أخر الأخبار
” الجهاد ” في دار الإسلام
” الجهاد ” في دار الإسلام

 

عبد الإله بلقزيز
إن أحسنا الظن بالولايات المتحدة الأمريكية، في سياساتها تجاه الأزمة السورية، قلنا إن تمكينها عشرات الآلاف من المقاتلين المنتسبين إلى جماعات متطرفة وتكفيرية من الدخول إلى الأراضي السورية، عبر الحدود كافة، ومن التزود بالمال والسلاح والتغذية اللوجستية الدائمة من الجوار، إنما كان ترجمة لرغبة أمريكية في تجميع مقاتلي "القاعدة" وأشباهها، المنتشرين في العالم، المشتبكين مع المصالح الأمريكية والغربية، في منطقة قتال ضار - هي سوريا - لتحويل المنطقة هذه إلى مقبرة جماعية لهؤلاء للتخلص منهم، أو - على الأقل - إلى ساحة لإفناء متبادل لعدوين لها هما "القاعدة" والنظام السوري . إلى ذلك يذهب كثير من المحللين الغربيين، والأمريكيين خاصة، حينما يتوقفون عند ظاهرة التحالف العملي - غير المعلن - بين الإدارة الأمريكية والجماعات الدينية المتطرفة على الأرض السورية .
وإذا أسأنا الظن بهذه السياسة المريبة قلنا إنها ما جنحت لاستقدام هؤلاء المقاتلين، من أصقاع الأرض، وتوفير تسهيلات عبورهم إلى الأراضي السورية، وتوفير العناية والدعم لهم باسم "الجهاد"، إلا لتدمير الدولة والكيان، وتمزيق النسيج الوطني والاجتماعي، وتوليد مشكلات بين الجماعات الأهلية المختلفة لن تندمل جراحاتها لعشرات السنين، وقد تصبح من الأسباب والموارد الداخلية التي تبنى عليها سيناريوهات الفدرلة والانفصال والتقسيم .
والحق أن الفرضيتين تتقاسمان الإمكان والوجاهة، في مضمار تحليل السلوك السياسي الأمريكي وفهمه، وليس مستبعداً أن يكونا تعبيراً عن رأيين داخل دائرة القرار الأمريكي . قد يكون مهندسو الأمن القومي الأمريكي، والمدافعون عنه أولوية في الخيارات داخل الولايات المتحدة، هم من يستحسنون فكرة استدراج الشبكات المتطرفة العالمية - من "قاعدة" وقوى مرتبطة بها - إلى المستنقع السوري، قصد حرف جدول أعمالها القتالي (من قتال أمريكا والغرب إلى قتال دول عربية)، واستنزاف قواها في حروب طويلة، وتسخير قدراتها القتالية - أيضاً - في إضعاف نظام سياسي ليست على وفاق معه، مثل النظام السوري، وتأدية مهمة الحرب عليه نيابة عن الولايات المتحدة ومن دون أن تتكلف هذه عبئاً مادياً وبشرياً من تلك الحرب . ومن غير المستبعد أن يكون وراء استحسان فكرة توريط "الجهاديين" في الأزمة السياسية مؤسسات الأمن القومي الأمريكي: البنتاغون والاستخبارات، وهما ساندتا موقف أوباما والبيت الأبيض في عدم التدخل العسكري المباشر في المعارك السورية، والاكتفاء بدعم المعارضة وتزويدها بالسلاح .
في المقابل، يمكن أن تعزى فكرة تجنيد عشرات الآلاف من "الجهاديين" في معركة إسقاط الدولة والكيان في سوريا، وتخريب نسيج الوحدة الوطنية، إلى السعي الحثيث الذي تخوض فيه قوى الضغط الصهيونية - وهي نافذة في الكونغرس والإدارة والإعلام - من أجل بلوغ هذا الهدف.
