أخر الأخبار
رجل يحمي وجود لبنان.. ما الخلل؟
رجل يحمي وجود لبنان.. ما الخلل؟

 

بكر عويضة
لفتني الأحد الماضي، 10 نوفمبر (تشرين الثاني) عنوان لكني انشغلت عن قراءة مضمون الخبر، وإذ عدت إلى «غوغل» بعد يومين أريد التفاصيل، لم يفاجئني أن النص منشور على مئات المواقع الإخبارية، بالعنوان ذاته: «رجل دين سني: لولا حسن نصر الله لما بقي لبنان»، وفي التفاصيل ما يلي: قال الداعية الإسلامي أحمد قطان، أحد أبرز رجال الدين المنتمين للطائفة السنية في لبنان، إنه لولا وجود الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، لما بقي لبنان. ونقل تقرير نشر على وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية على لسان قطان توضيحه: «لولا رجل اسمه السيد حسن نصر الله لما بقي لبنان، لأن كثيرين يريدون الفتنة».
بلا شك، لرئيس جمعية «قولنا والعمل» قول ما يعتقد، والسيد قطان ليس أول من يختزل بلدا بأكمله في شخص رجل، لا في لبنان ولا في غيره، فتلك حالة أصابت وما تزال وستبقى تصيب كثيرين من المشتغلين بالسياسة، خصوصا الخالطين منهم طموحات زعامة فردية مع تصورات آيديولوجية جامدة، ثم – وهذا أسوأ - إقحام معتقدات دينية تخص علاقة الخالق الخاصة بالمخلوق، لفرض ما يرى البعض أنه الخلطة الأصح لإصلاح حاضر بلد وتقرير مستقبل شعب. لست أضيف أي جديد إن قلت إن تلك وصفة استبداد، إنما يمكنني، كما غيري، التساؤل عما إذا كان حال لبنان وصل نقطة اللاعودة – كما حصل في دول من قبله - عن خلل ارتهان وجود البلد في شخص رجل واحد؟
ربما الأسلم ترك الإجابة الدقيقة والمختصة عن ذاك التساؤل لأولي الاختصاص من أهل لبنان نفسه. لكن ذلك يجب ألا يحول دون قول ليس جديدا هو أيضا، إنما يستحضره تصريح السيد قطان، وخلاصته أن معظم ساسة لبنان من كل الأطياف والطوائف، وعبر مختلف المراحل، لم يجدوا حرجا في إفساح المجال لآخرين للتدخل في بلدهم، مثلهم في ذلك كما القيادات الفلسطينية التي لم تسمح فقط بالتدخل في الشأن الفلسطيني، بل تورطت هي أيضا في الدخول على خطوط ألعاب نارية سياسية أحيانا، وطائفية/ مذهبية أحيانا أخرى، في لبنان وغيره، فاحترقت أصابعها، وفي أسوأ الحالات حملت متاعها وتنقلت ما بين عمان، بيروت، تونس، واليمن، لكن العاديين من الفلسطينيين، هنا وهناك، هم من اكتووا بالنار فعلا.
عن بعد عشت تقلبات أحوال لبنان ومآسي أهله نتيجة أفعال ساساته، من خلال تجربتي الصحافية، إذ لم أزره حتى اللحظة، وعندما كنت في مهمة صحافية ربيع 1974 وكدت أعبر الحدود السورية – اللبنانية عند نقطة المصنع، منعني ضباط سوريون لأنني أصررت على الدخول بوثيقة السفر المصرية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين - احتراما من صحافي مستقل لسيادة لبنان واستقلاله - وليس بما كان يُعرف بتصريح حركة فتح. يومذاك لم يكن حزب السيد حسن نصر الله موجودا، لكن لبنان البلد كان، وإنْ كانَ وجوده المستقل يتعرض منذ ذاك الزمن للنيل منه.
