الكاشف نيوز - وكالات
وحده الظلام كان يعمّ أرجاء منزل “طانيوس”.. سكونٌ تام تخرقه بين الحين والآخر رنات هاتفه الطويلة.. لا مجيب على إتصالات الشقيق المتكرّرة، ولا خبر يبرّد نار قلبه المشتعلة من شدّة القلق، وكأنّه كان على يقينٍ بأنّ مكروهاً ما أصاب أخاه.. ساعاتٌ قليلة لتتضح الصورة.. المفقود جثّةٌ هامدة في مبنى قيد الإنشاء.
غروب يومٍ ربيعي، أقفل الضحيّة محلّه في سدّ البوشرية وهمّ كعادته بتوصيل الموظّف “عماد” إلى مكان إقامته، في الطريق أوهمه الأخير بوجود قسطل مياه في الطابق السفلي للبناء حيث يقيم، والذي يملكه المغدور تتسرّب منه الماء طالباً منه الكشف عليه لإصلاحه، لكن ما إن وصلا المبنى حتى أجهز عليه بأبشع الطرق واستولى على ماله، تنفيذأً لمخطط حبك خيوطه بإحكام.
فظاعة المشهد الجرمي وقساوته، كشفتها وقائع الحكم الذي أصدرته محكمة الجنايات في جبل لبنان برئاسة القاضي فيصل حيدر، بعد مرور سبع سنوات على الجريمة، ورد فيها أنّ المدعي “ديب. ب” حضر يوم اختفاء المغدورإلى مخفر ذوق مصبح، وادلى بأنّ شقيقه طانيوس، غادر محلّه المعدّ لبيع التبغ والتنباك في محلّة سدّ البوشريّة حوالي السادسة مساءً برفقة العاملين لديه “مارون.ك” وعماد البحيري وبحوزته مبلغ كبير من المال وشيكات وقد إختفى أثره.
بعد تحرياتٍ فوريّة للأجهزة الأمنية، وبعدما تأكّد أنّ الموظّف عماد البحيري هو آخر من رافق المغدور، تمّ توقيفه حيث اتضح وجود آثار خدوش على وجهه ويديه إضافة إلى آثار نقاطٍ من الدم على قميصه وحذائه. وبتفتيش الطابق السفلي من البناء غير المنجز الذي يُقيم فيه والذي يملكه المغدور طانيوس، تمّ العثور على جثّة الأخير.
أُخضع الموقوف المصري للتحقيق فاعترف بقتله ربّ عمله بالإشتراك مع “خليفة.م” و”شريف.ج” وقام بالدلالة على المال الذي استولى عليه والذي خبّأه داخل كنبة في غرفته، فجرى ضبطه.
إعترافات الجاني كانت واضحة وصريحة، فقد كشف أنه يوم الحادث وبعد إنتهاء دوام العمل، وإقفال المحل الساعة السادسة مساء، توجّه مع “مارون.ك” والمغدور إلى ذوق مصبح على متن سيّارة نيسان بقيادة “المعلّم” فأوصلا “مارون” إلى مكان سكنه، ثمّ أكملا طريقهما نحو ذوق مصبح حيث يقيم. وقبيل وصولهما أوهم “عماد” المغدور بوجود قسطل مياه في الطابق السفلي يتسرّب منه الماء بغية الكشف عليه ، وبوصولهما إلى الطابق المذكور عاجل المدعو “شريف.ج” المغدور(وفق إفادة عماد) بضربة على رأسه من الخلف بحجر بناء “خفّان”، فارتمى إلى الأمام ممسكاً بالمتهم البحيري، غارزاً أظافره في يده وأعلى خدّه ثمّ سقط أرضاً حيث تابع “شريف” ضربه بحجر الخفّان.
وأقرّ الجاني أيضاً أنّه قام بضرب المغدور بأحجار من بلاط السراميك والموزاييك، زاعماً أنّه خطّط لجريمة القتل قبل يوم فقط من تنفيذها، مضيفاً بأنّه كان صبّ نسختين عن مفتاح الغرفة وسلّمهما إلى “خليفة” و”شريف” حيث تولّى الأوّل عملية المراقبة ونقل سيّارة الضحيّة إلى منطقة انطلياس، فيما ساعده الثاني في تنفيذ الجريمة وأنّهم قسّموا المال إلى ثلاثة أقسام.وتبيّنمن جردة المحل أنّ المبلغ المفقوديبلغ 32 ألفو43 دولاراًو10 ملايين و635 ألف ليرة لبنانية.
وفي التحقيق مع “خليفة” أنكر أي علاقة له بالجريمة، مؤكّداً أنّه تلقى إتصالاً من “عماد” يخبره فيه أنّه واقع بمشكلة كبيرة وطلب منه قيادة سيّارة من نوع نيسان إلى محلّة انطلياس وركنها هناك كونه يجهل قيادة السيّارة. أما “شريف” فنفى أيضاً أي علاقة له بالجريمة ولم يتم العثور على أي مبلغ مالي في منزله.
محكمة الجنايات في جبل لبنان برئاسة القاضي فيصل حيدر، أنزلت عقوبة الأشغال الشاقة مدّة 30 عاماً بحق عماد البحري بعد تخفيفها من الإعدام، وألزمته بدفع 150 مليون ليرة لورثة المغدور بدل عطل وضرر.