ولهذه القوى المزدوجة الولاء (لأمريكا ول "إسرائيل") كبير مصلحة في تفتيت سوريا عن طريق تفجير تناقضات بنيتها الاجتماعية، ومصادمة جماعاتها الدينية والمذهبية بعضها ببعض، ودفع البلاد إلى فتن مديدة وإلى حروب "التطهير" الطائفي، على النحو الذي يبرر وجود الدولة الطائفية الصهيونية، في قلب الوطن العربي، ويكرس الاعتقاد بأن التعايش الديني والمذهبي مستحيل داخل المجتمعات العربية . وليست لهذه الدوائر الصهيونية، في الولايات المتحدة، من أدوات لانجاح هذا المشروع الخبيث أفعل من هذه الجماعات المتطرفة والتكفيرية التي قتلت - وتقتل - على الهوية، وتفرض الجزية على المسيحيين في سوريا، ممن تسقط مناطقهم وأحياؤهم في قبضتها، وتأخذ الأسلاب والسبايا وكأنها تخوض حروب الجاهلية .
وأياً يكن التخطيط الأكثر رجحاناً في اشتغال السياسة الأمريكية على خط الأزمة السورية، من مدخل الضغط على البلاد بسلاح "الجهاديين" المستوردين من خارج، فإن هذه السياسة ولعبتها القاتلة، بزج عشرات الآلاف من محترفي القتال "باسم الجهاد" في المعترك، لم يأت بالخراب
والموت على بلاد الشام فحسب، ولا مزق نسيجها الاجتماعي وعمم شريعة القتل فيها فحسب، وإنما هو فتح على المنطقة العربية المجاورة أبواب جهنم، فالذين عبروا الحدود إلى سوريا لن يتوقفوا عند حدودها، وليس في عقيدتهم القتالية حدود سيادية بين أجزاء "دار الإسلام" كي يحترموها، فلقد بدأوا "جهادهم" في أفغانستان، ثم سرعان ما زحفوا إلى الشيشان والصومال، ثم إلى العراق، وها هم اليوم - بعد سوريا - في ليبيا ومالي وسيناء و"بلاد المغرب الإسلامي"، ولا أحد يعرف إلى أين ينقلون "جهادهم" غداً .
ولقد آن الأوان كي يفكر الجميع في ما تريده أمريكا للوطن العربي في هذه الحقبة الجديدة التي تقترح فيها عليه الإسلام السياسي بمدرستيه: "المعتدلة" والمتطرفة، ومن طريقين: صناديق الاقتراع والحرب الأهلية! وكأن لسان حالها يقول: إذا لم تريدوا "الإخوان المسلمين"، سنأتيكم بالتكفيريين و"الجهاديين" .
* نقلا عن "الخليج" الإماراتية

عبد الإله بلقزيز
إن أحسنا الظن بالولايات المتحدة الأمريكية، في سياساتها تجاه الأزمة السورية، قلنا إن تمكينها عشرات الآلاف من المقاتلين المنتسبين إلى جماعات متطرفة وتكفيرية من الدخول إلى الأراضي السورية، عبر الحدود كافة، ومن التزود بالمال والسلاح والتغذية اللوجستية الدائمة من الجوار، إنما كان ترجمة لرغبة أمريكية في تجميع مقاتلي "القاعدة" وأشباهها، المنتشرين في العالم، المشتبكين مع المصالح الأمريكية والغربية، في منطقة قتال ضار - هي سوريا - لتحويل المنطقة هذه إلى مقبرة جماعية لهؤلاء للتخلص منهم، أو - على الأقل - إلى ساحة لإفناء متبادل لعدوين لها هما "القاعدة" والنظام السوري . إلى ذلك يذهب كثير من المحللين الغربيين، والأمريكيين خاصة، حينما يتوقفون عند ظاهرة التحالف العملي - غير المعلن - بين الإدارة الأمريكية والجماعات الدينية المتطرفة على الأرض السورية .
وإذا أسأنا الظن بهذه السياسة المريبة قلنا إنها ما جنحت لاستقدام هؤلاء المقاتلين، من أصقاع الأرض، وتوفير تسهيلات عبورهم إلى الأراضي السورية، وتوفير العناية والدعم لهم باسم "الجهاد"، إلا لتدمير الدولة والكيان، وتمزيق النسيج الوطني والاجتماعي، وتوليد مشكلات بين الجماعات الأهلية المختلفة لن تندمل جراحاتها لعشرات السنين، وقد تصبح من الأسباب والموارد الداخلية التي تبنى عليها سيناريوهات الفدرلة والانفصال والتقسيم .
