أخر الأخبار
حمدين صباحي.. شُجاع أم مُغامِر؟
حمدين صباحي.. شُجاع أم مُغامِر؟

أُغْلِقَ باب الترشيح للتنافس على مقعد رئاسة جمهورية مصر العربية، ولم يعد امام المصريين سوى تفويض المشير الذي خَلَعَ بزته العسكرية مؤخرا عبدالفتاح السيسي، او الاصطفاف الى جانب مناضل معجون بالسياسة وخطيب مفوه وقريب من نبض الشارع وديمقراطي حقيقي، يجاهر برأيه ولا يخشى دفع الثمن منذ ان دخل في سجال ساخن مع آخر فرعون مصري اسمه انور السادات (دعك من حسني مبارك الذي لم تتوفر فيه أي صفة من صفات «القائد» حتى لو ادّعى ذلك، وكان مجرد حاكم عابر طالت مدة مكوثه في القصر الى ان كَنَسَهُ المصريون واودعوه مزبلة التاريخ).
حمدين صباحي الان، والى ان تُقرّر اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة، مدى قانونية المستندات التي قدمها من اوراق وتوكيلات شعبية (15 محافظة كحد ادنى) سيكون محور النقاشات والتحليلات السياسية والحزبية والشعبية، وبخاصة في ظل «الشعبية» الجارفة التي يحظى بها المشير السيسي، وحال «الهَوَس» التي استبدت بقطاعات عديدة، باتت ترى فيه المُخلّص والزعيم والاسطورة، على نحو يصعب فيه انكار لعبة «الغموض» التي ادارها الجندي «الاول» في مصر، منذ ان اطاح نظام الاخوان، الى ان قرّر «الاستقالة» من الموقع «الأول» في المؤسسة العسكرية وخصوصا قيامه – قبل ذلك – بترتيب اوضاع الجيش المصري واجراء حركة مناقلات في الصفوف «الاولى» قرّب فيها جنرالات وابعد آخرين، وضَمِنَ على نحو ما ولاء العسكر، الذي يعرف هو شخصيا كمن ترأس ذات يوم المخابرات الحربية (وما ادراك ما المخابرات الحربية في بلد الكلمة الاولى للعسكر)..مدى الخطر الكامن على الحاكم لو.. «تحركت».
ثمة من يتساءل إذاً عن الاسباب «الخَفِيّة» التي تدفع بمرشح رئاسي سابق حاز على المرتبة الثالثة في السباق الرئاسي الاول بعد اطاحة حسني مبارك، وحصد نحواً من خمسة ملايين صوت، للاقدام على خطوة كهذه تبدو في نظر البعض وكأنها انتحار سياسي، او في افضل الاحوال مغامرة خطيرة، بافتراض انها محسوبة في جدواها ومخاطرها واستحقاقاتها؟
اسئلة تبدو مشروعة ومحمولة على قلق، قد يكون بعضها «إشفاقاً» على سياسي ناجح وجماهيري، عفوي وبسيط، من تَجرُّع هزيمة «مذلة» قد تطيح بمستقبله السياسي، او تجعله مثار تندر وتشنيع، كمن يطلق النار على رجله او يلقي بنفسه بين فكي اسد جائع، الا ان ذلك كله واياً كانت الدوافع، لا يقترب من مربع «السياسة» ومفاهيمها المعروفة، بقدر ما يتوسل مقاربات اخرى اجتماعية او احصائية او اخلاقية حتى، وخصوصاً في مجتمع لم يعرف من الديمقراطية سوى «همروجة» الاستفتاء، واكاذيب لجنة السياسات وفساد العصابة الحاكمة المتحالفة مع رجال الاعمال وأصحاب المال ووكلاء الشركات متعددة الجنسيات..
ليس حمدين صباحي ساذجاً، وهو بالتأكيد ليس مغامراً، قد تكون حظوظه بالفوز متواضعة اذا ما واصلت «أسهم» المشير بالارتفاع وقد يحتاج الى بذل المزيد من الجهد والمثابرة في الشهر الذي يفصلنا عن موعد الانتخابات (26 و27 ايار القريب) ناهيك عن حاجته الماسة الى «الاموال» وتجربته السابقة دليل على الكيفية التي يُحاصِرُ بها «اغنياء» المرشحين «الغلابى» من امثال صباحي، ما بالك ان الحديث يدور عن رجل قيل فيه ما يقله المصريون في احد غيره عبر تاريخهم الطويل، ربما باستثناء الزعيم الخالد جمال عبدالناصر الذي «يتنازع» على ارثه المرشحان نفسيهما رغم ان صباحي ناصري «قديم» فيما تم «استدعاء» شخصية عبدالناصر وتاريخه وتحميلهما على سيرة السيسي لإغاظة الاخوان المسلمين الذين اثبتوا انهم لا ينسون ولا يغفرون، بل ان حقدهم على عبد الناصر يفوق حقدهم على يهود خيبر وممثلهم في دولة اسرائيل العزيز شمعون بيرس..
لا يقلل من شأن صباحي، انه اخذ على عاتقه «إفشال» عملية «تزكية» المشير السيسي او مجرد استفتاء او مبايعة، بعد ان بات واضحاً ان احداً يتوفر على حيثية سياسية او جماهيرية، لن يُقدِم على منافسة الجنرال الذي اطاح الاخوان وكسر سلطتهم في عملية لا مجال لانكار انها شجاعة ونبيلة، دفعت عن مصر وشعبها ويلات حكم استبدادي يتغطى برداء ديني ويعقد صفقات سياسية مع عواصم دولية ذات تاريخ استعماري تآمرت على أمة العرب واذّلت امم المسلمين..
اياً تكن النتيجة التي ستسفر عنها انتخابات ايار المقبل، فان حمدين صباحي ان لم يفزْ فسيخسر، بشرف ونبل، ويكفيه فخراً انه تحدى ولم يخَفْ او ينافق او يساوم..رغم ان «غريمه» نسج علاقات اقليمية ودولية مؤثرة صبت لصالحه، ورغم انه قال في إباء ومروءة انه لا يريد اصوات من يرون في موجة 30 حزيران الثورية انقلاباً عسكرياً (الاخوان المسلمون) ولا الذين يصفون ثورة 25 يناير مؤامرة وفوضى (الفلول من عصابة حسني مبارك).