أخر الأخبار
الوضع الاردني دقيق
الوضع الاردني دقيق

 

كنب خيرالله خيرالله
كيف يمكن وصف الوضع في الاردن؟ هل هناك بالفعل ثورة شعبية فجرها رفع الدعم عن اسعار الوقود وأنّ هذه الثورة ستأتي على الاخضر واليابس ولن تبقي شيئا من النظام؟ باختصار، الوضع في الاردن دقيق، لكنّه ليس خطيرا الى الحدّ الذي يصوره كثيرون لا يدركون ان التصويب، لدى الذين يحرّكون الشارع، ليس على اسعار الوقود وان همّ هؤلاء ليس همّا مرتبطا برفاه المواطن.
التصويب هو على الاصلاحات لا اكثر وذلك من اجل منع اجراء الانتخابات المقررة في كانون الثاني المقبل. الهدف النهائي للذين حرّضوا على النزول الى الشارع اعتراضا على القرار الشجاع الذي اتخذته حكومة الدكتور عبدالله النسور، هو عرقلة الانتخابات، وبالتالي الاصلاحات التي يفترض ان تنقل الاردن الى مرحلة سياسية جديدة. ولذلك رفعت شعارات واطلقت هتافات تستهدف شخص الملك عبدالله الثاني الذي اصرّ ويصرّ على الانتخابات رافضا أن يكون هناك قانون انتخابي على قياس الاخوان المسلمين. تمسّك الملك بقانون انتخابي للاردن والاردنيين وليس لفئة معيّنة لا همّ لها سوى الاستحواذ على السلطة. انها حركة الاخوان المسلمين التي تعتقد ان الوقت مناسب لاستخدام الشارع من اجل تحقيق اهدافها التي لا علاقة لها من قريب او بعيد بالتحديات الحقيقية التي تواجه وطنا اسمه الاردن، حماها وحمى غيرها في الظروف الحالكة.
قبل كلّ شيء، لا بدّ من تفادي السقوط في فخ المبالغات. هناك ازمة اقتصادية حقيقية في الاردن. انها ازمة عميقة عائدة الى عوامل عدّة بعضها خارجي وبعضها الآخر داخلي مرتبط بانعدام الموارد الطبيعية في بلد يعتبر من افقر بلدان العالم، اذ لا ثروة في الاردن سوى الانسان. ما يمكن قوله باختصار أنّ المملكة الاردنية الهاشمية ستكون قادرة على تجاوز المرحلة الراهنة في حال استوعب المواطنون أنّ الشعارات لن تأخذهم الى اي مكان ولا يمكن، خصوصا أن تأتي بحلول.
ما ينقص الاردن، الى حد كبير، هو الوعي الشعبي لعمق الازمة الاقتصادية التي لا يمكن ان تعالج الاّ عن طريق خطوات مدروسة تؤدي الى سدّ العجز في الموازنة. ما رفع اسعار المحروقات سوى خطوة اولى في هذا المجال من اجل ضمان الحصول على قروض من مؤسسات دولية، على رأسها البنك الدولي، تساهم في سد العجز في الموازنة. ليس سرّا ان فاتورة المحروقات ارتفعت بشكل خيالي في الاردن. هناك كميات من النفط كانت الاردن تحصل عليها، باسعار مخفضة، من العراق قبل العام 2003. توقف الكرم العراقي مع الاردن. زاد الطين بلّة توقف الغاز المصري الآتي من سيناء. لم تلتزم السلطات الجديدة في مصر الاتفاق الموقّع مع الاردن. لم تزودها سوى بنسبة 18 في المئة من الكميات التي تحتاجها المملكة. اضطرت الاردن الى استخدام الفيول والسولار لتشغيل معامل الكهرباء. في حال استمرّت الاوضاع على ما هي عليه، ستترتب على الموازنة الاردنية اعباء لا يمكن لايّ دولة ذات امكانات اقلّ من محدودة تحمّلها.
في حال كان الاخوان المسلمون يريدون بالفعل خدمة المواطن الاردني، بدل استغلال المشاكل التي يعاني منها البلد، ومن بينها وجود ما يزيد على ربع مليون لاجئ سوري في اراضيه، ليبادروا الى الطلب من السلطات المصرية تنفيذ الالتزامات التي يفرضها الاتفاق بين البلدين... وهو اتفاق موقّع بناء على طلب مصري واستنادا الى اسعار السوق. من البديهي ان يسأل الاخوان في الاردن اخوانهم في مصر لماذا لا تُعامل المملكة في ما يخص شحنات الغاز بالطريقة الحضارية نفسها التي تعامل بها مصر اسرائيل؟ هذه ليست الخضّة الاولى التي تتعرض لها الاردن. الاكيد انّها لن تكون الخضّة الاخيرة. سبق في الماضي القريب ان كانت هناك تظاهرات في كل انحاء المملكة. هناك ارقام رسمية تشير الى ان عدد هذه التظاهرات كان بالعشرات، بل بالمئات. لم يحدث عنف على الرغم من كلّ الجهود التي بذلتها اطراف خارجية، على رأسها ايران، من اجل تحوير الانظار عمّا يدور في سوريا.
