الأردنيون يمارسون انتحارًا جماعيًا
لا يحتاج المتأمل في تفاصيل الحياة اليومية للأردنيين إلى وقت طويل، حتى يكتشف انهم يمارسون انتحارًا جماعيًا، لا يكاد ينجو منه أحد. والطرق التي يستخدمها الأردنيون في انتحارهم الجماعي كثيرة، في طليعتها هذا الانتشار السرطاني المتزايد للمقاهي، في كل المدن الأردنية بلا استثناء حتى تكاد تظن ان مدنًا كعمان، وإربد، قد تحولت إلى مقهى كبير من كثرة ما صار فيها من مقاهٍ، ومن شدة انتشار هذه المقاهي وتكاثرها السرطاني، فبين زيارة المرء لشارع «ما» في عمان أو إربد وزيارته لهذا الشارع مرة ثانية، سيجد زيادة ملحوظة في عدد المقاهي بالرغم من ان المدة الزمنية الفاصلة بين الزيارتين لا تكون طويلة. وهي ظاهرة تستحق الدراسة لما يصاحبها من تغير في القيم والمفاهيم.. من ذلك على سبيل المثال: إنه صار من اللافت للنظر في تزايد عدد المقاهي، خاصة في عمان، ان نسبة لا بأس بها من الناس صارت تحول منازلها إلى مقاهٍ، بكل ما يحمله ذلك من دلالات التحول الاجتماعي ومنظومة القيم والمفاهيم، وهو التحول الذي صار معه الأردني لا يجد حرجًا في تحويل بيته إلى مقهى؟!.
سبب آخر من أسباب التزايد السرطاني في عدد المقاهي في المدن الأردنية، هو تحويل الكثير من أصحاب المهن محلاتهم إلى مقاهٍ، لأسباب قد يكون من بينها ميل قطاعات متزايدة من الأردنيين إلى الكسل، وهو الكسل الذي صار صفة ملازمة لهذه القطاعات التي أدى كسلها إلى فتح المجال أمام العمالة الوافدة لتتحكم بمفاصل مهمة من العملية الاقتصادية في بلدنا. وبسبب هذا الكسل يقوم أردنيون باستبدال مهنتهم التي تحتاج إلى بعض الجهد الجسدي أو الذهني إلى مهنة لا تحتاج إلى مثل هذا الجهد. مثلما هي مهنة المقهى، ومن الأسباب التي قد تكون وراء تزايد عدد المقاهي بهذا الشكل السرطاني، ما يلحظه الناس من شدة الإقبال على المقاهي، مما يغري بفتح المزيد منها دون ان يلاحظوا المخاطر الناجمة عن هذا الإقبال، وهي كثيرة، وتُسهم كلها في تعزيز ظاهرة الانتحار الجماعي التي يمارسها الأردنيّون.
أول المخاطر الناجمة عن انتشار المقاهي، التي تُسهم في تعزيز ظاهرة الانتحار الجماعي التي يمارسها الأردنيون، هو هذا الوقت الطويل الذي يمضيه الأردنيون–رجالاً ونساءً شبابًا وكهولاً وشيوخًا–في المقاهي، لا يمارسون شيئًا إلا إضاعة وقتهم «أي إضاعة حياتهم» بلا إنتاج، وبلا أي مقابل، ودون بذل أي جهد، اللهم إلا ما يحتاجه الواحد منهم لنفث دخان أرجيلته التي صارت جزءًا من الطقوس اليومية لنسب متزايدة من الأردنيين، خاصة الشباب من الجنسين، وهنا يكمن الخطر الحقيقي والمتمثل في إدمان الشباب الأردني على إضاعة حياتهم بما لا يفيد، بل بما يضر. فللأرجيلة مضار عديدة هي مضار التدخين، مضافًا إليها الكثير من مضار المواد الكيميائية التي تدخل في تصنيع المعسل المستخدم في المقاهي، والمصنوع أصلاً من بقايا مواد تالفة. يضاف إليها مواد كيماوية لاعطائها نكهات مختلفة، وكل ذلك يشكل خطرًا حقيقيًا على صحة الإنسان.. وهي حقيقة يجمع عليها الأطباء. فإذا أضفنا إلى ذلك ما يشاع عن ان نسبة عالية مما تقدمه بعض المقاهي لروادها، وخاصة الشباب من خلال الأرجيلة يكون مخلوطًا بمواد مخدرة تُسبب تعلق الشباب بالأرجيلة، ومن ثم عودتهم إلى المقاهي، مما يشكل مدخلاً لتعاطي المخدرات، عرفنا حجم الخطر الذي يهدد مجتمعنا.
المظهر الثاني من مظاهر الانتحار الجماعي الذي يمارسه الأردنيون، من خلال المقاهي هو الهدر الاقتصادي. وأول مظاهر هذا الهدر هو إضاعة الوقت بدون إنتاج، علمًا بأن خبراء الاقتصاد يعتبرون الوقت مكوّنًا رئيسًا من مكونات رأس المال والاقتصاد على وجه العموم، ومن ثم فإن إضاعته بلا إنتاج في المقاهي، وعلى هذه الصورة التي يمارسها الأردنيون، والشباب منهم على وجه الخصوص، يشكل هدرًا لأحد أهم مكونات رأس المال على الصعيدين: الشخصي والعام في الوقت نفسه.
غير إضاعة الوقت بغير إنتاج، فإن الأردنيين يمارسون عبر المقاهي تدميرًا خطيرًا لاقتصادهم الوطني، من خلال ما ينفقونه على التدخين والذي يفوق مليار دولار من العملة الصعبة، وهو مبلغ كبير قياسًا إلى اقتصاد ضعيف ومديون كالاقتصاد الأردني.
غير المليار دولار التي ينفقها الأردنيون على الدخان، فإنهم ينفقون ما يفوق ذلك بكثير لعلاج الأمراض الناجمة عن التدخين وعلى رأسها السرطان، الذي تتزايد نسبته بين الأردنيين بصورة تنذر بخطر حقيقي، ان لم نعالج أسباب هذا الانتشار وفي طليعتها التدخين، الذي ساهم تزايد المقاهي في زيادة عدد من يمارسونه بصورة جنونية، تزيد من تفاقم ظاهرة الانتحار الجماعي الذي يمارسه الأردنيون، والذي صار لا بد من تدخل حاسم لوقفه قبل ان نندم بعد فوات الأوان.