أخر الأخبار
ماذا يريد الشارع الأردني؟
ماذا يريد الشارع الأردني؟
المتابع لما يجري في بلادنا من حراك سياسي وجماهيري، يلاحظ أن الشعب بمختلف قواه وفعالياته وتوجهاته السياسية والفكرية والاجتماعية على قناعة تامة بضرورة إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية عاجلة، تقابلها إرادة سياسية أكيدة ومعلنة من قمة هرم النظام السياسي بأهمية وحيوية هذه الإصلاحات، بل والحث على سرعة تنفيذها، مما سيؤدي حتماً الى إعادة الثقة المهزوزة بين الحكومات وشرائح واسعة من الشعب، ويفتح آفاقاً جديدة من الأمل، وصولاً الى تخفيف الاحتقان والتوتر والإحباط وإراحة الشارع. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: إذاً أين المشكلة، وما هي المعيقات للبدء في الاجراءات الكفيلة بالوصول الى الاصلاحات المنشودة؟! في الجانب الرسمي (الحكومي) هناك تصريحات حول خطط عملية في هذا المجال، تتمثل في تشكيل لجنة للحوار الوطني لإدارة حوار شامل بمشاركة القوى والفعاليات الحزبية والنقابية والاقتصادية والثقافية ومؤسسات المجتمع المدني، لإنجاز توافق حول قوانين للإصلاح السياسي والحريات العامة، وفي مقدمتها قانون الانتخاب والاحزاب، وهي اجراءات ينتظرها الناس، ولا يجوز بأي حال وتحت أية ذرائع، التأخير والمماطلة في البدء بتنفيذها.
 
يقيناً ان هذه اللجنة المنتظرة لن تبدأ من الصفر، فقد سبقتها خلال السنوات الاخيرة لجان عديدة شبيهة شاركت فيها شخصيات عامة وحزبية ونقابية وشعبية معروفة، خلصت الى توصيات معينة حول الاصلاحات السياسية، لكنها بقيت حبيسة في الادراج. والآن، وفي ظل الواقع السياسي الحرج، أصبحت الحاجة ماسة وحيوية للبدء الفوري بالحوار الوطني الواسع حول أساس وجوهر الاصلاح السياسي، الا وهو قانون الانتخاب، الذي لا بد أن يكون ديمقراطياً بامتياز، حتى يستطيع إفراز مجلس نيابي يمثل ارادة الشعب الحقيقية، قادر على لعب دور فاعل في تشكيل الحكومات، ومنح وحجب الثقة عنها، وصولاً إلى تكريس وترسيخ مبدأ تداول السلطة التي يطالب بها الشارع. وفي الإطار نفسه، لا بد من إيجاد الصيغ القانونية المناسبة لتنمية العمل الحزبي؛ الرافعة الرئيسية للحياة السياسية الحقيقية، القادرة على تفعيل دور الجماهير الشعبية، وحشد طاقاتها الكامنة الهائلة، بديلاً عن الولاءات الفئوية والجهوية، والتي أثبتت التجارب، حتى الآن، أنها أحد أهم أسباب ضعف وتراجع الديمقراطية والحياة السياسية بشكل عام، وأرضية للتشوهات الاجتماعية في بلادنا. ومن دون الخوض في تفاصيل قانون الانتخاب المنتظر، والتي هي من مهمات اللجنة المتخصصة، الا ان ما يهمنا الساعة هو ان يفرز نواباً للوطن لا نواب دوائر مغلقة أو وهمية، ساهمت في تفتيت المجتمع، وتقطيع أواصره، وبث روح الفرقة والعصبية بين أفراده وفئاته، وحتى في إطار العائلة والعشيرة الواحدة. يريد الشارع قانوناً يضع آليات محددة تحقق مبادئ الديمقراطية والشفافية خلال مجمل العملية الانتخابية، وإشرافا مستقلا للقضاء، ومراقبة حقيقية ومباشرة من قبل هيئات المجتمع المدني المعنية. إننا على قناعة من أن تنمية الحياة السياسية الحقيقية بكامل مكوناتها وعناصرها، وفي المقدمة منها أحزاب سياسية نشيطة وفاعلة، قادرة على طرح البرامج في كافة مجالات الحياة، واستقطاب الجماهير حولها، وإيصال ممثليها الى قبة البرلمان وتشكيل الحكومات، وتداول السلطة، وهذا يحتاج الى جهود كبيرة من قبل الجهات الرسمية والشعبية، لإيجاد الظروف المناسبة لحضانة ورعاية "المولود الديمقراطي" الذي طال انتظاره.
 
آملين أن تبدأ لجنة الحوار عملها وأن تنجز مهامها في أقرب وقت ممكن، ليصار بعدها الى إقرار قانون الانتخابات وفق الدستور، وحل مجلس النواب، وإجراء انتخابات تشريعية جديدة خلال فترة لا تتجاوز السنة. وقد يكون من الضروري عرض مسودة القانون المقترح على الجمهور لإبداء ملاحظاته عليه خلال فترة قصيرة، بهدف إثرائه وحشد التأييد له.
 
إن إنجاز قانوني الانتخاب والأحزاب، ومباشرة العمل بهما، يشكل قاعدة إنطلاق صلبة لمجتمعنا نحو الحياة الديمقراطية والإصلاح السياسي الحقيقي الذي يستحقه شعبنا، ويمثل في الوقت نفسه مصدر منعة للأردن ونظامه السياسي، الذي يملك قوة الشرعية التاريخية والسياسية والاجتماعية، والتي توافق عليها الأردنيون جميعاً، وكان نظامنا وسيبقى الضامن الحقيقي لاستقرار وتقدم هذا البلد، ووحدة كيانه، وتماسك نسيجه الاجتماعي. وفي ضوء إرادة التغيير والإصلاح التي اصبحت حقيقة راسخة لدى شرائح واسعة من شعبنا، لم يبق لنا سوى الانطلاق للعمل والإنجاز، فماذا تنتظر الحكومة ؟!