عمان - الكاشف نيوز : رأى محللون سياسيون، أن روسيا "لن ترفع الراية البيضاء في أوكرانيا"، وأنها "قد تصعّد وتصلّب موقفها، ليس في حديقتها الخلفية أوكرانيا فقط، بل وفي سورية أيضا، بعد أن فرضت نفسها كلاعب مهم على الساحة الدولية في العامين الأخيرين".
وعلى جانب آخر من هذا الموقف، رأى محللون آخرون أن الموقف الغربي المساند لأوكرانيا، وأزمات روسيا الاقتصادية، سيضعان روسيا في "مأزق محرج"، قد يقوض نفوذها في الملف السوري، الذي استثمرته، لتعيد تموضع نفسها في واجهة الساحة الدولية.
الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي، أشار إلى أن أزمة أوكرانيا "لم تضع أوزارها بعد، فالكلمة الفصل لم تقل"، معتقدا أنه "إذا كان الروس تلقوا ضربة تكتيكية في أوكرانيا، فهذا لا يعني خسارتهم".
ولفت الرنتاوي إلى أن الروس، شعروا بـ"أنهم خدعوا للمرة الثانية بعد ما حدث في ليبيا إبان الثورة على القذافي"، وهو ما أحدثه عدم صمود الاتفاق بين المعارضة والرئيس الأوكراني فكتور يانكوفيتش، لأكثر من 24 ساعة، جراء إخلال المعارضة به.
وبين، في هذا النطاق، أن "الغرب دعم بقوة النظام الجديد في أوكرانيا، أكان شرعيا أم غير شرعي، أو يعبر أو لا يعبر عن رأي الأغلبية، لكن روسيا لن ترفع الراية البيضاء في أوكرانيا".
وتوقع الرنتاوي "جولة تصعيد مقبلة في المنطقة، بعد الأزمة الأوكرانية، وأن الموقف الروسي في سورية سيتصلب، وسيلقى الأسد وحلفاؤه دعما كبيرا".
كما أشار إلى أن "انعدام الثقة بين روسيا والغرب، سيزيد من تمسك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالنظام السوري، ولن يقبل بخسائر متتالية، بعد أن فرضت روسيا نفسها كلاعب مهم على الساحة الدولية".
ووصف الرنتاوي، الذي يرأس مركز القدس للدراسات، مجريات ما يحدث في المرحلة المقبلة بـ"عض الأصابع"، لافتا إلى أننا "ندخل عتبة جديدة من عتبات الحرب الباردة، بين القطبين الأميركي والروسي".
ويترقب العالم آخر تطورات الأزمة الأوكرانية، لحظة بلحظة، بعد نشر روسيا لقوات عسكرية في أوكرانيا، واستدعاء مجلس الأمن القومي الأوكراني، قوات الاحتياط في البلاد، استعدادا لأي طارئ قد يفرض مواجهة عسكرية بين الجيشين الاوكراني والروسي.
ووسط استمرار التصريحات الحادة والمتوترة الصادرة عن الإدارة الأميركية في هذا الجانب، أبلغ الرئيس الأميركي باراك أوباما، نظيره الروسي أول من أمس، في مكالمة هاتفية، استمرت ساعة ونصف الساعة، وفق بيان للبيت الأبيض، بأن "موسكو انتهكت القانون الدولي، بنشرها قوات عسكرية في أوكرانيا".
ولفت البيان إلى أن أوباما حذر بوتين "من عزلة دولية وانعكاسات سلبية عميقة على العلاقات الأميركية الروسية"، مبينا أنه أخبر نظيره الروسي بأن "تحركات القوات الروسية في أوكرانيا، تشكل انتهاكا واضحا لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها".
من جانبه، وضع مدير المركز الاقليمي لمنع النزاع في المعهد الدبلوماسي الأردني الدكتور حسن المومني، ما يجري "ضمن المنافسة الأميركية الروسية، وسعي بوتين لاسترداد مكانة روسيا التاريخية والدولية، وعملية دفاع عن مصالح روسية، بينها أوكرانيا التي كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي".
ولفت المومني الى أن ما يحدث في اوكرانيا "جزء من محاولة روسيا، منذ تسلم بوتين الرئاسة في العام 1999، لإعادة مكانة روسيا، كما حدث في جورجيا العام 2008، ويحدث في سورية حاليا".
ورأى أن ذلك قد يكون "استنساخا للحرب الباردة السابقة"، متسائلا إن كانت "روسيا تستطيع الدخول في صراع استراتيجي بما هي عليه من إمكانيات في الوقت الراهن".
