القاهرة - الكاشف نيوز
بخطى مترددة، توجه «كمال» لمقابلة والد خطيبته، تثاقلت خطاه وشعر وكأن قدميه عاجزتان عن حمله على غير العادة، كان يعلم يقيناً أنه خان عهد ذلك الرجل الذى بصدد مقابلته، ولم يصن أمانته، وانه أذاه فى فلذة كبده، وان الجُرح الذى أحدثه لشرفه لن يداويه الزمن، وأن جريمته لن تسقط بالتقادم، وانه سيظل وضيعاً جباناً فى نظره، مهما أظهر عكس ذلك.
هدأ «إبليس» من روعه، همس فى أذنه، حدثه بأن الوالد الذى أُهين كبرياؤه، حينما يطلب الصلح فإن ذلك إعلان واضح للاستسلام، وأن رغبته فى إتمام زواج ما بعد الخطيئة هي رضوخ وإذعان .
استراحت نفسه المعتلة لتلك المسكنات واستكانت لوساوس الشيطان، وأكمل المسير نحو منزل خطيبته وربما الى مصيره المحتوم .
على الجانب الآخر، كان بطل حكايتنا الثانى، عم «ابراهيم»، رجلُ أربعيني ناضل سعياً لتوفير حياة كريمة لأسرته، شيد بقطرات عرقه بيتاً وعمره، هونت ابتسامة ابنته متاعب الدنيا عليه، توسم فيها خيراً يدخره لعمره القادم، باغتته الدنيا وأحالت حلمه النبيل لكابوسٍ قاسٍ ،فتناهت لسمعه ثرثرات جارحة تمس سمعتها، عنوانها نميمة «الفتاة التى فقدت عذريتها»، قبل أن يجوز ذلك شرعاً .
وصل الأب سريعاً لقناعة أن حداً يجب أن يوضع لكل هذه الأحاديث التى تنال من سمعة وشرف ابنته، وضع خطته وأعد مستلزماتها، تواصل مع معاونيه، أوعز اليهم بأن يستدرجوا خطيبها الغادر لمنزله، وأن يوهموه بأن أباها يريده فى جلسة للمصالحة، وأن كل همه هو ستر عرضها وإتمامه زواجه منها مهما كلفه الأمر .
حانت اللحظة المنتظرة، «كمال» يصل فى موعده، مسرح الأحداث يلفه سكون ما قبل العاصفة، أعين الرجلين تلتقي ويكاد شرارهما أن يرى حقيقة وليس مجازاً، بدأ كل منهما بتجاذب أطراف الحديث محاولاً جس نبض الطرف الآخر، تماماً كمحترفى الشطرنج فى مستهل أى نزال، اشتدت نبرة الصوت كما هو متوقع، فأسقط الجميع الأقنعة التى ارتدوها طوعاً لإخفاء النوايا، واستل الأب الجريح سكينًا قد أخفاه بين ثنايا ملابسه، أطلق العنان لنصله لكتابة لحظة الذروة الدرامية لتلك الرواية التراجيدية.
لم يسترح قلبه إلا عندما أطفأ الدم المُسال النار التى تأججت فى صدره، لم تنته القصة بذلك المشهد ولكن أحداثها بدأت تسير فى مسار آخر، وذلك بعد أن قبض على الأب وشركائه و قدموا للمحاكمة بتهمة القتل العمد.
«رأيت رجلاً يحمل سكيناً والدماء تكسوه» .. بتلك العبارة أوجز عبدالكريم. م، وصف مشهد الأب عند إزهاقه لروح المجنى عليه، وأوضح بأن أصواتاً عالية أخافته فتحرك لتبيان السبب، ليفتح الباب ليرى ما رآه.
وأضاف الشاهد، والذى دفعه القدر لأن يكون مقيماً بالعقار الذى شهد الواقعة، بأنه أبصر القتيل يحاول الفرار من العُصبة التى اتفقت على قتله، ليقوم المتهمان الثانى والثالث، بمطاردته فأسقطاه من على الدرج، وفرا هاربين بعد أن تأكدا من انه فارق الحياة.
كان لزاماً لإكمال تفاصيل الصورة، ان يستمع لشهادة ابنة القاتل، محور الأحداث، والتى أشارت فى أقوالها، إلى ان خطيبيها (القتيل)، قام بخطبتها لمدة عام، وخلال تلك الفترة أقدم على الخطيئة بقدميه لتحمل منه سفاحاً، لتضيف بأنه بدا وكأنه يحاول الهروب من إتمام الزواج، على الرغم مما سببته فعلته فى تلويث سمعتها، لتشير الى أن اباها وعند علمه بما حدث، استدعى خطيبها للمنزل، ولم يتمالك نفسه فانهال على جسده بالسكين حتى فارق الحياة، ليلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن حانت «ساعة الموت».