائية، كما تضمن حرصاً على تفويض بدخول قوات برية إلى الأراضي السورية، وهذا كله لم يكن وارداً في الأيام الأولى عند تفجّر الأزمة، حيث كان المسعى الأمريكي منحصراً في “ضربة محدودة” عقابية .

كيري كان الأوضح في الحديث، فقد حثّ الكونغرس على عدم ربط العملية بلحظة زمنية واحدة، معتبراً أن “هناك خيارات لاحقة” تملكها القوات الأمريكية إذا استخدم الأسد الأسلحة الكيميائية في المستقبل” . كما أوضح أنه “ربما تكون هناك حاجة لعدم استبعاد وجود قوات برية أمريكية على الأرض” .

كيف سيكون رد فعل إيران على ضوء هذه التطورات الجديدة التي تجاوزت كثيراً كل ما كان يروّج عن “الضربة المحدودة”، وتحولت إلى “عملية عسكرية” بكل ما يعنيه مصطلح “العملية”، وما يفرض من استمرارية في العمل العسكري، أي دخول واشنطن طرفاً عسكرياً مباشراً في الأزمة السورية، وهنا يمكن أن يكون هدف “إسقاط النظام” هدفاً لاحقاً أو متضمناً في قول كيري إن “الأسد لا يمكن أن يكون جزءاً من أي تسوية في المستقبل” .

قبل تكشّف هذه المعلومات الجديدة عن معالم الحرب على سوريا، كان الجدل الداخلي في أروقة صنع القرار الإيراني حول موقف إيران من “الضربة العسكرية” الأمريكية “المحدودة” ينحصر بين أحد خيارين: الأول أن تقبل إيران تمرير هذه الضربة من دون رد فعل مباشر، مكتفية بأن تقوم بدور التنديد والشجب والإدانة السياسية والإعلامية، ومكتفية أيضاً بردّ عسكري من النظام السوري يحفظ له ماء الوجه . أما الخيار الثاني فهو أن يدخل حزب الله كطرف مباشر في الدفاع عن الحليف السوري نيابة عن إيران، وأن يدعم موقف القوات السورية في الرد على العدوان الأمريكي وفق الخطة التي سيجري ترتيبها .

كان هناك ترجيح للخيار الأول من خلال إدراك أن “تيار الاعتدال” الذي يقوده الرئيس الجديد حسن روحاني مستهدف من التيار المتطرف داخل إيران، وخاصة الحرس الثوري، وهؤلاء يدفعون باتجاه توريط إيران في الأزمة السورية للتخلص من موجة الاعتدال الجديدة في السياسة الإيرانية، خصوصاً بعد دخول هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام طرفاً داعماً لاعتدال الرئيس روحاني ومؤيداً للحوار مع الولايات المتحدة، ومن خلال إدراك أن تيار الاعتدال مستهدف من الكيان الصهيوني . فأي حوار مباشر أمريكي  إيراني، وأية تهدئة في العلاقات الأمريكية  الإيرانية ليست في مصلحة الخطة “الإسرائيلية” الرامية إلى توريط واشنطن في حرب تشنها “إسرائيل” لضرب المنشآت النووية الإيرانية، والقدرات العسكرية الإيرانية خاصة الصاروخية منها .

إدراك ذلك أثبت أن أي تورط إيراني مباشر الآن في الدفاع عن سوريا سوف يعني استعجال إيران للحرب مع “إسرائيل”، لأن الرد السوري على العدوان سيكون مستهدفاً “إسرائيل” بالأساس، فإذا قبلت إيران الدخول مباشرة في الحرب إلى جانب سوريا، أو إذا دفعت حزب الله للقيام بالمهمة، فإن المهمة هذه لن تخرج عن كونها حرباً على “إسرائيل”، عندها ستجد “إسرائيل” كل ما كانت تفتقده وكل ما كانت تأمله من مبررات لإقناع واشنطن في تعجيل شن الحرب على إيران .

كان هناك دافع آخر لترجيح القبول بخيار عدم التورط في الحرب، وهو ما ورد على لسان جيفري فيلتمان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة (المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي والسفير السابق في لبنان) خلال لقائه بالمسؤولين الإيرانيين في طهران للبحث في أمر “مؤتمر جنيف -2” . فقد أوضح أن نجاح مؤتمر “جنيف -2” يجب أن يقوم على توازن في القوى بين النظام السوري والمعارضة، ونوّه إلى أن “إيران يجب أن تفهم هذا (أي أن تفهم أن الضربة الأمريكية لسوريا هي من أجل تحقيق هذا التوازن، ومن أجل إنجاح المؤتمر) من أجل الوصول إلى هدف أكبر وهو تحقيق السلام في سوريا” .

ما قاله فيلتمان وصل إلى أولي الأمر في طهران، والرسالة باتت واضحة وهي: ضربة محدودة تبقي على النظام السوري وتكون حافزاً لإقناع كل الأطراف للذهاب منفتحة إلى “جنيف -2”، ويبدو أن إيران لم تفهم فقط بل ووافقت .

الأمر أضحى مختلفاً الآن بعد أن تحولت “الضربة المحدودة” إلى “حرب مفتوحة”، وبعد أن تكشّف أن واشنطن تريد إسقاط النظام السوري الحليف لطهران أو على الأقل وضع نهاية للمستقبل السياسي للرئيس بشار الأسد، هل ستغيّر إيران من موقفها؟!

المرجح أن إيران لن تتورط في الحرب مع سوريا، وسوف تضع الموقف الروسي نصب أعينها، لكنها سوف تنهج موقفاً مرناً، أي الأخذ بقاعدة الانتظار، بمعنى عدم التعجّل بإعلان النية على التدخل والاكتفاء بالتهديد، وترك “الضربة” تحدث، لكن التدخل يمكن أن يكون وارداً في حالة تحوّل الضربة فعلاً إلى حرب أو عدوان أمريكي مفتوح على سوريا هدفه إسقاط النظام، عندها سوف تختلط كل الحسابات، ولن يستطيع الاعتدال الإيراني أن يصد موجات الغضب لدى الحرس الثوري .