ونوه إلى أنه "على المدى القصير، يبدو وكأن روسيا ربحت، بينما على المديين المتوسط والبعيد، لا تستطيع روسيا ان تتحدى استراتيجيات أميركا والغرب في هذا الجانب".
وأوضح المومني، الأستاذ في العلاقات الدولية بالجامعة الأردنية، أن "الادارة الأميركية قد تبدو في وضع محرج، لكن بالنسبة لميزان القوى، تبقى هي والغرب أقوى، وذات قدرات متفوقة على الروس في حال حدوث أي مجابهة استراتيجية".
وبين أنه، وعلى الرغم من التفوق الأميركي الا ان "الغرب لا يسعى لمواجهة عسكرية مع الروس، بل سيتخذ خطوات دبلوماسية واقتصادية، كما رأينا في إعلان الولايات المتحدة أول من أمس مقاطعة قمة (جي 8)".
وأشار المومني الى أنه "في حال استمر النهج الروسي على ما هو عليه عقب الأزمة الاوكرانية، قد تقع عقوبات اقتصادية على روسيا، وفق خطوات، سنرى تأثيرها على المديين المتوسط والطويل، وقد يؤدي التصعيد الى مفاوضات بين روسيا وأميركا، إذ ما يزال الأميركيون، يريدون التفاهم مع روسيا حول إيران وسورية، وأميركا بحاجة لروسيا في هذين الملفين".
والسؤال هنا، هو: "من الأهم؟ اوكرانيا بالنسبة لأوروبا ام سورية وايران"، يجيب المومني "الأولى هي الأهم، فاذا تصعدت الأزمة، ستكون اخطر ازمة تمر بها اوروبا بعد حروب البلقان".
وجرت أحداث حرب البلقان الاولى في جنوب شرق أوروبا بين بلغاريا واليونان وصربيا بين عامي 1912-1913 للسيطرة على أراضي الدولة العثمانية في أوروبا، وبعدها حدثت الحرب الثانية بين بلغاريا وصربيا اليونان، ليدخل العثمانيون طرفا ثالثا ضد بلغاريا فيها، بعد هزيمتهم في الاولى.
وفيما اذا كانت اميركا، قد تتجه للتصعيد العسكري في سورية، بين المومني أن "هذه المحاولات، لا تعدو كونها أعمال ضغط اميركية، تظهر فيها دعمها للمعارضة السورية، لافتا الى ان هذه سياسة دولية، فالأمور مترابطة والدور الروسي متصاعد في سورية وإيران وأوكرانيا".
وقد تعمد أميركا لتعزيز دفاعاتها في أوروبا وليس في منطقتنا، ففي سورية، بدأنا نشهد تصعيدا وهناك رابط أكيد، ولكن ليس الى درجة بناء منظومة عسكرية، فالجهد كله في هذه الحالة، سينصب على الدول المحاذية لأوكرانيا.
من جانب آخر، يعتقد الباحث السياسي الدكتور هاني عاشور، أن ما يجري في اوكرانيا "سيحد من فاعلية روسيا في سورية، لأن انشغالها بالوضع الأوكراني، سيحد من اهتمامها بالملف السوري ولو إلى حين".
ورأى أن الصراع بين مؤيدي روسيا وأعدائها في أوكرانيا، سيدفع بها للمحافظة على مصالحها في الأخيرة، التي تعتبرها جزء من قلاعها الحصينة.
كما رأى أن خريطة الولاء ستتغير بعد هذه الأزمة، بظهور تيار شعبي كبير في أوكرانيا ضد روسيا، قد "يتحالف مع الغرب، وسيؤثر على روسيا في هذا المنطقة المهمة، والتي تعتبر حديقتها الخلفية".
كما أن الموقف الغربي الموحد إلى جانب الشعب الأوكراني، وإلى جانب ازماته الاقتصادية، سيجعل روسيا في مأزق كبير وحرج، وقد يقوض نفوذها الذي حققته العامين الماضيين بسبب سورية، وفق عاشور. ويخلص عاشور إلى أن "القضية الأوكرانية، ستحبط المشروع الروسي وتحالفها الشرقي".
وأشار إلى أن ذلك يتجلى في أن ما استثمرته روسيا العامين الماضيين في الأزمة السورية، لتعيد نفسها الى واجهة الساحة الدولية، الى جانب الصفقة المصرية الروسية الأخيرة، أعاداها لأن تكون محورا مهما في المنطقة، لكنها ان "تورطت في اوكرانيا فستفشل، ويضيع ما وصلت إليه حتى الآن".