أخر الأخبار
هل هنالك نخبة سياسية في الأردن؟
هل هنالك نخبة سياسية في الأردن؟

في كل مرة أكتب فيها مصطلح “النخبة السياسية في الأردن” في أحد مقالاتي أجد نفسي على وشك الضغط على لوحة المفاتيح لإزالة هذه الكلمة نهائيا، ولكنني أفترض في نهاية الأمر أن القارئ سيفهم ما الذي أقصده علما بأنه في واقع الأمر فإن هنالك شكا كبيرا في وجود ما يسمى “نخبة سياسية” في هذا الوطن!
تعريف النخبة السياسية في أدبيات علوم السياسة والاجتماع في العالم قد لا ينطبق على الحالة الأردنية. في العالم يمكن أن تنشأ النخب السياسية من خلال العمل السياسي والحزبي المنظم وتتضمن هذه الطبقة الكثير من الشخصيات ذات الحضور والتأثير والنفوذ النابع من المال والقوة الحزبية وغيرها من أدوات الصعود السياسي. أعضاء النخبة السياسية في الدول ذات الممارسات الديمقراطية يمكن اعتبارهم “نخبة” بالفعل من ناحية المهارات والمعارف والتأثير الذي يملكونه، ولكن في الدول التي لا تمارس فيها الديمقراطية بالشكل السليم فإن أدوات صعود النخب السياسية تعتبر مختلفة تماما.
في حالة الأردن فإن الأدوات الثلاث الرئيسية لظهور وصعود وصمود النخبة السياسية هي القاعدة الشعبية والنسب الاجتماعي والمال. في هذه الحالات لا توجد تأثيرات للعوامل السياسية التقليدية في الدول الديمقراطية مثل الأحزاب والنقابات والقطاع الخاص والأكاديمي وان ظهر البعض منها فإن الأساس يكون لأحد العوامل السابقة وخاصة علاقات النسب.
صناعة النخبة السياسية في الأردن تعتمد على شبكة ضيقة نسبية من العائلات والشخصيات التي تمكنت من الاندماج في طبقة النفوذ السياسي والمالي. في العقود الأولى من تأسيس الدولة كانت رموز هذه الطبقة تتميز بالحس والمهارة السياسية العالية ولكن هذه الميزات بدأت في التراجع في السنوات الماضية حيث اصبح مستوى التقارب العائلي والمصالح المشتركة عنصرا أهم من المهارة السياسية.
 نتيجة هذا كانت أن الدولة فقدت “العقول الاستراتيجية” التي يمكن أن تساعد في صناعة القرار السليم في الحكومات المختلفة وكذلك في المؤسسات العابرة للحكومات سواء كانت مؤسسات رسمية أو شبكات مرنة من الشخصيات السياسية ذات التأثير الكبير في صناعة القرار.
تفتقد الأردن إلى النخبة السياسية الحقيقية التي تصعد على سلم العمل السياسي المؤسسي والتي قد تكون خلفية بعض أعضائها من الطبقة الوسطى أو حتى الفقيرة التي تمتلك المهارات السياسية، وهي النخبة القادرة على إدارة الدولة بمستويات عالية من الخبرة. في المقابل نجد أن النخبة السياسية المصطنعة التي تسيطر على القرار هي في الغالب نخبة ترتبط معا أو تتصارع بشبكات المصالح المالية والاجتماعية والنفوذ ولا تقدم للدولة الأردنية الخبرات والمهارات المطلوبة في العمل السياسي.
من أهم طموحات الإصلاح السياسي في المستقبل إنشاء أدوات مستدامة لصناعة نخبة سياسية حقيقية بناء على الكفاءة والعمل المنهجي وليس المصالح والمال والنسب لأن هذه النخبة باتت طفيلية وتساهم بشكل كبير في ابتزاز الدولة واستنزاف مواردها بينما لا تقدم إلا القليل في سياق الإدارة السليمة.