عمان - الكاشف نيوز : جاء خطاب العرش السامي الذي ألقاه جلالة الملك عبدالله الثاني في افتتاح الدورة العادية الاولى لمجلس الأمة الثامن عشر موجزا متضمنا خطوطا عريضة واضحة للمرحلة المقبلة سيما وان كتب التكليف الملكية السابقة بالاضافة الى الورقة النقاشية السادسة تناولت السياسات العامة للدولة وحددت المفاصل الاساسية امام السلطات فضلا عن مضامين البيان الوزاري الذي ستقدمة الحكومة لطلب الثقة على اساسه وكذلك خطاب الموازنة العامة للدولة الذي ستقدمة الحكومة للبرلمان.
في واقع الحال، فإن خطاب العرش السامي جاء موجزا بما حمله من معانٍ ومضامين سامية رسمت بمفرداتها ملامح المرحلة المقبلة بحيث جاءت مضامين الخطاب في اطار توجيه استراتيجي للدولة محددا الاولويات والملفات مع التأكيد على الثوابت الوطنية والقومية والاسلامية للدوله الاردنية.
ولما كان خطاب العرش الذي يحمل الرقم 15 الذي يلقية جلالته امام البرلمان منذ تولي سلطاته الدستورية مرجعا للسياسات العامة للدولة، فانه بطبيعة الحال يتضمن أولويات المرحلة المقبلة، وبالتالي فانه لا بد من التأكيد على جملة من الحقائق عند الحديث خطابات العرش:
أولا – خطابات العرش هي خطابات رسمية يُفوَّض جلالة الملك بإلقائها بموجب الدستور، في افتتاح الدورات العادية لمجلس الأمة وفيها يستعرض جلالته السياسات الوطنية ومرتكزات القضايا الحيوية الهامة في المنطقة.
ثانيا – تتطرق خطابات العرش إلى خطط التنمية والسياسات المحلية، داعية إلى التعاون بين جميع الأجهزة والسلطات الحكومية لتحقيق أهداف وطنية محددة، بما في ذلك، على سبيل المثال، المشاركة السياسية الموسعة.
ثالثا – تؤكد خطابات العرش على القيم الرئيسية المحورية والتطلعات الوطنية التي تنطلق من المبادئ التأسيسية للثورة العربية الكبرى، والالتزام الهاشمي – الأردني بالأمة العربية، والأمة الإسلامية، والمجتمع الدولي.
ويقدم مجلسا الأعيان والنواب ردهما الرسمي، كلاً على حدة، على كل خطاب للعرش، خلال أسبوعين من تاريخ بدء الدورة العادية لمجلس الأمة.
ووفق المادة 79 من الدستور الأردني، فإن جلالة الملك يفتتح الدورة العادية لمجلس الأمة بإلقاء خطاب العرش.
ويمكن لجلالة الملك، بدلاً عن إلقاء الخطاب، أن يكلف دولة رئيس الوزراء بإلقائه.
ولم يمارس هذا الحق إلا جلالة المغفور له الملك عبدالله الأول ابن الحسين، الذي كلّف رئيس وزرائه بالقيام بهذا الواجب البروتوكولي في ست مناسبات، ما بين عامي 1929 و1947. ومنذ ذلك الحين، يقوم جلالة الملك الذي يتولى سدّة الحكم بإلقاء خطابات العرش، وهو تقليد حافظ عليه جلالة الملك عبدالله الثاني
والموضوعات التي تطرقت إليها خطابات العرش في الفترة الأخيرة اشتملت على: الدفاع عن الإسلام، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الوحدة الوطنية، والمحافظة على المعايير الديمقراطية، ورفع مستوى المشاركة السياسية، وتوفير النصح والإرشاد وإتاحة الفرص للشباب من خلال التعليم، وتحقيق وإدامة وتحسين نوعية حياة الأردنيين.
