أخر الأخبار
أمازيغي من عمان
أمازيغي من عمان

رحل حمزة باديس فجأة، والموت ليس له ميقات ولاموعد، وحمزة لمن لايعرفه شخص كان يشي دوما بأنه رجل مختلف.
جزائري هو ومولود في فلسطين لأم مقدسية اردنية، عشق الاردن، وكانت لهجته اردنية، كنا نتبسم اذ تأتيه مكالمة من الجزائر فتنقلب لهجته جزائرية في لحظة واحدة، فنقول سبحان الله:لان الثقافة مستودع، يستدعي الانسان من رفوفها مايشاء وقت مايشاء.
عصر اغلب الايام، كان يدلف الى مكتبي فيقول رأيت المكتب مضاءً  من بعيد فجئت لاسلم عليك، فلا أرد، لان المكتب مضاء، والقلب معتم من هذه الدنيا.
اجمل المناكفات تلك حين كنا نتحدث عن الفروقات بين العرب والامازيغ، ولانه ينتمي الى الامازيغ فوق ثقافته العميقة، كنا نخوض سجالا حول العرب والامازيغ، في الجزائر والمغرب العربي، وموروث العرب ليس سهلا عند القوميات الاخرى، من اكراد وامازيغ وغيرهما.
كنت في نيويورك، واذ به يبعث برسالة مؤلمة عبر الفيس بوك يقول لي فيها اريد طلبا منك، فأختى كفيفة وكبيرة في السن وتعيش وحيدة عندي، ولاتعرف ليلها من نهارها، واريد منك ان تبحث لي في نيويورك عن ساعة يستعملها الشخص الكفيف حتى تميز الاوقات، خصوصا، مواعيد الصلاة.
كانت اخته استغفاره، اذ يقول في آخر لقاء بيننا قبل اسبوعين، انه ينام على صوتها وهي تقرأ القرآن، وهوالذي يطعمها وينفق عليها، ويدير كل شؤونها الشخصية، واذ تسمع منه التفاصيل تدمع عينك امام هذه الفروسية، رجل امازيغي فارس يحنو على شقيقته الكفيفة وكأنها هو، ان لم تكن اكثر واكثر.
عاش في عمان وفرنسا وفي دول عربية اخرى، وكانت امنيته ان يعود الى القدس، وان يعيش في البلدة القديمة،ويقول ذات مرة انه زار منطقته في الجزائر، ونثر على وجهه حفنة من ترابها، ولحظتها شعر ان الحبل السري بينه وبين وطنه ومكانه الاساس، عاد الى الحياة فجأة، ليروي لي طبيعة حياة الامازيغ، دون ان يكون رجلا ضيق الافق،فقد كان جزائريا واردنيا وفلسطينيا.
لكل واحد منا ذنوبه،واجمل تعبير سمعته في حياتي،كان من حمزة باديس،الذي قال ان ذنوبه مثل الاخرين كثيرة،وان خدمته لشقيته الكفيفه،هي استغفاره وتسبيحته.
هي استغفاري امام الله.كلام عميق ومؤثر ويقول ان لكل واحد فينا القدرة على ان يبحث عن استغفاره الخاص،عبر بر والده او والدته،شقيقه او شقيقته،ابنه ابنته،الزوجة، والارحام،والجار والفقير،وتعيس ذاك الذي لايكون عنده استغفاره الخاص،ويذهب الى الله بلا استغفار،خالي اليدين من كل نور.
رحمك الله ياحمزة،فقد تركت اثرا على الجميع،ويكفيك شهادة الكل فيك،بأنك كنت مؤدبا لطيف المعشر،مهنيا محترفا،لايملك من يراك،الا ان يحبك.
روح امازيغية،صهلت هنا،وامتطت سرج العودة الى القدس،قبل ان تعود وتنثر تراب الجزائر من حولها وحواليها،لتستقر جسدا في عمان،وكأن اصل الرجل العميق البعيد من هذه الارض الطيبة،الممتدة في اشراقاتها الى صباحات طارق بن زياد.