أخر الأخبار
نواب الرولز رويس وحمارة الشعب الأردني
نواب الرولز رويس وحمارة الشعب الأردني
د.ديمة طارق طهبوب

من شاهدها منا فقد شاهدها في الأفلام العالمية فقط وغالبا في المواكب الرئاسية أوفي الأساطيل البرية لحيتان العالم من أصحاب المليارات والمافيات، أما على الأرض فلم نشاهدها حتى في الأردن الدابوقي والغباري والحُمّري ولكن يبدو أن شوارعنا احتفت منذ أيام بآخر إصدرات وموديلات الرولز رويس التي باهى بها أحد نواب الأمة وبثمنها الذي تجاوز 300 ألف دينار مثيرا كما يبدو حتى غيرة زملائه من أصحاب المعالي والسعادة والفخامة!!!

ليس الغنى بالطرق المشروعة حرام، وليست الرغبة في التنعم بالمال، مع التعقل، مذمومة بل إن الرغبة في الركوبة الجيدة من الزينة الحلال المحببة للنفس الانسانية وفيها قال تعالى «زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة» فالخيل الأصيلة في زمن نزول القرآن كانت من أحب وأثمن ما يحرص عليه العربي، ولكن وصفها بالشهوة يجعلها سلاحا ذا حدين إن أسأت استخدامها وبالغت في ذلك قد تقضي عليك!

ولكن حادثة الرولز رويس وثمنها الفلكي بقياس متوسط دخل أغلب الشعب الأردني تدلل على سفه بعض المسؤولين وانفصالهم التام في برجهم العاجي عن هموم ومشاكل الشعب الذي تعضه الضائقة الاقتصادية بالدرجة الأولى، وأنهم مهما حاولوا في دوائر صنع القرار والدوائر الأمنية تجميل السلطة التشريعية فسيبقى وجهها قبيحا لسوء تصرفات النواب وتبلد عدد كبير منهم تجاه الشعب الذي أصبح يبيع سيارته «المهكعة» موديل الألف وخشبة بسبب الارتفاع المتواصل لاسعار المحروقات، الذي يمس كل الشعب الأردني ويبقي النواب والمسؤولين في مأمن من دفع الضرائب والمخالفات والترخيصات وكل ما يعانيه المواطن لاقتناء أربع عجلات تغنيه عن مرمطة المواصلات العامة التي يرثى لحالها، ولا يأمن المرء فيها على حياته أو ماله!

لا بد أن هذا النائب لم يقف في حياته ينتظر باصا ولا سرفيسا ولا سيارة أجرة فمعظم نوابنا ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب، لا بد أنه لم يعان من ضربة الشمس ولا طرطشة المياه في انتظار المواصلات صيفا شتاء دون أن تأتي، وأكيد أنه في الثلجة الأخيرة وما لحقها من صقيع لم يكن يمشي الى دوامه بالساعات ليحصل أي وسيلة نقل توصله متأخرا الى عمله!!! مثله لم يمت له قريب ولم تلد عندهم امرأة في البيت بسبب إغلاق شوارعهم في الثلج! لا فهذا النائب الذي يملك أن يدفع ما يزيد على 300 الف دينار في الحديد لا يعرف شيئا عن معاناة الشعب الأردني، فهو يعيش في مناطق معقمة مع أناس مكويين حيث تخلو الشوارع من المطبات وتزين الورود والأشجار جانبي الطريق!! هذا النائب وكثير من المسؤولين، حتى الذين يمثلون في المشاهد التمثيلية لركوب الباصات العامة، لا يشبهون غاليبة الشعب الأردني ولا يعيشون حياته، مثله لم يسمع ولم يساهم بحملات مثل «حس بغيرك» ولا «حرام من كل بيت» ولا «اختمها بالخير لتعليم الطلبة المحتاجين» فقد كان مشغولا باستعراض الرولز رويس في شوارع عمان! مثله لم يغن «على طريق السلط يا ما مشينا وان تعبت الرجلين نمشي على ايدينا « مثله ببساطة لا يشبه الأردن ولا الأردنيين!

هذا النائب ومن هم على شاكلته لا يعرفون شيئا عن مشروع الباص السريع وآمال الشعب التي ذهبت أدراج الرياح في وسيلة نقل عامة مريحة توفر عليهم الوقت وتنقذهم من الزحمة والاكتظاظ، ولا يعرفون عن الفساد المستمر، السابق، والحالي الذي يطالب باحياء مشروع يبدو تنفيذه شبه مستحيل لسرقة مزيد من أموال الشعب!

لن نضرب لهؤلاء قصة سيدنا عمر وكيف كان يتقاسم مع غلامه ركوب الدابة في رحلة الفتح الى القدس فهؤلاء لا يعرفون من هو سيدنا عمر ابتداء، ولكننا سنضرب مثلا من الدول المتقدمة، التي تزغلل لبهم، ويمضون على شواطئها وفي متنزهاتها وفنادقها عطلهم، فرئيس وزراء هولندا مارك روتتي يذهب بالدراجة الى عمله للمساهمة في تقليل نفقات الدولة والعجز في موازنتها وحفاظا على البيئة، وكذلك الأمر بالنسبة لوزير البيئة والطاقة الدنماركي مارتن ليدغارد الذي قال انه لا يستخدم السيارة الرسمية المخصصة له الا في الأجواء الماطرة وعند الذهاب لأماكن بعيدة، ولكن الفرق كبير بيننا فالمسؤولون الأوروبييون عندهم حس بالأمانة وتعاطف مع مواطنيهم لأن الشعب يحاسبهم أيضا وعندنا قلة ضمائر المسؤولين تؤيدها وتعاظمها قلة وعي ومحاسبة الشعب!

قالوا قديما «حمارتك العرجة تغنيك عن سؤال الليئم» ونحن سكوتنا عن مالنا المنهوب الذي يذهب جزء كثير منه بالامتيازات والاعفاءات جعلنا نبيع الحمارة كما سنبيع أواعينا بعد قليل، وجعلنا لعبة في يد كل اللئام على اختلاف مواقعهم السلطوية!

اذا لم يجد الفرعون من يصده فسيزيد وسيبقى قارون كذلك يخرج علينا في زينته وماله ليقول إنما أوتيته على نفوذ عندي وسنبقى نرى من مظاهر هذه الفرعنة الكثير طالما يستخفنا مثل هؤلاء للاعتقاد أنهم قد يدافعون عن حقوقنا أو يمثلون مصالحنا!!

تذكرت ما كان ينشده جدي «لا تتكبر، الله أكبر لحظة صغيرة بتدهور بتحط الأول والتالي» وأنا أسمع أن أشهر سائقي السيارات في العالم مايكل شوماخار الذي لف العالم وركب أفخم السيارات وأصبح ايقونة هذا الاختراع في حالة حرجة بين الحياة والموت! هناك لحظة لا يغني فيها المال ولا الشهرة ولا القوة وذلك لمن يعتبرون فقط!