استطاعت قوات الامن الاردنية ضبط الوضع، على الرغم من الاستفزازات التي تعرّضت لها. لم يسقط سوى قتيل واحد في كلّ الاردن على الرغم من تنظيم مئات التظاهرات على مدى اشهر عدّة. وتبين لاحقا أنّ القتيل كان ضحية ازمة قلبية تعرّض لها. لا خيار آخر امام الاردن سوى السير في الاصلاحات السياسية والاقتصادية. هل يعي الاخوان المسلمون الذين يحرّكون الشارع حاليا أنّ لا مصلحة لايّ اردني في تعميق الازمة الاقتصادية. في النهاية، لا مكان يذهب اليه الاردنيون، بغض النظر عن اصولهم، سوى الاردن. ولا سبيل للمحافظة على الاردن سوى الاصلاحات. تكمن الشجاعة في التخلي عن الشعارات الفضفاضة التي لا توفّر خبزا او كهرباء او وقودا باسعار معقولة. بكلام اوضح، يفترض في الاردنيين ان يكونوا فخورين ببلدهم بدل العمل على تدمير مؤسساته. يفترض في الاكثرية الصامتة الخروج عن صمتها ووضع حدّ للمزايدات والمزايدين.
كان تسجيل ما يزيد على مليوني مواطن نفسهم في اللوائح الانتخابية بمثابة ردّ فعل صحّي على الدعوات الى مقاطعة الانتخابات. مثل هذه الخطوة يجب ان لا تكون يتيمة. اليوم قبل غد، على الاردنيين القول أنّهم يعرفون تماما أن الهدف من التحركات الاخيرة ليس الاعتراض على رفع الدعم عن اسعار المحروقات بمقدار ما أنّ المطلوب نسف الاصلاحات من اساسها خدمة لاهداف لا تصب في المصلحة الوطنية بأيّ شكل. هل هناك اردني يريد الانتهاء من الاردن؟.
* نقلا عن موقع: middle-east-online.com

كنب خيرالله خيرالله
كيف يمكن وصف الوضع في الاردن؟ هل هناك بالفعل ثورة شعبية فجرها رفع الدعم عن اسعار الوقود وأنّ هذه الثورة ستأتي على الاخضر واليابس ولن تبقي شيئا من النظام؟ باختصار، الوضع في الاردن دقيق، لكنّه ليس خطيرا الى الحدّ الذي يصوره كثيرون لا يدركون ان التصويب، لدى الذين يحرّكون الشارع، ليس على اسعار الوقود وان همّ هؤلاء ليس همّا مرتبطا برفاه المواطن.
التصويب هو على الاصلاحات لا اكثر وذلك من اجل منع اجراء الانتخابات المقررة في كانون الثاني المقبل. الهدف النهائي للذين حرّضوا على النزول الى الشارع اعتراضا على القرار الشجاع الذي اتخذته حكومة الدكتور عبدالله النسور، هو عرقلة الانتخابات، وبالتالي الاصلاحات التي يفترض ان تنقل الاردن الى مرحلة سياسية جديدة. ولذلك رفعت شعارات واطلقت هتافات تستهدف شخص الملك عبدالله الثاني الذي اصرّ ويصرّ على الانتخابات رافضا أن يكون هناك قانون انتخابي على قياس الاخوان المسلمين. تمسّك الملك بقانون انتخابي للاردن والاردنيين وليس لفئة معيّنة لا همّ لها سوى الاستحواذ على السلطة. انها حركة الاخوان المسلمين التي تعتقد ان الوقت مناسب لاستخدام الشارع من اجل تحقيق اهدافها التي لا علاقة لها من قريب او بعيد بالتحديات الحقيقية التي تواجه وطنا اسمه الاردن، حماها وحمى غيرها في الظروف الحالكة.
قبل كلّ شيء، لا بدّ من تفادي السقوط في فخ المبالغات. هناك ازمة اقتصادية حقيقية في الاردن. انها ازمة عميقة عائدة الى عوامل عدّة بعضها خارجي وبعضها الآخر داخلي مرتبط بانعدام الموارد الطبيعية في بلد يعتبر من افقر بلدان العالم، اذ لا ثروة في الاردن سوى الانسان. ما يمكن قوله باختصار أنّ المملكة الاردنية الهاشمية ستكون قادرة على تجاوز المرحلة الراهنة في حال استوعب المواطنون أنّ الشعارات لن تأخذهم الى اي مكان ولا يمكن، خصوصا أن تأتي بحلول.