على ما سبق فان البيان الوزاري للحكومة الذي يقدم لمجلس النواب لطلب الثقة على اساسه متضمنا توجهات الحكومة يأتي مكملا لما احتواه خطاب العرش من توجيهات ومضامين. كما ان خطاب الموازنة العامة للدولة للسنة القادمة يضيء بالتفصيل على السياسات الاقتصادية والمالية للحكومة لسنة قادمة.
فالبيان الوزاري تستند الحكومة في تقديمة لمجلس النواب الى المادة 53 من الدستور التي تلزم كل وزارة تؤلف أن تتقدم ببيانها الوزاري الى مجلس النواب خلال شهر واحد من تأليفها اذا كان المجلس منعقداً وأن تطلب الثقة على ذلك البيان.
وكانت حكومة الملقي الثانية تشكّلت في غياب البرلمان وعقب انتخابات مجلس النواب الثامن عشر وذلك في أواخر شهر ايلول الماضي ولم يعقد المجلس اجتماعه الذي ارجىء الى السابع من تشرين الثاني، وعليه فإن الحكومة تتقدم ببيانها الوزاري خلال شهر من تاريخ اجتماع المجلس الجديد وتطلب الثقة على اساسه .
ان البيان الوزاري للحكومة « خطاب الثقة « يأتي متضمنا بالتفصيل للسياسات الحكومية بمختلف القطاعات ويشخص واقع الحال وما تعانيه تلك القطاعات، فمثلا يقدم الحلول التي تنوي القيام بها الحكومة وتوجهاتها بوضوح في هذا المجال .
اهمية البيان الوزاري اليوم تأتي من كون التعديلات الدستورية التي جرت في العام 2011 أعادت النظر في أهمية البيان الوزاري ، فبعد أن كان تقديم البيان الوزاري اختياريا، أصبح تقديمه إلزاميا حتى للحكومات التي تؤلف في ظل حل مجلس النواب أو عدم انعقاده.
فقبل عام 2011، لم يكن المشرع الدستوري يعطي البيان الوزاري القيمة الدستورية كاملة، إذ كان يسمح للحكومة التي تؤلف في ظل غياب مجلس النواب أن تعتبر خطاب العرش بيانا وزاريا لها لغايات الحصول على ثقة مجلس النواب من دون أن تكون ملزمة دستوريا بأن تقدم بيانا وزاريا خاصا بها.
إن خطورة اعتبار خطاب العرش بيانا وزاريا للحكومة الجديدة كانت تتمثل في الزج باسم الملك في مداولات مجلس النواب بشكل يتناقض مع مفهوم النظام البرلماني القائم على أساس عدم مسؤولية الملك السياسية أمام مجلس النواب على اعتبار أن الوزارة هي من تتحمل المسؤولية السياسية عنه تطبيقا للقاعدة الفقهية أنه لا ينسب إلى الملك خطأ بل ينسب إلى وزرائه.
أما بعد التعديلات الدستورية الأخيرة عام 2011، فقد أعاد المشرع الدستوري الاعتبار إلى البيان الوزاري بأن ألزم كل حكومة جديدة تؤلف أن تتقدم إلى مجلس النواب ببيان وزاري، وأن تحصل على ثقة مجلس النواب عليه حتى ولو تشكلت في الفترة التي كان فيها مجلس النواب منحلا أو غير منعقد.
كما أجرى المشرّع الدستوري تغييرا جوهريا آخر فيما يتعلق بآلية التصويت على البيان الوزاري. فقبل عام 2011، كان التصويت على البيان الوزاري سلبيا بحيث كان يشترط الدستور الأردني لاعتبار البيان الوزاري مرفوضا أن يصوت الأكثرية المطلقة من السادة النواب على عدم الثقة به. أما بعد عام 2011 فقد أصبح التصويت على البيان الوزاري ايجابيا بحيث أصبح يشترط أن يصوت السادة النواب لصالح الثقة بالبيان الوزاري بالأكثرية المطلقة من أعضاء المجلس وذلك عملا بأحكام الفقرة (6) من المادة (54) من الدستور التي تنص على أن الوزارة تعد حاصلة على الثقة إذا صوتت لصالحها الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب.
