أخر الأخبار
البرغوثي مقابل بولارد..؟!
البرغوثي مقابل بولارد..؟!

 

مع وصول مسار كيري التفاوضي إلى طريق مسدود، تبدو إدارة أوباما جاهزة لفعل كل شيء من أجل إبقاء المسار مفتوحا. لذلك يتردد كثيراً هذه الأيام أن الإدارة الأميركية مستعدة لعقد صفقة مع إسرائيل يتم خلالها تنفيذ الأخيرة لتعهدها بالإفراج عن الدفعة الأخيرة من الأسرى وتضمينها مروان البرغوثي وأحمد سعدات وفؤاد الشوبكي مقابل الإفراج عن الجاسوس الإسرئيلي جوناثان بولارد الموجود في السجون الأميركية منذ ثلاثة عقود، وتمديد المسار التفاوضي لمدة عام.

هل هذا "كرم" أميركي تجاه الفلسطينيين.. أم هو استمرار لحالة الضعف الأميركية تجاه إسرائيل؟

 ربما على الفلسطينيين أن يفرحوا قليلاً. إن تمت الصفقة فهذه ستكون أول مبادلة أسرى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي بين دولة غربية وإسرائيل لحساب الأسرى الفلسطينيين... ربما علينا أن نشد على يد الولايات المتحدة لقيامها بذلك من أجل تشجيع دول أخرى إن كانت تمتلك جواسيس إسرائيليين أن تقوم بمبادلتهم بأسرى فلسطينيين.

ربما أيضاً يشجع هذا "الشقيقة" مصر على أن "تحذو حذو" واشنطن وأن تبادل الجواسيس الإسرائيليين الأربعة لديها، بحسب الإعلام المصري، بأسرى فلسطينيين.. بهذه الطريقة قد يتم إنهاء ملف الأسرى من أجندة المفاوضات وهو ملف تصارع السلطة عليه منذ أوسلو.. وهو ملف كلف الشعب الفلسطيني مئات الضحايا بعد قيام "حماس" بأسر شاليت من أجل تحرير الأسرى.. وكلف لبنان كثيراً من أجل تحرير أسراها وأسرى عرب ورفات أسرى.

لكن ربما علينا أن نتوقف قبل الفرح لنسأل: لماذا تقوم إدارة أوباما بذلك؟

 في العام 1998 وأثناء مفاوضات واي ريفر، طالب نتنياهو الرئيس كلينتون بالإفراج عن بولارد مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين، لكن كلينتون رفض ذلك.

هل كان كلينتون أقل تعاطفاً مع الفلسطينيين من أوباما؟

 لا أعتقد ذلك. كلينتون هو الرئيس الأميركي الوحيد الذي قدم عرضاً مفصلاً لحل الصراع تطرق فيه لجميع القضايا الشائكة..أوباما بالمقابل، لا يقدم تصوراً لجوهر الصراع ولا يريد أن يأخذ موقفاً من قضايا القدس والمستوطنات وبقية الملفات، وأكثر ما في جعبته هو إبقاء مسار المفاوضات مفتوحاً.. ومن أجل ذلك هو على استعداد لتقديم بولارد لإسرائيل لتشجيعها على الإفراج عن دفعة من الأسرى مقابل موافقة السلطة على الاستمرار في مفاوضات كيري، علماً بأن الإفراج عن الأسرى هو استحقاق قديم بقدم أوسلو لم ينفذ.. وجديد أيضاً وافقت إسرائيل عليه مقابل عودة السلطة للتفاوض.

هذا يجعل من الإدارة الأميركية أسيرة للسياسات الإسرائيلية - بمعنى بدلاً من أن تضغط عليها لتنفيذ التزاماتها السابقة، تقوم برشوتها للقيام بذلك. لكن لماذا تقوم إدارة أوباما بذلك؟ ما هي مصلحتها؟

 فعلياً لا توجد مصلحة مباشرة لها أكثر من الادعاء بأنها ما زالت "راعية" لملف المفاوضات. وهذه الجزئية لا تستحق القيام بالإفراج عن بولارد لسبب بسيط وهو عدم وجود منافس للولايات المتحدة في رعاية "أكذوبة المفاوضات".. لا توجد دولة في العالم تريد مصادرة هذا الملف من الولايات المتحدة أو تنازعها عليه أو تحسدها عليه.. جميع دول العالم تعلم بأن إسرائيل لا تريد من المفاوضات أكثر من اسمها.. وهي لا تريد ولا ترغب في وضع نهاية لها. وإدارات الولايات المتحدة المتعاقبة تعلم ذلك منذ أن جلس جيمس بيكر مع شامير قبل عقدين ونصف.

لماذا إذن التضحية بـ"بولارد"؟

 أعتقد بأن إدارة اوباما تتعرض لضغوط من اللوبي الإسرائيلي للإفراج عنه.. وهذا اللوبي وبالاتفاق مع إسرائيل يريد تقديم مخرج لإدارة أوباما لتفرج عنه.. المخرج هو إبقاء مسار المفاوضات مفتوحاً. لكن حتى يبقى كذلك، يجب إرضاء الفلسطينيين، وهذا يتم بالإفراج عن عدد من أسراهم.

معنى ذلك أن قرار الإفراج عن بولارد موجود لكن الإدارة الأميركية تريد تخريجة لهذا القرار حتى لا تبدو أمام الرأي العام الأميركي، وليس الفلسطيني أو العربي، كمن يقدم لإسرائيل تنازلات تخص الأمن القومي الأميركي دون مقابل. المقابل هو الادعاء بأن الإفراج عن بولارد تم مقابل هدف عظيم وهو المفاوضات.. ربما يجب القول "مفاوضات السلام" لأن كلمة "السلام" في الغرب تعطي شرعية تلقائية لسلوك قادة هذه الدول أمام شعوبهم.

ربما لم يكن في حسابات الإدارة الأميركية وإسرائيل أن السلطة ستحاول استغلال "السخاء" الأميركي بالإفراج عن بولارد بالمطالبة بالإفراج عن البرغوثي ورفاقه، وربما يكون رفض إسرائيل لذلك هو سبب تأخر الإعلان عن تمديد المفاوضات وهو السبب أيضاً في تأخر الإفراج عن بولارد.

لا يمكننا إلا أن نفرح إذا ما تم الإفراج عن البرغوثي ورفاقه .. لكن علينا أن نتذكر بأن ملف الأسرى مرتبط بإنهاء الاحتلال لأن إسرائيل تقوم يوميا باعتقال الفلسطينيين.. بمعنى مقابل كل أسير فلسطيني يتم تحريره تقوم إسرائيل بسجن فلسطيني إن لم يكن أكثر.

فقط للتذكير منذ العام 1967 تعرض للاعتقال أكثر من 750 ألف فلسطيني.. أضف لذلك ان هنالك أكثر من مليون ونصف فلسطيني في غزة يعيشون في الأسر المباشر منذ ثمانية أعوام.

لسخرية القدر، لا يوجد عدد مهم من الجواسيس الإسرائيليين في السجون الغربية يمكن مبادلة بعضهم سنوياً بأسرى فلسطينيين لتحقيق توازن يسمح بجعل السجون الإسرائيلية خالية من الأسرى.. سيكون هنالك دائماً فائض في الأسرى لا يمكن مبادلتهم.

الحل لمشكلة الأسرى مرتبط بإنهاء الاحتلال وهذا بدوره مرتبط بجعل الاحتلال مكلفاً لإسرائيل سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً... وهذا لا يتم عن طريق المفاوضات، ولكن عن طريق إدارة الظهر لها.