أخر الأخبار
عباس جثة سياسية تنتظر الدفن !
عباس جثة سياسية تنتظر الدفن !

كتب محمد رشيد :

لا احد يدري متى يسدل الستار رسميا على مرحلة محمود عباس ، مع إن الجميع يعلمون ويقرون بأن عباس لم يعد أكثر من " جثة سياسية " تنتظر مراسم الدفن الرسمية بعد عقد أو أكثر من الفساد والإستبداد والضياع السياسي ، وهو ضياع قد يمد ظلاله الى مرحلة ما بعد عباس بحكم تهالك وضعف المؤسسات والهياكل الوطنية الفلسطينية ، وبصورة خاصة بحكم تراجع وحدة فتح ونشوء جزر " ميلشياوية " مسلحة بصفوف الحركة في الضفة الغربية استعدادا لمرحلة ما بعد عباس .

هناك وهم شائع مفاده أن من " يحسم " رام الله يستطيع السيطرة على حركة فتح ، و من ينجح في الفوز بقيادة فتح يستطيع " حسم " قيادة الشعب الفلسطيني ، و ذلك الوهم يدفع بالطامحين من قادة المليشيات و الأجهزة الأمنية الى تعزيز وتكثيف قواهم وتسلحهم دون النظر الى عمق الأزمة والإنقسام في الشارع الفلسطيني ، فالصراع اليوم والجدل لم يعد محصورا بحركتي فتح وحماس ، بل أمتد الى كل زوايا ومجالس الفلسطينيين داخل وخارج الوطن .

وفقا لآخر إستطلاع أشرف عليه مركز القدس " JMCC " بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية ، و في حال جرت الإنتخابات الرئاسية الفلسطينية اليوم ، و رغم إدراج إسم محمود عباس على قائمة الخيارات الحرة ، فان 61.6 من المستطلعة آرائهم لم يحسموا أمرهم بعد ، مما يعني " الى جانب مؤشرات أخرى في ذلك الإستطلاع " تنامي و تجذر الكتلة الثالثة ، بل و تفوقها الواضح على قوة و خيارات حركتي فتح و حماس مجتمعتين ، و تلك الأرقام دلالة عميقة و إنذار واضح لكل من يحلم بالعرش بعد إزاحة " جثة عباس " عنه .

الطامحون بدورهم لا يجهلون كل أو بعض الحقائق التي عكسها الإستطلاع المشترك ، فجميعهم في صدام صامت مع عباس ، و جميعهم يخطبون وده بنفاق و تفان في العلن ، و مثلما يأخذ الصدام الصامت أشكالا و مواقف تكتيكية مختلفة ، يجد النفاق لنفسه لغة و إشارات متعددة ، فهناك من يصف عباس بآخر العمالقة لغايات في نفسه ، و هناك من يفتعل حادث سير للتهرب من مرافقة عباس الى جنازة شمعون بيرس ، و هناك من رفض صراحة تمثيل " الرئيس " بروتوكوليا في تلك الجنازة ، و كثيرون يقفزون من المركب و يغسلون أيديهم من عار المرحلة .

عباس نفسه يشعر بمرارة لاسعة نحو أولئك الأفراد الطامحين ، لكنه يعلم بأن الوقت ليس في صالحه ، بل الوقت يلعب ضده و يكاد يطبق عليه و على أولاده ، و يخشى عباس أن لا يجد متسعا من الوقت لترتيب " رحيل آمن " قبل فوات الاوان ، فهو يلعب في الوقت الضائع ، ويسعى لتجنب الصدام مع بعض أو كل الطامحين خلال فترة تخير الأكثر امانا له من بينهم ، لكنه لم يجد ذلك " الأمين الوفي " بعد ، وقد لا يجده قبل أزوف الساعة .

كل ذلك " الطحن " و النفاق يجري في " المقاطعة " و جوارها المباشر ، او داخل الحدود الإدارية لمدينة رام الله على أبعد تقدير ، و كل ذلك يجري بعيدا عن نبض الشعب داخل وخارج فلسطين ، بل و حتى بعيدا عن جموع حركة فتح ، و السبب في ذلك أن عباس و خلفاءه الطامحين يسعون للتوصل الى " وصفة سحرية " يتوافقون عليها خلسة ، ليتم فرضها لاحقا على مؤتمر فتحاوي ملتبس يعد و يرتب له وفقا لمتطلبات " الوصفة السحرية " إن وجدت ، ثم لاحقا تتم المسارعة الى عقد مجلس وطني فلسطيني ليجترع أعضاؤه السم المطبوخ سلفا .

لكن ، و في ضوء معطيات و تطورات الوضع الراهن ، و مع تواصل وتيرة الإحتقان الشعبي و الفتحاوي ، و تزايد نزوع الناس للخروج الى الشارع ، فإن أصحاب معادلة " المقاطعة + الطامحين + حدود رام الله الإدارية " قد يجدون أنفسهم في واد ضيق ومطوق بسلسلة مواقف ومطالب شعبية لا يمكن تجاهلها أو القفز عنها ، و أصلا قد لا يجدون الوقت و الموارد لتدارك مثل تلك المطالَب و المواقف ، و أي إستنتاج أحمق بأن الشعب مستعد لتجربة المجرب لن يكون أكثر من العته والهرتلة السياسية .

ما هو مؤكد حتى الآن هو إنتهاء عصر محمود عباس و يتبقى مراسم الدفن الرسمية ، وإن الشعب لن يكرر تجربة قبول زعيم مفروض بإرادة خارجية كما تم فرض عباس منذ العام 2003 ، و من المؤكد أيضا أن الشعب لن يخضع أو يخاف من قعقعة سلاح الميليشيات المخزن في مدن و قرى و مخيمات الضفة الغربية ، فليس هناك بندقية منحرفة تستطيع الصمود أمام شعب لن يتردد في حمل الحجارة دفاعا عن كرامته و حريته في إختيار قيادة جماعية تليق بفلسطين ، و ذلك الإختيار لن يمر الا عبر صناديق إقتراع شفافة ونزيهة ، ولقد سبق للفلسطينيين أن فعلوا ذلك تحت الإحتلال ، وفعلوه مرة أخرى في زمن السلطة الفلسطينية ، ولا شيء يوقفهم مستقبلا عن فعل ذلك حتى في ظل بندقية المحتل أو بندقية تخدم المحتل ، أو كلتيهما معا .