أخر الأخبار
هل تكون «هذه» فتوى القرضاوي.. «الأخيرة»؟
هل تكون «هذه» فتوى القرضاوي.. «الأخيرة»؟

صمت الشيخ المثير للجدل–أو أُصْمِتَ - عشرة اسابيع, ثم خرج على شعب مصر – وهو الذي لا يحمل جنسيتها كما فاخر في احاديث عديدة ولن يدفن في ارضها كما اوصى – ليوغل في اسوأ أعمال السياسة, التي يحرص هو ومريدوه, ومَنْ ما زالوا حتى اللحظة, يُعجبون به أو يطربون لشتائمه وعصابيته وتخرصاته, ليقولوا لنا في صفاقة: ان الرجل لا يتحدث في السياسة وانه رجل فقيه ورجل دين, بل ويزيدون على ذلك بأن رئيس اتحاد علماء المسلمين, الذي لا يعرف كثيرون كيف تم اختراعه وعمّا إذا اسهم في تعميم وترسيخ ثقافة التسامح والمحبة, والجدال بالتي هي أحسن, التي حضّ عليها القرآن الكريم والتزمها نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم, ما بالك في الغموض الذي يحيط بهذا الاتحاد وتمويله وبرنامج عمله وخصوصاً مؤتمراته وقراراته, وطريق الحصول على العضوية فيه أو الاستفادة من «عِلْمِ» اعضائه..
فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي الذي ثبت بالوجه الشرعي أنه يُؤمر فيتكلم, ثم يُرفَعُ الكارت الاحمر في وجهه, فيلوذ بالصمت, ويتذرع بحاله الصحية المتدهورة – شفاه الله وأطال عمره – وهي مجرد ذريعة لا تصمد حتى لو كان صاحبنا قد اقترب من التسعين, وإلا كيف يُظهر تلك الحماسة وذلك الصوت المتدفق والجهوري الذي يصدع به رؤوسنا, كلما خرج علينا بِوَصْلَةٍ من السُباب والشتائم والتحريض, واللعب على الغرائز الطائفية والمذهبية, والترويج لخطاب «جماعة» احتكرت النطق بالاسلام وكفّرت الاخرين, ورأت فيهم عملاء وجواسيس لطواغيت وانقلابيين وقتلة, وهم الذين حرقوا لهم البخور أو جاءوا بهم أو تحالفوا معهم؟
إذا كان الشيخ – مصري الاصل – قد اباح لنفسه أن يطلق فتوى تحرّم المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقرر لها ان تجري في 26 و27 ايار الجاري، فهل له ان يُطمئن قلوبنا, بابلاغنا أو إطلاعنا على النصوص والسنن والاعراف والاسانيد التي استند اليها في إطلاق فتوى كهذه، يعلم هو قبل غيره أنها لن تجد صدى ايجابياً لدى غالبية المصريين, بعد أن انخرط الشيخ القرضاوي بكلتا يديه ولسانه وفتاويه في الشأن المصري وراح يُصوّب على كل من له رأي–حتى لو كان محايداً–في جماعة الاخوان المسلمين، راشقاً اياه بأوصاف ونعوت، يعف عن ذكرها من هم اقل منه علماً وثقافة وفقهاً (بافتراض ان شيخنا لا يأتيه الباطل ابداً)؟
ثم اذا كانت إطاحة «جماعته» من الحكم وإرسال رموزها وقادتها ومندوبها في قصر الاتحادية, الى السجن بتهم القتل والإفساد والتآم وتعريض الأمن القومي والسيادة المصرية الى الخطر، قد افقدت شيخنا بوصلته وجعلته يخرج عن طوره ويلجأ الى اساليب ومقاربات وخطاب يربأ كثيرون ان يقعوا في مطباته ووعورته, فأين كانت القدس وفلسطين من الغضبة القرضاوية (على وزن الغضبة المضرية) وهي التي ما تزال محتلة ومغتصبة منذ 66 سنة, واقتربت القدس من التهويد الكامل, وانهيار المسجد الاقصى مسألة وقت ليس الاّ؟
هل تقولون لنا ان شيخنا انتهى للتو من «مؤتمر عرمرمي» عُقِدَ من اجل القدس، حضره علماء وفقهاء ورجال فكر واصحاب لحى كثيرون, متعددو الجنسية والالوان؟
هذا ما قصدنا بالفعل، فالمؤتمرات تكفي اذاً، والبيانات نارية الكلمات والمصطلحات التي تُلقى من على المنصات وامام الميكروفونات، اكثر من كافية هي الأخرى، وقد جاء في الانباء ان «نتنياهو» وبعد ان سمع بيان المؤتمر عن القدس الذي ترأسه سماحة الشيخ يوسف القرضاوي, قرر عقد جلسة للمجلس الوزاري والأمني المصغر (وهو المجلس المنوط به اتخاذ القرارات الحاسمة) وهذا المجلس بدوره قام بتجميد بل إلغاء مشروع تقسيم المسجد الاقصى بين المسلمين واليهود (على غرار ما فعلوا في الحرم الابراهيمي الشريف منذ عشرات السنين ولم يغضب حينها, لا القرضاوي ولا الشعراوي ولا كل هؤلاء الذين يملأون الشاشات وتصدح بأصواتهم السيديهات والمنابر).
كفى استهتاراً بعقولنا, وكفى اتّجاراً بديننا, وآن الاوان لأن تنتهي هذه «الوصاية» التي فرضتموها على البسطاء والطيبين عبر إصدار الفتاوى التي باتت مُسّخرة لخدمة اهداف سياسية وتبييضاً لأنظمة وقادة وأجهزة, نحسب أنها اقرب الى تبييض الاموال وغسيل العقول, الذي لا تتقنه غير التنظيمات التي لا تستطيع العيش الا في الكهوف وأنفاق الظلام.