هذا التغيير الجذري في تعاطي الدستور الأردني مع البيان الوزاري وذلك من خلال اشتراط تقديمه من قبل كل حكومة جديدة تؤلف والتشدد في آلية تصويت أعضاء مجلس النواب عليه يجب أن يفسر على أنه إعادة اعتبار للبيان الوزاري من قبل المشرع الدستوري، وأن يرافق ذلك تغيير في مكانته الدستورية والأثر الدستوري المترتب على عدم تقديمه. فالقاعدة التي استند إليها الدستور الأردني في إلزام كل حكومة جديدة تؤلف أن تتقدم لمجلس النواب ببيان وزاري لنيل الثقة عليه هي أن الأمة مصدر السلطات. فهذا المبدأ يجب أن يطبق على جميع السلطات في الدولة من دون استثناء بحيث تلتزم جميعها بالحصول على ثقة أعضاء مجلس النواب قبل مباشرتها لأعمالها ومهامها الدستورية. فالمادة الأولى من الدستور تنص على أن نظام الحكم في الأردن هو «نيابي ملكي وراثي»، حيث قدم المشرع الدستوري النظام النيابي على النظام الملكي الوراثي تكريسا لمبدأ الأمة مصدر السلطات. كما أن الحكم على شرعية السلطة مع عدمه يكون من خلال الأمة وممثليها المنتخبين في البرلمان.
هذا الإطار يجب أن لا تخرج الحكومة عنه، إذ لا بد وأن تتقدم ببيان وزاري إلى مجلس النواب لنيل ثقة ممثلي الشعب عليه قبل أن تمارس سلطاتها الدستورية الكاملة، وأن تعامل معاملة أعضاء السلطة التشريعية من خلال تعليق مباشرتها لمهامها الدستورية الكاملة على حصولها على ثقة الأمة على بيانها الوزاري من خلال ممثليها المنتخبين في مجلس النواب.
واخيرا يأتي خطاب الموازنة الذي يتضمن الحديث بشكل تفصيلي عن السياسات الاقتصادية والمالية للحكومة والمشاريع التي تنوي تنفيذها بالارقام وتواريخ الانجاز للقطاعات والمحافظات بحيث تتضمن الموازنة رصد المخصصات المالية اللازمة للمشاريع الرأسمالية التي تعزز حقوق المواطنين في ضوء الأولويات وتوفر الموارد المالية، كما يتم رصد المخصصات المالية اللازمة لدعم المنظمات الأهلية والجمعيات والنقابات والاتحادات الرياضية وغيرها من الجهات لتمكينها من القيام بدورها المجتمعي تجاه المواطنين.
والموازنة هي تعبير رقمي (كمي وقيمي)، عن خطة النشاط المتعلقة بفترة مالية مقبلة، ووسيلة للرقابة الفعالة على التنفيذ، وأداة يتم من خلالها توزيع المسؤوليات التنفيذية بين العاملين، حتى يمكن تقييم الأداء، ومتابعة التنفيذ، والتحقق من إنجاز الأهداف الموضوعة، واتخاذ القرارات المطلوبة. لذا، فالموازنة تحقق هدفين رئيسيين، هما: التخطيط والتنسيق : ويقصد بالتخطيط رسم سياسة مستقبلية، أمّا التنسيق، فهو ضرورة حتمية لنجاح التخطيط. فلا يمكن أن نتصور وجود خطة من دون تنسيق بين الأنشطة، والوحدات الفرعية، والعاملين…. إلخ. فالتخطيط يحمل بين طياته، حتماً، عملية التنسيق، لإزالة كل تعارض في الأهداف الفرعية، تحقيقاً للهدف الرئيسي للمشروع.