مونستر- الكاشف نيوز : تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني، بحضور جلالة الملكة رانيا العبدالله، في مدينة مونستر الألمانية اليوم السبت، جائزة ويستفاليا للسلام، تقديرا لجهود جلالته في إحلال السلام العالمي، وتعزيز مساعي الاستقرار والأمن لمختلف شعوب العالم.
وتحمل الجائزة، التي تحظى بمكانة تاريخية متميزة، وتمثل رمزا للسلام في أوروبا، اسم مقاطعة ويستفاليا المشهورة بمعاهدة الصلح التاريخية، التي أنهت سنوات طويلة من الحروب لترسي السلام بين شعوب أوروبا.
وفي حفل تكريمي أقيم بهذه المناسبة، حضره الرئيس الألماني يواخيم غاوك والسيدة عقيلته، وشخصيات قيادية فكرية وسياسية وأكاديمية أوروبية وعالمية، أعرب جلالة الملك، في كلمة له خلال الحفل، عن تقديره للجمعية الاقتصادية على منحه هذه الجائزة، التي تقلدها عدد من الزعماء على مستوى العالم.
وفيما يلي نص كلمة جلالة الملك:
"بسم الله الرحمن الرحيم فخامة السيد الرئيس، السيد رئيس الجائزة، المنظمون والأصدقاء الكرام، شكرا جزيلا.
أتقدم بخالص مشاعر العرفان لمواطني هذه المدينة العريقة، مونستر، وإلى كل الشعب الألماني، كما وأعرب عن التقدير والامتنان للجمعية الاقتصادية (لإقليمي ويستفاليا وليب)، لمنحي هذه الجائزة، لأنضم بذلك لقائمة الزعماء الذين نالوا هذا الشرف من قبلي على مستوى العالم.
ما يسعدني أيضا هو أن الجمعية تمنح باستمرار مجموعة من الشباب هذه الجائزة مناصفة مع شخصيات أخرى، لطالما سمعنا جميعا مقولة أن مستقبل السلام العالمي هو في أيدي شبابنا، إنه بالفعل في أيدي شبابنا الآن في ألمانيا وفي الأردن وغيرهما من دول العالم، وأهنئكم جميعا في هذا اليوم على جهودكم، وينبغي علينا الترحيب بمشاركاتهم الإيجابية في الحياة وتشجيعها، إنني أهنئ هؤلاء الشباب والشابات، وأهنئكم أنتم كذلك على تكريمهم، وأتطلع إلى استقبال البعض منهم والترحيب بهم في الأردن في القريب العاجل.
أصدقائي، لقد كان للقيادة الألمانية دور مهم للغاية في تحقيق سلام ويستفاليا في القرن السابع عشر، وهو السلام الذي نحتفي به من خلال هذه الجائزة، وهذا الدور والالتزام بالسلام والتسامح من قبل ألمانيا هو على نفس الدرجة من الأهمية، وربما أكثر، في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، لقد كان للعديد منكم دور أساسي في هذا الجهد، وأنا أقدر عاليا رؤية وشجاعة المستشارة ميركل في الحرب ضد الإرهاب وما سببه من معاناة إنسانية، وباسمي وباسم الشعب الأردني أود أن أشكر المستشارة ميركل، وقيادة ألمانيا وشعبها، فلولا جهودكم لكان العالم في وضع أسوأ بكثير مما هو عليه اليوم.
اليوم، اسمحوا لي أن أسأل أولا:
ماذا يمكننا أن نتعلم من معاهدة وُقّ عَت قبل 368 عاما؟ لقد كُتب الكثير عن سلام ويستفاليا، ومساهماته في التاريخ، إذ وضع نهاية لحروب وحشية استمرت أجيالا، قُتل فيها الملايين، حتى أن البعض يقدر بأن نصف سكان ألمانيا قُتلوا في تلك الحروب.
وفي هذا السياق، جاءت معاهدة ويستفاليا لتكون إنجازاً فريداً في تاريخ أوروبا، حيث تم إنهاء صراع معقد عبر المفاوضات والعمل الدبلوماسي، ما ساهم في إعادة تشكيل النظام الدولي الحديث، كما أرست المعاهدة أسسا لتسامح ديني ساهم رغم محدوديته في تقبل الأديان الأخرى، وهو مبدأ مركزي يعتمد عليه مستقبل إنسانيتنا جمعاء.
لقد تطلب إنجاز سلام ويستفاليا نمط تفكير جديد ومختلف، فقد حثت أصوات مؤثرة حينها الأطراف المنخرطة في إنجاز السلام على رفض الصلح وعدم تجاوز ما وقع من ظلم ورفض قبول دول مجاورة تتبنى معتقدات ومذاهب مختلفة، لكن المفاوضين، والذين ناهز عددهم في مراحل مختلفة من المفاوضات مئة وفد مفاوض، اختاروا طريقا آخر، حيث رأوا أن مصالحهم لن تتحقق إلا بالعمل المشترك لضمان مصلحة الجميع، والمتمثلة في السلام والتعاون والاحترام المتبادل.
إن السلام الذي حققته المعاهدة لم يكن مثالياً، إلا أنها حملت وعداً صادقاً بإنجازه، وليس أدل على ذلك من البند الأول من الاتفاقية والذي ينص على تعهد كل طرف بالعمل بكل إخلاص وتفان لما فيه مصلحة وخير ورفعة الأطراف الأخرى.