أخر الأخبار
كفى نعيقاً وتحريضـاً وبكائيات كاذبة ومفتعلة
كفى نعيقاً وتحريضـاً وبكائيات كاذبة ومفتعلة

الحذر بل الحذر الشديد ضروري ومطلوب لكن أغلب الظن أن كل هذا «الترويع» و»الترهيب» الذي يلجأ إليه البعض، وأغلبهم من عشائر الـ»N.G.Os « وأصهارهم ومنْ وصلهم شيء من رذاذ ما يجود به الأميركيون والأوروبيون.. و»غيرهم»!!، هو عبارة عن ابتهالات وأمنيات.. وأيضاً ربما حقد دفين لا ضرورة للتكهن بدوافعه وأسبابه ومسبباته فالحديث النبوي الشريف يقول «الفتنة نائمة لعن الله مَنْ أيقظها»... هناك أناس حتى قبل ظاهرة الـ»N.G.Os» ، التي يتعيش المنتسبون لعشائرها على التقارير واللقاءات والمؤتمرات السوداوية المدفوعة الثمن، امتهنوا النظر إلى ما يجري في بلدنا ، وهذا كان منذ سنوات مبكرة من القرن الماضي، من خلال نظارات سودٍ بزجاج مشروخ لا ينقل ولا يعكس الصور الحقيقية واحترفوا البكاء والنواح وتصوير أوضاعنا بأنها ودائماً وأبداً بانتظار كوارث اقتصادية وسياسية واجتماعية باتت تقف على الأبواب.
لا إنكار لأنَّ هذا البلد ، المملكة الأردنية الهاشمية، استمر ومنذ تأسيسه في هذا الموقع الذي يشبه سهل «الماراثون» الشهير ، الذي انتصرت في معركته التاريخية أثينا اليونانية على جيوش داريوس الأول الفارسية، يواجه تحديات كثيرة بعضها أسبابه داخلية والبعض الآخر نتيجة تقلبات المحيط الإقليمي وما بقيت معظم دول هذه المنطقة تتعرض له من عواصف وزلازل مدمرة لكن بالعموم فإن الأردن بقي كـ «طائر الفينيق» (العنقاء) الذي بعد إلقائه بين ألسنة النيران لا يلبث أنْ ينفض جناحيه ويحلق عالياً حتى يلامس رأسه غيوم السماء.
في كل يوم ، في مجالس «التحشيش الفكري والسياسي» وفي «قعدات» الغيبة والنميمة واستعراض عضلات الألسنة الذربة وأيضاً في بعض المقالات الملوية الإعناق التي تعبر عن نفوس صفراء مريضة، تقال روايات وقصص تصور الأمور وكأن السماء اقتربت من الإنطباق على الأرض وكأن مياه الغرق وصلت إلى عنق هذا البلد.. (فالأمن مضطرب والاستقرار مزعزع والإقتصاد منهار والتفاهم معدوم.. والفتنة أصبحت قاب قوسين وأدنى والربيع العربي غدا يطرق الأبواب والإرهابيون اقتربوا من الحدود وقد يخرقونها في أيِّ لحظة)... قصص كقصص أرسين لوبن نسمعها في كل يوم.. وهناك من يستمتع في إشاعة المخاوف والترويج للويلات.. إنه لا شك إطلاق بوجود بعض المنغصات الأمنية لكن هذا هو واقع الحال حتى في الدول التي نعتبرها مستقرة وآمنة فنحن نسمع ونقرأ ويومياً عن أمور تحدث في الولايات المتحدة وفي بريطانيا وفي كل الدول الغربية لا نتصور حدوثها إلاَّ في الصومال أو افريقيا الوسطى.. وإذا أردتم إلاَّ في بعض الدول العربية التي عاشت وبعضها لا يزال يعيش تجربة الحزب الأوحد والقائد الملهم والرعية المرعوبة التي تشبه أغناما يقف بينها وحش مفترس مكشراً عن أنيابه.
إننا محصنون في هذا البلد ضد عواصف الربيع العربي وأنوائه ليس بدعوات أولياء الله الصالحين فقط وإنما لأن الله لم يبتلينا بحزب الضرورة التاريخية ولا بالقائد الواحد والوحيد الملهم الذي حتى قبل خروجه من رحم أمه تكون بانتظاره النياشين وعصي المارشالات والرعية المطيعة والرجال المطأطئو الرؤوس والزنازين والسجون الفاغرة الأفواه التي شعار سجانيها :»هل مِنْ مزيد»؟ والتي غابت فيها أرواح كثيرة بلا أي عودة.. إن عواصف الربيع العربي لم تضرب إلاَّ الدول التي كانت بانتظار هذه العواصف، فالحريات العامة معدومة والأفواه مكممة وفي كل صباح ومساء هناك قطع أعناق وقطع أرزاق ودائماً وأبداً وعلى مدى الأعوام الطويلة كانت هناك «طائفة» مسيطرة معظم جنرالات الجيش وضباطه الصغار والكبار منها وكل هذا البلد مزرعة لها والخيرات لا نصيب فيها إلاَّ نصيبها ودهاليز مخابراتها الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.
لقد وقفت عواصف الربيع العربي عند أبواب الأردن لأنها وجدت أمامها حريات عامة ليست مثالية ولكنها معقولة ولأنها لم تجد أن تحصين الشعب الأردني ضدها لا بالعنف الأهوج ولا بـ «تخليع» أظافر الاطفال بأساليب وحشية ولكن برحابة الصدور وحل الإشكالات بالكلام الطيب والصبر الذي لا مثله إلاَّ صبر أيوب ولأن السجون الأردنية لا تستضيف إلاَّ الخارجين على القوانين ولأن هذا البلد لا يعرف لا وجبات القتل الشنيع ولا الإعدامات الجماعية العشوائية ولا إسكات الاحتجاجات المشروعة البرئية بالمدافع والرصاص وجنازير الدبابات.
ولهذا فإنه لا ضرورة لكل هذا النعيق الذي يشبه نعيق غربان الشؤم.. فالإرهاب كان استهدفنا قبل غيرنا من الدول المجاورة لكنه لم يتمكن من الإستقرار في بلدنا لأنه وجد شعباً موحداً وقيادة حكيمة وجيشاً لا تغمض عينه وأجهزة أمنية كفؤة.. إنَّ هذا الإرهاب الذي يضرب حولنا لم يأت وحده بل أُستدرج استدراجاً.. بمواجهة الإحتجاجات السلمية بالعنف والتعامل مع مطالب الناس المحقة بتدمير المدن والقرى وبعمليات التهجير والتشريد التي قذفت نحو بلدنا أكثر من مليون ونصف من أشقائنا الذين فتحنا لهم الأبواب وفتحنا لهم القلوب أيضاً.