

" التجنح " في العرف الفتحاوي تهمة و جريمة يعاقب عليها النظام الداخلي في الحركة بالفصل حسب المادة ( 96 ) ، بالرغم أن المشرع لم يضع توصيفا محددا وواضحا لما يسمى بالتجنح ، وترك الأمر مفتوحا على مصراعيه لكل التأويلات و التفسيرات وضرورات التوظيف من قبل صاحب القرار ، وبناء عليه جرى و ما زال يجري إسقاط هذه التهمة على كل مختلف في الرأي أو الإجتهاد أو الموقف في الحركة ، خاصة من أبناء قطاع غزة ، وذلك بدلا من القول الصريح بأن العقوبة تأتي لأنك تتخذ موقفا عن وعي و قناعة فتحاوية أصيلة تنتصر فيه للحق أو رفض الإجراءات الظالمة التي أتخذت بحق النائب محمد دحلان وأدت إلى فصله رسميا من الحركة بشكل تعسفي خارج عن الأنظمة واللوائح التنظيمية و القوانين المرعية ، سواء كنت تتفق مع الرجل أو تختلف معه ، وفي السياسة لا يوجد أحد نسخة كربونية عن الأخر ، لا إختلاف مطلق ولا إتفاق مطلق في كل شيئ ، غير أن الرجل باق في الحركة فعليا و يمارس دوره من منطلق الواجب الوطني و الإنتماء الحركي و التنظيمي . الجرأة التنظيمية و المسؤولية الوطنية و القيم الأخلاقية هي أن تتخذ الموقف الذي يعبر عن قناعاتك السياسية و التنظيمية و الفكرية حتى إتجاه من يختلف معك أولا يتفق معك في بعض القضايا و تنتصر للحق مهما كان صاحبه ، لكن أسوأ أنواع الخسة و النذالة و الدونية أن تتنازل عن رأيك و تجعل أحدا يصادر إرادتك عنوة بالترهيب أو الترغيب ، وحينها تتنازل طوعا عن كرامة الثائر و روح المناضل وتقتل الإنسان في داخلك ، وتتحول إلى أداة طيعة و ممتهنة تعمل لحساب الأخرين ، ومن لا ينبري للدفاع عن حرية و حقوق و كرامة الأخرين ليس جديرا بأن يضحي من أجل حرية وحقوق و كرامة شعبه " يقولون شذ أن قلت لا وامعة حين وافقتهم.. فأيقنت أني مهما أرد رضى الناس لا بدّ من أن أذم " . لقد أصبحت تهمة " التجنح " جاهزة لإلصاقها بأي مختلف ، حتى لو لم يكن على علاقة مع النائب محمد دحلان ، ولو من باب النكاية و الإعتماد على تقارير كيدية تتطاير من هنا و هناك بعد أن أصبحت مهنة و إختصاص و مورد رزق و بوابة للإسترزاق ، بل تم تشكيل لجنة خاصة تضم أعضاء من اللجنة المركزية و المجلس الثوري الذين يتلقون التقارير من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة على إختلافها ، وهي طبعا تستهدف الكوادر الحركية الفاعلة و المؤثرة في الميدان و خصوصا تلك الشريحة من العاملين في السلطة الفلسطينية أو الأطر التنظيمية القيادية و القاعدية . السؤال هنا ... تستطيع لجنة التجنح أن تتخذ قراراتها بالفصل و الإقصاء و الطرد من الحركة ، و أن تنفذها رسميا على الورق بمصادقة من الرئيس أبو مازن ، دون الرجوع لأحد بناء على ما يصلها من تقارير أمنية أو موقف شخصي أو رأي مخالف أو مختلف سيان لا فرق ، وقد فعلت ذلك بحق الكثيرين من كوادر الحركة في ساحات عديدة ، وهذا من باب إقرار الحقائق و ليس التجني على الواقع ، ماهو دور لجنة التجنح حسب التوصيف المطاط و المهمة المحددة بملاحقة كل من يؤيد أو يتعاطف أو يناصر النائب دحلان من قواعد فتح و جماهيرها ؟؟ هل ستقوم بمحاسبتهم وفصلهم من الحركة التي هم ليسوا أعضاء فيها أو مسجلين في دفاترها ، ولكنهم يعتبرون أنفسهم فتحاويين أكثر من أعضاء اللجنة المركزية في الحركة ؟؟ أليس هؤلاء رصيد الحركة و رأسمالها الإستراتيجي ؟؟ وهل يدرك صناع أكذوبة التجنح أنه لولا الخوف و الإرهاب الطاغي في هذه المرحلة من التردي فإن مايسمونه التجنح هو القاعدة و ليس الإستثناء في الحركة على إختلاف مفاعيله و منطلقاته ؟؟ بلا مبالغة هناك جيش من المتجنحين الصامتين و الخلايا النائمة في الحركة ممن يخشى العقاب و الإنتقام خصوصا بعد إشهار سيف قطع الرواتب على رقاب العباد ، و أكثر من ذلك فإن ما يصرح به و يتداوله أعضاء في اللجنة المركزية نفسها يضعهم في خانة التجنح حسب التوظيف القائم للكلمة !!! بالتأكيد ليس كل هؤلاء مع دحلان أو يناصرونه فمنهم من يختلف معه ومن يتفق ، ولكنهم بالتأكيد ضد المسارات و الإجراءات و السياسات الخاطئة المتبعة على المستويين الحركي و الوطني . يا سادة يا كرام ... قطاع غزة فيه معدل المواليد سنويا قرابة خمس و خمسون ألف مولود ( 55،000 ) ، خلال سنوات الإنقلاب التسعة زاد عدد السكان قرابة نصف مليون نسمة تقريبا ، وفي نفس الفترة تحول إلى جيل الشباب ذات العدد ممن كانوا في جيل التاسعة عند وقوع الإنقلاب الدموي ، وهؤلاء هم عماد الحركة و مستقبلها ، بحسبة صغيرة هناك مليون شخص خارج حسابات جماعة التجنيح ، هل سيتم فصلهم و إقصائهم من الحركة و عن الحركة ، وهؤلاء غالبيتهم ترى في دحلان منقذ و عنوان أصيل في حركة فتح بالرغم من قرار الفصل التعسفي بحقه ، هنا يجب أن تعترف القيادة بأن فلسفة الفصل و الإقصاء هي السبب الرئيس في المآلات الواقعة بكل المسؤولية الوطنية ، ليس بسبب موقفها من دحلان فقط بل من خلال ممارساتها و إجراءاتها السلبية من تهميش اللوائح و الأنظمة الداخلية و تصفية الحسابات الخاطئة مع كوادر وقيادات ميدانية و تجاوز الأصول والأعراف الحركية وقبل ذلك كله خلق قاعدة جماهيرية و تنظيمية للنائب دحلان و توسيع مساحة التعاطف مع قضيته وما يطرحه من رؤى خاصة في قطاع غزة وما تبعه من حضور لا يمكن إنكاره في مختلف الساحات ، لماذا لا تعترف القيادة بأنها أخطأت و تبادر إلى معالجة و إصلاح ما وقعت فيه من خطايا و آثام بدلا من التمادي فيها ؟؟ مع أن الواجب التنظيمي يقتضي ذلك وهو أقصر الطرق لحل المشكلة التي صنعتها القيادة و نفخت فيها حتى إنتفخت !! للحقيقة إن دحلان لم يبذل من الجهد 1% مما قمتم به من أفعال و أقوال ساهمت بقوة في تجنيد و تحشيد الناس من مختلف الشرائح الجماهيرية و التنظيمية حوله ، لذلك من الفضيلة العودة لمعالجة الأسباب قبل مطاردة النتائج و معاقبة الخلق و التمادي في الخطأ . يا سادة يا كرام ... عقوبة الفصل في النظام ليس فقط حصرية لمن يتم إتهامه بالتجنح ، بل هي واردة أيضا ضد كل من يخالف الباب الأول من النظام الداخلي ، وفي السياق لا نغفل الإشارة إلى النظام الأساسي للحركة ، وهنا يمكنني التساؤل أين اللجنة المركزية نفسها مما ورد فيه من بنود وفقرات باتت الحركة في معزل عنها و غير حاضرة في سياساتها و قراراتها ، وهذا لا يحتاج إلى إثبات !! أم نسير حسب المثل " لمين نشكي اللي أبو القاضي ... فكيف إذا كنتم أنتم القاضي و الحكم و الجلاد بعد أن تم إفراغ المحكمة الحركية من مضمونها القضائي و القانوني التي كان من الممكن أن تشكل ملجأ الشاكين ضدكم ، وحقيقة كنتم أذكياء بعد المؤتمر العام السادس عندما قمتم بتفصيل عمل المحكمة الحركية حسب مقاسات لا تؤثر عليكم من قريب أو بعيد وتحولت مثل غيرها من اللجان ، و ليست جهة قضائية و محكمة مضمون يستطيع الفتحاوي التوجه لها للبت في أي مظلمة أو إنحراف أو فساد أو سلوك غير صحيح ، وبذلك أصبحت اللجنة المركزية فوق القانون ، طبعا المجلس الثوري بصفته الجهة الرقابية و التشريعية في الحركة تم مصادرة قراره مبكرا و تحول إلى ديكور ليس إلا يستخدم عند الحاجة و ليس كما نصت القوانين واللوائح ونال من التهميش و التطنيش و الإهمال ما يستفز و يؤلم كل عضو فيه حتى من يدينون بالموالاة لكم في كل شيء لإعتبارات مختلفة . لم ينته الحديث وله بقية ، ولكن في ظل ما نشرته قناة الجزيرة من تحقيق صحفي يتعرض لإبن فخامة الرئيس والإشارة لأملاكه في لندن ، أتمنى ألا يتبرع أحد بالمطالبة بفصل الصحفي "كلايتون سويشر" بتهمة التجنح ، أو حتى محاكمة الصحفي الإيطالي صاحب التقرير عن الفساد في السلطة ، حتى لا تبرز ظاهرة المتجنحين الجدد !!!!.