ما ينقص الاردن، الى حد كبير، هو الوعي الشعبي لعمق الازمة الاقتصادية التي لا يمكن ان تعالج الاّ عن طريق خطوات مدروسة تؤدي الى سدّ العجز في الموازنة. ما رفع اسعار المحروقات سوى خطوة اولى في هذا المجال من اجل ضمان الحصول على قروض من مؤسسات دولية، على رأسها البنك الدولي، تساهم في سد العجز في الموازنة. ليس سرّا ان فاتورة المحروقات ارتفعت بشكل خيالي في الاردن. هناك كميات من النفط كانت الاردن تحصل عليها، باسعار مخفضة، من العراق قبل العام 2003. توقف الكرم العراقي مع الاردن. زاد الطين بلّة توقف الغاز المصري الآتي من سيناء. لم تلتزم السلطات الجديدة في مصر الاتفاق الموقّع مع الاردن. لم تزودها سوى بنسبة 18 في المئة من الكميات التي تحتاجها المملكة. اضطرت الاردن الى استخدام الفيول والسولار لتشغيل معامل الكهرباء. في حال استمرّت الاوضاع على ما هي عليه، ستترتب على الموازنة الاردنية اعباء لا يمكن لايّ دولة ذات امكانات اقلّ من محدودة تحمّلها.
في حال كان الاخوان المسلمون يريدون بالفعل خدمة المواطن الاردني، بدل استغلال المشاكل التي يعاني منها البلد، ومن بينها وجود ما يزيد على ربع مليون لاجئ سوري في اراضيه، ليبادروا الى الطلب من السلطات المصرية تنفيذ الالتزامات التي يفرضها الاتفاق بين البلدين... وهو اتفاق موقّع بناء على طلب مصري واستنادا الى اسعار السوق. من البديهي ان يسأل الاخوان في الاردن اخوانهم في مصر لماذا لا تُعامل المملكة في ما يخص شحنات الغاز بالطريقة الحضارية نفسها التي تعامل بها مصر اسرائيل؟ هذه ليست الخضّة الاولى التي تتعرض لها الاردن. الاكيد انّها لن تكون الخضّة الاخيرة. سبق في الماضي القريب ان كانت هناك تظاهرات في كل انحاء المملكة. هناك ارقام رسمية تشير الى ان عدد هذه التظاهرات كان بالعشرات، بل بالمئات. لم يحدث عنف على الرغم من كلّ الجهود التي بذلتها اطراف خارجية، على رأسها ايران، من اجل تحوير الانظار عمّا يدور في سوريا.
استطاعت قوات الامن الاردنية ضبط الوضع، على الرغم من الاستفزازات التي تعرّضت لها. لم يسقط سوى قتيل واحد في كلّ الاردن على الرغم من تنظيم مئات التظاهرات على مدى اشهر عدّة. وتبين لاحقا أنّ القتيل كان ضحية ازمة قلبية تعرّض لها. لا خيار آخر امام الاردن سوى السير في الاصلاحات السياسية والاقتصادية. هل يعي الاخوان المسلمون الذين يحرّكون الشارع حاليا أنّ لا مصلحة لايّ اردني في تعميق الازمة الاقتصادية. في النهاية، لا مكان يذهب اليه الاردنيون، بغض النظر عن اصولهم، سوى الاردن. ولا سبيل للمحافظة على الاردن سوى الاصلاحات. تكمن الشجاعة في التخلي عن الشعارات الفضفاضة التي لا توفّر خبزا او كهرباء او وقودا باسعار معقولة. بكلام اوضح، يفترض في الاردنيين ان يكونوا فخورين ببلدهم بدل العمل على تدمير مؤسساته. يفترض في الاكثرية الصامتة الخروج عن صمتها ووضع حدّ للمزايدات والمزايدين.
كان تسجيل ما يزيد على مليوني مواطن نفسهم في اللوائح الانتخابية بمثابة ردّ فعل صحّي على الدعوات الى مقاطعة الانتخابات. مثل هذه الخطوة يجب ان لا تكون يتيمة. اليوم قبل غد، على الاردنيين القول أنّهم يعرفون تماما أن الهدف من التحركات الاخيرة ليس الاعتراض على رفع الدعم عن اسعار المحروقات بمقدار ما أنّ المطلوب نسف الاصلاحات من اساسها خدمة لاهداف لا تصب في المصلحة الوطنية بأيّ شكل. هل هناك اردني يريد الانتهاء من الاردن؟.
* نقلا عن موقع: middle-east-online.com