هل ثمة رابط بين رفضي آنذاك لدخول لبنان بتصريح صادر من مكتب حركة فتح في دمشق وبين تصريح أحمد قطان؟ نعم، في تقديري، وربما أكون على خطأ، لكن أجازف فأوضح: باختصار، الرابط هو في إحلال الأفراد محل الأوطان. ليس هناك أبدا ما يبرر القول بإلغاء بلد بأكمله لولا وجود فرد ما، أيا كان البلد، أو الفرد، ومهما عظمت القضية، بل في الأصل ما أهمية أي قضية بلا شعب، وكيف يصبح للمقاومة اللبنانية ذاتها أي معنى إنْ كان كل وجودها، كما وجود لبنان، مرهونا بالسيد حسن نصر الله؟
المنطق وحده يقول إن البون شاسع بين حماسة السيد قطان للسيد حسن نصر الله، وحقيقة أن بقاء لبنان ليس رهنا بوجود أي فرد، بل هو باق منذ وُجِد، ويبقى ما بقي الزمان، طالما بقي شعبه يحمي التنوع الفريد الذي ميّزه ضمن محيطه العربي، وانتمائه الإنساني. هل يُعقل أن بديهية كهذه يمكن أن تغيب عن السيد أحمد قطان؟
إلى ذلك يجب القول إن الاختلاف مع سياسات السيد حسن نصر الله، لا يعني التقليل من شأن دور الرجل وتأثير حضوره، مع ملاحظة تزايد أعداد اللبنانيين الذين يروْن عكس ما يرى السيد قطان، بل يذهب كثير منهم إلى حد تحميل السيد حسن نصر الله جانبا كبيرا من مسؤولية ما أصاب لبنان خلال حرب 2006 وما تبعها، ويحدث هذا بينما وتيرة المبالغة في تمجيد دوره، بل وإضفاء هالة من القدسية عليه، آخذة في التصاعد وراحت تأخذ أساليب لافتة للنظر، مثل مخاطبة الجمهور عبر الشاشة، ثم وقوف الحضور لمجرد ظهور صورته. تلك علامات تدل في حد ذاتها على خلل ما في علاقة أي قائد بمن يقود، وهو خلل لا يقود، في نهاية المطاف، إلى صالح قائد أو بلد. الأمثلة كثيرة إنْ في الأمس البعيد، أو الموغل في البعد، أو القريب، بل القريب جدا. ويبقى أن أتمنى عودة يوم عاشوراء وقد انصلح حال الناس أجمعين، في لبنان وغيره، فمضى نحو الأفضل، وأجدني في أجواء المناسبة أتذكر دعاء الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: اللهم إني أعوذ بك من سهوات الجِنان وسقطات اللسان، وما نزغ به الشيطان. اللهم إني أعوذ بك من ذهاب العقل.

بكر عويضة
لفتني الأحد الماضي، 10 نوفمبر (تشرين الثاني) عنوان لكني انشغلت عن قراءة مضمون الخبر، وإذ عدت إلى «غوغل» بعد يومين أريد التفاصيل، لم يفاجئني أن النص منشور على مئات المواقع الإخبارية، بالعنوان ذاته: «رجل دين سني: لولا حسن نصر الله لما بقي لبنان»، وفي التفاصيل ما يلي: قال الداعية الإسلامي أحمد قطان، أحد أبرز رجال الدين المنتمين للطائفة السنية في لبنان، إنه لولا وجود الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، لما بقي لبنان. ونقل تقرير نشر على وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية على لسان قطان توضيحه: «لولا رجل اسمه السيد حسن نصر الله لما بقي لبنان، لأن كثيرين يريدون الفتنة».
بلا شك، لرئيس جمعية «قولنا والعمل» قول ما يعتقد، والسيد قطان ليس أول من يختزل بلدا بأكمله في شخص رجل، لا في لبنان ولا في غيره، فتلك حالة أصابت وما تزال وستبقى تصيب كثيرين من المشتغلين بالسياسة، خصوصا الخالطين منهم طموحات زعامة فردية مع تصورات آيديولوجية جامدة، ثم – وهذا أسوأ - إقحام معتقدات دينية تخص علاقة الخالق الخاصة بالمخلوق، لفرض ما يرى البعض أنه الخلطة الأصح لإصلاح حاضر بلد وتقرير مستقبل شعب. لست أضيف أي جديد إن قلت إن تلك وصفة استبداد، إنما يمكنني، كما غيري، التساؤل عما إذا كان حال لبنان وصل نقطة اللاعودة – كما حصل في دول من قبله - عن خلل ارتهان وجود البلد في شخص رجل واحد؟
ربما الأسلم ترك الإجابة الدقيقة والمختصة عن ذاك التساؤل لأولي الاختصاص من أهل لبنان نفسه. لكن ذلك يجب ألا يحول دون قول ليس جديدا هو أيضا، إنما يستحضره تصريح السيد قطان، وخلاصته أن معظم ساسة لبنان من كل الأطياف والطوائف، وعبر مختلف المراحل، لم يجدوا حرجا في إفساح المجال لآخرين للتدخل في بلدهم، مثلهم في ذلك كما القيادات الفلسطينية التي لم تسمح فقط بالتدخل في الشأن الفلسطيني، بل تورطت هي أيضا في الدخول على خطوط ألعاب نارية سياسية أحيانا، وطائفية/ مذهبية أحيانا أخرى، في لبنان وغيره، فاحترقت أصابعها، وفي أسوأ الحالات حملت متاعها وتنقلت ما بين عمان، بيروت، تونس، واليمن، لكن العاديين من الفلسطينيين، هنا وهناك، هم من اكتووا بالنار فعلا.
