أخر الأخبار
“حماس” لن تتراجع عن “المصالحة” قريبا وهذه هي الأسباب!
“حماس” لن تتراجع عن “المصالحة” قريبا وهذه هي الأسباب!

خلافا لكل ما قيل عن أنَّ عُمْرَ المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية الأخيرة سيكون قصيرا وأنها لن تستطيع الصمود وأنها ستنهار «وقبل أن يصيح الديك» فإن كل المؤشرات تدل على أن انهيار هذه المصالحة لن يكون قريبا وأنها ستصمد إلى أن تستجد معطيات سلبية تدفعها إلى الانسحاب ثم وأنه غير صحيح وعلى الإطلاق أنَّ حركة «حماس» قد بدأت كل هذه الرغبة الجامحة تجاه اتفاق غزة الأخير وأنها قد سارعت إلى التوقيع عليه من دون أي تردد ليس حبا في التخلص من هذا الخلاف المدمر بين الأشقاء أصحاب القضية الواحدة وإنما كـ«لغم» في العملية السلمية وفي مفاوضات التسعة شهور بين منظمة التحرير وبين إسرائيل هذه المفاوضات الفاشلة أصلا التي انتهت أول من أمس الثلاثاء من دون أن تحقق أي إنجاز ولو بمقدار خطوة واحدة.

ولعل ما تجب الإشارة إليه ونحن بصدد الحديث عن هذا الاتفاق، الذي لا يزال يعتبره البعض مجرد مناورة متبادلة بين حركتي «فتح» و«حماس» والذي يصرُّ آخرون على أنه في حقيقة الأمر هروبٌ من أزمات طاحنة كانت تعيشها هاتان الحركتان وحيث إن كل واحدة منهما أرادت الالتفاف على مشكلاتها الداخلية والخارجية وأرادت أنْ تبدد ولو بعض الإحباط الذي يعيشه الشعب الفلسطيني إنْ في «الداخل» وإنْ في الخارج بالاتجاه إلى هذا الهدف النبيل والجميل الذي هو «المصالحة» والوحدة الوطنية.

وهذا يعني فعلا أن المنظمة و«حماس» قد ذهبتا إلى خيار «المصالحة» والوحدة الوطنية مجبرتين؛ فـ«المنظمة» بعد فشل مفاوضات الشهور التسعة وبعد تعطيل الإسرائيليين للإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية اتجهت إلى هذا الخيار، أي خيار «المصالحة» والوحدة الوطنية، لتجنب غضب الشعب الفلسطيني واسترداد بعض ثقته بها وذلك في حين أنَّ «حماس» التي فقدت كل رهاناتها السابقة على «فسطاط الممانعة والمقاومة» وعلى سوريا وإيران وعلى الإخوان المسلمين، التي هي أحد فروع تنظيمهم الأساسية، قد وجدت أنه لا خلاص لها إلا بالعودة إلى الدفاتر العتيقة وإحياء الاتفاقات السابقة بينها وبين منظمة التحرير والتي ليس من بينها اتفاق مكة المكرمة الذي لم يجرِ الحديث عنه ولا التطرق إليه إطلاقا في اتفاق غزة وللأسف!!

كانت «حماس» قد بنت استراتيجيتها، باعتبارها فرعا لـ«الإخوان المسلمين» وردد كل أعضائها قسم: «الولاء والطاعة» للمرشد العام، على أن هذه المرحلة هي مرحلة «إخوانية» عربيا وعالميا وأن حكم «الإخوان» لمصر راسخ كرسوخ أهرامات الجيزة وأنه في حقيقة الأمر حكمهم هُمْ على اعتبار أنَّ غزة ملحقة ودائما وأبدا بالشقيقة الجنوبية الكبرى.. وأيضا وأنه لا مصالحة خليجية إطلاقا وأن إقامتها في قطر ستبقى مريحة وأن قاعدتها المعروفة في هذه المنطقة ستبقى من دون أي منغصات حتى التحرير: «من البحر إلى النهر»!!

بعد مصالحة الرياض التي استندت إلى اتفاق سعودي - قطري سابق بوساطة كويتية ينص أحد بنوده على التزام «الأشقاء» القطريين بإخراج كل قيادات الإخوان المسلمين ومن ضمنهم الشيخ يوسف القرضاوي وبعض قيادات «حماس» من الدوحة.. بعد هذه المصالحة أحست حركة المقاومة الإسلامية بأنه لم يعد أمامها إلا خيار العودة إلى اتفاقات الوحدة الوطنية الفلسطينية والعودة السريعة والعاجلة إلى اتفاق القاهرة الذي وقعته مع منظمة التحرير برعاية مصرية وبيان الدوحة الشهير هذين الاتفاقين اللذين كانت قد تملصت منهما كما كانت تملصت من اتفاق مكة المكرمة تحت ضغط دولة الولي الفقيه الإيرانية وتحت ضغط سوريا أيضا عندما كانت لا تزال تعتبر رقما رئيسا في معادلة القوى الإقليمية.

لقد جاء انهيار نظام الإخوان المسلمين في مصر بمثابة الطامة الكبرى بالنسبة لحركة «حماس» التي كانت تعتبره نظامها، وهو فعلا كذلك، فوجدت نفسها في سجن كبير هو قطاع غزة خاصة وقد شمل النظام الجديد، نظام حركة الثلاثين من يونيو (حزيران)، بقراره اعتبار «الإخوان» منظمة إرهابية هذه الحركة أيضا، أي حركة المقاومة الإسلامية، مما أدى إلى وضع الكثير من القيود عليها ومما جعلها تعيش حالة من الاختناق الشديد في هذا القطاع المحاصر الذي يعد الأكثر نسبة كثافة سكانية في العالم بأسره.

