أخر الأخبار
هل يرضخ الجيش في «تركيا»؟
هل يرضخ الجيش في «تركيا»؟

السجون التركية امتلأت بآلالاف العساكر المتهمين بالضلوع في الانقلاب و الاعدامات حديث الساعة في تركيا، و يُفهم من حديث الرئيس التركي أن حكم المحكمة ضد هؤلاء لا يحتاج لأن يختلف فيه اثنان، فتبدو الهوة عميقة ما بين الادعاءات بحماية الديمقراطية و انفاذ القانون أو تكريس دولة المؤسسات.
كذا الحال بالنسبة لآلاف المعزولين من أعمالهم من جيش و شرطة للشكوك بضلوعهم في الانقلاب.
الأمر لن يتوقف عند هذا الحد فبلا شك أن ما جرى أفقد الرئيس التركي ثقته بكثيرين ممن حوله بل بكثير من المؤسسات و القيادات الأمنية و إلى جانب الرحلة الانتقامية التي انطلقت مع ليل الجمعة/السبت الماضي، لا يزل يحاول استيعاب ما حصل، فما جرى كان آخر ما وضعه في الحسبان رغم قدرته الكبيرة على استشعار الخطر و التي تجلت في امتصاصه للغضب الروسي و ترميم العلاقات مع اسرائيل عبر تنازلات لم يتسرب إلا القليل منها.
الجيش التركي لم يتسن له الدخول في مواجهة مع بعضه فالانقلابيون لم يتصد لهم الجناح الآخر من الجيش الذي لم يُعرف سبب تأخره في التحرك لحماية الرئيس أثناء وقوع الانقلاب فلم يجد الرئيس أمامه سوى الهروب المبكر و هذا كان دليلاً كافياً على أن الانقلاب نجح بكل في الكلمة من معنى لكن ثمة ما جرى في الخفاء خلال الساعات التي رافقت غياب «اردوغان» عن الأنظار فتغير مسار الأحداث إذ أن الرئيس التركي عبر تطبيق الهاتف الذكي كانت اعلاناً للعودة لا طلباً للنجدة رافقها نشاط ضخم من ماكنات اعلامية داخلية و خارجية لنشر مشاهد وقوع الانقلابيين في أيد الشباب الغاضبين، فظهر الجيش التركي و كأنه أضعف من أن يحمي نفسه من شباب عُزّل غاضبين!
لن يطول الوقت قبل أن تتضح حقيقة ما جرى و سيكون السلوك السياسي للرئيس التركي من الآن فصاعداً مرتبطاً بالحادثة الأخيرة و على وجه الخصوص فيما يخص العلاقات الخارجية، و غالباً ما سينحى منحى ليناً خارجياً و متشدداً داخلياً فهو يعلم أن تحرك الالاف العسكر لم يأت من فراغ و إنما استجابة لحقيقة أن الجيش التركي كما كان تاريخياً يصعب تطويعه سيما و أن «اردوغان» قوّض أساس الدولة التركية الحديثة بتعديلات دستورية منحته فرصة تبديل مقعده في السلطة و من ثم نقل الصلاحيات من منصب لمنصب لضمان سطوة موقعه الجديد.
الرجل يتمتع بشعبية جارفة محلياً لكن ذلك لا يخفي حقيقة وجود معارضة شرسة في الداخل لسياسته و التي لا يكف عن ربطها بمؤمرات خارجية كما هو حال المعارضة دوماً في العالم الثالث الذي حاول رئيس الوزراء التنصل منه عندما قال في غمرة نشوة رجوع السلطة أن من حاول تصوير تركيا على أنها من العالم الثالث مخطئ!
«الفوبيا» ممن يسميهم اردوغان «خونة» تتصاعد بل و يساهم الاعلام الموالي له في تأجيجها بهدف إكساب التطهير الذي يقوده شرعية لكن هذه «الفوبيا» ستتسبب في تعظيم الهوة داخل الجيش و المؤسسات الأمنية، فالعاطفة التي ظهرت على شكل غضب في أوساط الأتراك خوفاً من أن يلتحق بلدهم بفوضى الشرق الأوسط بدأت تخمد و ستتوجه الانظار من الآن فصاعداً إلى تقييم ما حدث و ما ترتب عليه من انقسام داخلي فكل من هو ضد سياسات «اردوغان» بات يواجه تهمة الولاء للانقلابيين.
تركيا لن تنجو من الفوضى السياسية و حال البلد اليوم يشبه حال مصر بعد فوز الأخوان المسلمين أو تحديداً ما قبل انقلاب العسكر أي عندما اعتقد محمد مرسي و الاخوان المسلمون أن البلد باتت بأيديهم و بمقدورهم الانفراد التام بالسلطة.