والحق أن الفرضيتين تتقاسمان الإمكان والوجاهة، في مضمار تحليل السلوك السياسي الأمريكي وفهمه، وليس مستبعداً أن يكونا تعبيراً عن رأيين داخل دائرة القرار الأمريكي . قد يكون مهندسو الأمن القومي الأمريكي، والمدافعون عنه أولوية في الخيارات داخل الولايات المتحدة، هم من يستحسنون فكرة استدراج الشبكات المتطرفة العالمية - من "قاعدة" وقوى مرتبطة بها - إلى المستنقع السوري، قصد حرف جدول أعمالها القتالي (من قتال أمريكا والغرب إلى قتال دول عربية)، واستنزاف قواها في حروب طويلة، وتسخير قدراتها القتالية - أيضاً - في إضعاف نظام سياسي ليست على وفاق معه، مثل النظام السوري، وتأدية مهمة الحرب عليه نيابة عن الولايات المتحدة ومن دون أن تتكلف هذه عبئاً مادياً وبشرياً من تلك الحرب . ومن غير المستبعد أن يكون وراء استحسان فكرة توريط "الجهاديين" في الأزمة السياسية مؤسسات الأمن القومي الأمريكي: البنتاغون والاستخبارات، وهما ساندتا موقف أوباما والبيت الأبيض في عدم التدخل العسكري المباشر في المعارك السورية، والاكتفاء بدعم المعارضة وتزويدها بالسلاح .
في المقابل، يمكن أن تعزى فكرة تجنيد عشرات الآلاف من "الجهاديين" في معركة إسقاط الدولة والكيان في سوريا، وتخريب نسيج الوحدة الوطنية، إلى السعي الحثيث الذي تخوض فيه قوى الضغط الصهيونية - وهي نافذة في الكونغرس والإدارة والإعلام - من أجل بلوغ هذا الهدف.
ولهذه القوى المزدوجة الولاء (لأمريكا ول "إسرائيل") كبير مصلحة في تفتيت سوريا عن طريق تفجير تناقضات بنيتها الاجتماعية، ومصادمة جماعاتها الدينية والمذهبية بعضها ببعض، ودفع البلاد إلى فتن مديدة وإلى حروب "التطهير" الطائفي، على النحو الذي يبرر وجود الدولة الطائفية الصهيونية، في قلب الوطن العربي، ويكرس الاعتقاد بأن التعايش الديني والمذهبي مستحيل داخل المجتمعات العربية . وليست لهذه الدوائر الصهيونية، في الولايات المتحدة، من أدوات لانجاح هذا المشروع الخبيث أفعل من هذه الجماعات المتطرفة والتكفيرية التي قتلت - وتقتل - على الهوية، وتفرض الجزية على المسيحيين في سوريا، ممن تسقط مناطقهم وأحياؤهم في قبضتها، وتأخذ الأسلاب والسبايا وكأنها تخوض حروب الجاهلية .
وأياً يكن التخطيط الأكثر رجحاناً في اشتغال السياسة الأمريكية على خط الأزمة السورية، من مدخل الضغط على البلاد بسلاح "الجهاديين" المستوردين من خارج، فإن هذه السياسة ولعبتها القاتلة، بزج عشرات الآلاف من محترفي القتال "باسم الجهاد" في المعترك، لم يأت بالخراب
والموت على بلاد الشام فحسب، ولا مزق نسيجها الاجتماعي وعمم شريعة القتل فيها فحسب، وإنما هو فتح على المنطقة العربية المجاورة أبواب جهنم، فالذين عبروا الحدود إلى سوريا لن يتوقفوا عند حدودها، وليس في عقيدتهم القتالية حدود سيادية بين أجزاء "دار الإسلام" كي يحترموها، فلقد بدأوا "جهادهم" في أفغانستان، ثم سرعان ما زحفوا إلى الشيشان والصومال، ثم إلى العراق، وها هم اليوم - بعد سوريا - في ليبيا ومالي وسيناء و"بلاد المغرب الإسلامي"، ولا أحد يعرف إلى أين ينقلون "جهادهم" غداً .
ولقد آن الأوان كي يفكر الجميع في ما تريده أمريكا للوطن العربي في هذه الحقبة الجديدة التي تقترح فيها عليه الإسلام السياسي بمدرستيه: "المعتدلة" والمتطرفة، ومن طريقين: صناديق الاقتراع والحرب الأهلية! وكأن لسان حالها يقول: إذا لم تريدوا "الإخوان المسلمين"، سنأتيكم بالتكفيريين و"الجهاديين" .
* نقلا عن "الخليج" الإماراتية