إن هذه الإجراءات التي طبقها نظام ثورة يونيو على حركة «حماس» نظرا لأنها أحد فروع جماعة الإخوان المسلمين قد أصابت القيادة السياسية لهذه الحركة بالشلل التام، فاجتماعاتها غدت شبه معدومة واتصالاتها الخارجية توقفت مما أدى إلى إحياء الخلافات القديمة التي كانت تعصف بوحدتها... وهكذا. ولعل الأخطر من هذا كله أن هذه القيادة وفي مقدمتها خالد مشعل بدأت تعاني من خلافات مستجدة بينها وبين قيادة تنظيم «القسام» العسكري الذي بات يشعر بعدما فقد الأمل بقيادته السياسية بالخوف من ظاهرة تسرب بعض أعضائه وبعض كوادره الأساسية إلى «القاعدة» وإلى التنظيمات الإرهابية الأكثر تطرفا التي أصبحت سيطرتها الفاعلة ظاهرة ملموسة في الكثير من مناطق قطاع غزة.

ثم وإن ما زاد الطين بلَّة، كما يقال، أن أهل قطاع غزة أصبحوا يعيشون بعد سبع سنوات من انقلاب «حماس» الدموي الشهير، على حركة «فتح» وعلى منظمة التحرير وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية، أوضاعا شديدة المأساوية وأنَّ حركة المقاومة الإسلامية غدت تحس في ضوء كل هذه المستجدات أنَّ «القطاع» قد ينفجر في وجهها وينقلب عليها فجأة وفي أي لحظة ولذلك فإنه لم يعد أمامها من أجل الخلاص العاجل إلا الهروب هرولة إلى الأمام والعودة إلى ما كانت أدارت ظهرها إليه وهو اتفاق القاهرة الشهير وإعلان الدوحة الأشهر وعدم التردد في الارتماء العشوائي في أحضان حركة «فتح» وأيضا في أحضان منظمة التحرير الفلسطينية التي بقيت ترفض الالتحاق بها والانضمام إلى عضويتها منذ عام 1978 وحتى الآن.

ولهذا فإنه من المستبعد جدا أن تتراجع هذه الحركة، أي حركة «حماس»، عمَّا كانت وقَّعت عليه قبل أيام قليلة في غزة في المدى المنظور وذلك طالما بقيت مسيرة الإخوان المسلمين، التي هي فرع منهم، متجهة وفي المنطقة كلها وأيضا في العالم بأسره من السيئ إلى الأسوأ وهنا فإن ما يدل على هذا أنها بادرت وبسرعة وعلى غير عادة إلى تمجيد التصريحات الأخيرة التي أطلقها الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) والتي جدد فيها التزام منظمة التحرير بالاعتراف بإسرائيل والتمسك بالعملية السلمية وبالاستعداد لاستئناف المفاوضات التي أنهت شهورها التسعة الماضية يوم الثلاثاء الماضي من دون أي إنجاز، وبالإضافة إلى هذا فإنها لاذت بالصمت الإيجابي إزاء قوله، في موقف رسمي هو الأول في هذا المجال: «إن ما حدث لليهود في الهولوكوست هو أبشع جريمة عرفتها البشرية في العصر الحديث».

وكذلك فإنه لا صحة، أبدا وعلى الإطلاق، لقول «البعض» إن هذه «المصالحة» ستجدد الانقسام بين «فتح» ومنظمة التحرير من جهة و«حماس» من جهة أخرى على اعتبار أنه سيصبح هناك مركزان للقرار الفلسطيني؛ الأول في رام الله والآخر في غزة، فالمفترض أنه من المعروف أن الرئيس محمود عباس سيكون، بالإضافة لرئاسة منظمة التحرير ورئاسة السلطة الوطنية، رئيسا لحكومة الوحدة الوطنية التي قرر تشكيلها من كفاءات مستقلة خلال الأسابيع الخمسة المقبلة، وحيث قرر (أبو مازن) أيضا إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية خلال الشهور الستة المقبلة.. وهذا يعني أنه لن يكون هناك أي مركز قيادي إلا مدينة رام الله وأنه لن يجري تكرار الصيغة السابقة حيث كانت «الرئاسة» في رام الله وكانت رئاسة الحكومة في غزة.

ثم.. وإنه لا بد من الإشارة إلى أنه لدى الفلسطينيين الفترة الكافية كي يرتبوا أوضاعهم التنظيمية والسياسية بكل راحة فالإسرائيليون تحت ضغط أوضاعهم الحكومية المهلهلة وغير المتماسكة لا يريدون استئناف المفاوضات المتوقفة قريبا والفلسطينيون المنشغلون باستكمال عملية تصالحهم واستعادة وحدتهم الوطنية بدورهم لا يسعون لاستعجال هذه المفاوضات، وهذا أيضا هو موقف الأميركيين الذين ينشغلون الآن بما يعتبرونه الأكثر أولوية وأوله مشكلة أوكرانيا الملتهبة وثانيه الأزمة السورية المستفحلة وثالثه الاتفاق النووي المتعثر مع جمهورية إيران الإسلامية.

صحيح أن الثقة تكاد تكون معدومة بين المنظمة و«فتح» من جهة وبين «حماس» من جهة أخرى لكن ما يدعو إلى الاعتقاد الجازم بأنه لا تراجع قريبا من قبل حركة المقاومة الإسلامية عمَّا وقَّعت عليه في غزة طالما أن هذه «المصالحة» قد جاءت لانتشالها من أزمة طاحنة وبالتالي فإنها تعتبر «خطوة» الضرورة القصوى، ولذلك فإنه غير متوقع أن يكون هناك تراجع «حمساوي» عنها ما دام أوضاع المنطقة هي هذه الأوضاع وما دام الإخوان المسلمون يتراجعون على هذا النحو.