عن بعد عشت تقلبات أحوال لبنان ومآسي أهله نتيجة أفعال ساساته، من خلال تجربتي الصحافية، إذ لم أزره حتى اللحظة، وعندما كنت في مهمة صحافية ربيع 1974 وكدت أعبر الحدود السورية – اللبنانية عند نقطة المصنع، منعني ضباط سوريون لأنني أصررت على الدخول بوثيقة السفر المصرية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين - احتراما من صحافي مستقل لسيادة لبنان واستقلاله - وليس بما كان يُعرف بتصريح حركة فتح. يومذاك لم يكن حزب السيد حسن نصر الله موجودا، لكن لبنان البلد كان، وإنْ كانَ وجوده المستقل يتعرض منذ ذاك الزمن للنيل منه.
هل ثمة رابط بين رفضي آنذاك لدخول لبنان بتصريح صادر من مكتب حركة فتح في دمشق وبين تصريح أحمد قطان؟ نعم، في تقديري، وربما أكون على خطأ، لكن أجازف فأوضح: باختصار، الرابط هو في إحلال الأفراد محل الأوطان. ليس هناك أبدا ما يبرر القول بإلغاء بلد بأكمله لولا وجود فرد ما، أيا كان البلد، أو الفرد، ومهما عظمت القضية، بل في الأصل ما أهمية أي قضية بلا شعب، وكيف يصبح للمقاومة اللبنانية ذاتها أي معنى إنْ كان كل وجودها، كما وجود لبنان، مرهونا بالسيد حسن نصر الله؟
المنطق وحده يقول إن البون شاسع بين حماسة السيد قطان للسيد حسن نصر الله، وحقيقة أن بقاء لبنان ليس رهنا بوجود أي فرد، بل هو باق منذ وُجِد، ويبقى ما بقي الزمان، طالما بقي شعبه يحمي التنوع الفريد الذي ميّزه ضمن محيطه العربي، وانتمائه الإنساني. هل يُعقل أن بديهية كهذه يمكن أن تغيب عن السيد أحمد قطان؟
إلى ذلك يجب القول إن الاختلاف مع سياسات السيد حسن نصر الله، لا يعني التقليل من شأن دور الرجل وتأثير حضوره، مع ملاحظة تزايد أعداد اللبنانيين الذين يروْن عكس ما يرى السيد قطان، بل يذهب كثير منهم إلى حد تحميل السيد حسن نصر الله جانبا كبيرا من مسؤولية ما أصاب لبنان خلال حرب 2006 وما تبعها، ويحدث هذا بينما وتيرة المبالغة في تمجيد دوره، بل وإضفاء هالة من القدسية عليه، آخذة في التصاعد وراحت تأخذ أساليب لافتة للنظر، مثل مخاطبة الجمهور عبر الشاشة، ثم وقوف الحضور لمجرد ظهور صورته. تلك علامات تدل في حد ذاتها على خلل ما في علاقة أي قائد بمن يقود، وهو خلل لا يقود، في نهاية المطاف، إلى صالح قائد أو بلد. الأمثلة كثيرة إنْ في الأمس البعيد، أو الموغل في البعد، أو القريب، بل القريب جدا. ويبقى أن أتمنى عودة يوم عاشوراء وقد انصلح حال الناس أجمعين، في لبنان وغيره، فمضى نحو الأفضل، وأجدني في أجواء المناسبة أتذكر دعاء الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: اللهم إني أعوذ بك من سهوات الجِنان وسقطات اللسان، وما نزغ به الشيطان. اللهم إني أعوذ بك من ذهاب العقل.