أخر الأخبار
استقلال بريطانيا
استقلال بريطانيا

«الموت للخونة.. والحرية لبريطانيا»! كان هذا جواب «توماس مير» المتهم بقتل النائبة البريطانية «جو كوكس « المؤيدة لبقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الاوروبي ، على سؤال القاضي له :»ما اسمك» ! ، والآن بعد قرار غالبية البريطانيين الخروج من الاتحاد ، يتضح بأن القاتل كان يعكس مزاج الذين أيدوا الانفصال تحت شعار» الاستقلال واستعادة السيادة من الاتحاد « ، وذلك يعكس إحساس نسبة كبيرة من البريطانيين ، بضرورة التحرر من قيود وآليات الاتحاد ،وربما الحنين الى إرث « الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس «.
كانت بريطانيا خلال عقود من الزمن ، تبدو كمن يضع قدما داخل الاتحاد الاوروبي والأخرى خارجه، حيث كانت ترفض الانضمام لمنطقة اليورو» العملة الاوربية الموحدة» وتمسكت بعملتها الوطنية «الجنيه الاسترليني»، كما أنها رفضت المصادقة على اتفاقية «شنغن» ،التي تتيح حرية التنقل بين دول الاتحاد بدون تأشيرة.
رغم انتمائها للفضاء الاوروبي ، كانت بريطانيا ترتبط بعلاقات تاريخية خاصة مع أميركا، فيما عرف بالتحالف « الانجلو- ساكسوني «، ويتجلى ذلك في تبعية السياسية الخارجية البريطانية لأميركا، خاصة مشاركتها بحماس في الحروب الأميركية على العراق وافغانستان ، فضلا عن الانحياز السافر لاسرائيل وإنكار الحقوق الوطنية الفلسطينية.
وكان المرشح الجمهوري «ترامب» الذي يعلن مواقفه العنصرية ضد المسلمين ، واضحا في التعبير عن ابتهاجه بخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، وهو يرى أنها ستكون حليفا كبيرا للولايات المتحدة بعد الاستفتاء، وهذا الرجل يعكس ايدولوجية اليمين الاميركي المتطرف ،الذي يؤمن بهيمنة أميركا على العالم ،وضرورة تفكيك التجمعات الدولية ، التي يمكن أن تنافس الهيمنة الاميركية.
ربما كانت الهجرة المؤقتة وأمواج اللاجئين، التي تدفقت باتجاه أوروبا من منطقتنا العربية خلال السنوات الماضية ، تشكل مصدر قلق للبريطانيين بعد نمو نزعة « الإسلاموفوبيا «.
وقبل ذلك كانت مشكلة الهجرة من دول اوروبا الشرقية ، التي انضمت للاتحاد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ، اذ كانت تلك الدول تعاني من الفقر وضعف البنية الاقتصادية، وكانت الايدي العاملة تتدفق منها باتجاه الغرب ،للبحث عن فرص عمل وحياة أفضل، وقد تحمل الاتحاد الاوروبي أعباء هائلة لدعم اقتصادات تلك الدول.
وربما لم تغب عن أذهان الناخبين البريطانيين مساعي تركيا للانضمام للاتحاد ، وتبدو بريطانيا الأكثر تخوفا ، وعكس ذلك تعليق ساخر لوزراء بريطانيا كاميرون مؤخرا ، قال فيه: أنه لا يتوقع انضمام تركيا للاتحاد قبل عام 3000.
الاتحاد الاوروبي أكبر تجمع على مستوى العالم ، يرتبط أعضائه بعلاقات مميزة خاصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ، أما سياسيا فقد ظلت دوله تحتفظ بسياسات خارجية مستقلة لكنها متقاربة.
وربما تطرح الصدمة البريطانية التي هزت أوروبا، «سؤال الاندماج «ومستقبل التحالفات الاقليمية والدولية ، وخاصة فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي، بعد بروز الصين كقوة اقتصادية هائلة وعودة الحضور الروسي الى الساحة الدولية ، وكان أحد مظاهر الحراك الدولي بهذا الاتجاه تشكل «منتدى بريكس «، وهو منظمة دولية تعمل على تشجيع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين الدول الخمس المنضوية تحت لوائه. وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
ومع ذلك فإن مغادرة بريطانيا للاتحاد الاوروبي لن تكون نهاية العالم ، وفي الحسابات الاقتصادية ،ربما تكون هي الخاسر الأكبر ، وكان أول مؤشرات ذلك الزلزال الذي ضرب الجنيه الاسترليني بعد ظهور نتائج الاستفتاء ، وبالتأكيد فان خروج بريطانيا سيشجع قوى اليمين في الدول الاوروبية الاخرى، للضغط باتجاه إجراء استفتاءات مماثلة. لكن القرار البريطاني سيكون دافعا لإجراء إصلاحات تعالج المشكلات التي يعاني منها الاتحاد ، كما عبر عن ذلك الرئيس الفرنسي ، أولاند بقوله :»الاتحاد بحاجة الى انتفاضة «.
في عالمنا العربي يبدو لا أحد مهتم ، فلدينا ما يكفي من الحروب الاهلية والانقسامات ، المتجذرة في النظام السياسي العربي منذ عشرات السنين ، لكن الجديد أن النموذج البريطاني سيكون ذريعة إضافية، بيد دعاة تكريس النزعة القطرية.