أخر الأخبار
حديث دحلان ورؤيته
حديث دحلان ورؤيته

في إطلالته الأخيرة، عبر شاشة قناة "الغد"، بدا لافتاً في حديث محمد دحلان، الفارق الشاسع بين خطابه، بما فيه من محمولات سياسية ـ إجتماعية ووطنية؛ ومستوى الخطاب الفلسطيني العام الراهن، المسموع بلسان طامحين وفصائليين كُثر ـ وليس الجميع بالطبع ـ دون أن يلامس القضايا الأساسية. فهذا الخطاب الأخير، يتبدى حتى في ناظر البسطاء، ضعيفاً ومسكوناً بالقلق وينم عن خلو الوفاض، للأسف الشديد، من أية فكرة تتعلق بواجب الإنقاذ الشامل، أو حتى تعترف بأننا في حاجة الى عملية إنقاذ!
يمكن القول، بقواعد القياس، أن رجلاً تعرض لما تعرض له محمد دحلان من محاولات للإطاحة به، بلغة التدليس والإختلاق؛ قد نجح في تأمين موقعه الآمن في الطليعة. لم يكن لتلك المحاولات، أي سبب سوى تلك مجاراة رجل آخر، قرر في يوم وليلة، إبعاد دحلان عن مسرح تفرده، فأنشأ منظومة كاملة للعزف الرديء، توسعت إقليمياً بمساعدة طيف أيديولوجي عابر للحدود، فشل في تحقيق أهدافه. والمفارقة هنا، أن الناشطين على مستوى منظومة الهجاء الفلسطينية، لا زالوا هم الذين يدافعون عن أنفسهم وعن مواقفهم، بينما الشخص المُستهدف بكل قوة، لا يزال يتحدث بأريحية، ويتناول موضوعات تمس شغاف القلوب، وتركز على قضايا الناس والنظام الوطني، وعلى مكامن الخلل العام، وعلى ممارسات الإحتلال في ذُرى قُبحها، كأنما هو لم يتعرض لشيء. فهو يقرر ضمناً، أن من استهدفوه ويستهدفونه، كانوا يَرقمون على الماء، مثلما قالت العرب من قديم!
لنكن منطقيين في معاينة ما قاله محمد دحلان عبر الشاشة. فإمعان النظر في كل ما طرح، يأخذنا الى مفاهيم وقضايا، حاضرة في أذهان الناس لكنها غائبة لدى معظم المتحدثين المنتمين للطيف الفصائلي. فمن ذا الذي ينكر أن النظام السياسي الفلسطيني في حاجة الى إعادة بناء، أو ينكر أن هذا الطموح يستوجب الذهاب سريعاً الى انتخابات عامة بهدف التمكين للإرادة الشعبية التي يمكنها المساعدة على صناعة الأمل؟! ومن ذا الذي ينكر أن نُصرة القدس، وإرجاع القضية الفلسطينة الى مسارها الحقيقي، الوطني والدولي، يتطلب انفتاح الجميع على الجميع، والتوافق على استراتيجية عمل وطني واحدة، دون تعدد الإستراتيجيات، والإنجرار الى ذميمة المحاصصة، واقتسام كعكة السلطة، بينما السلطة نفسها، من حول الكعكة، تنتقل من ضعف الى ضعف، ومن انتكاسة الى أخرى. 
ومن ذا الذي ينكر أن المجتمع الفلسطيني، بات في أمس الحاجة الى أداة سياسية فعالة، يحتضنها كيان ديموقراطي ذو نصاب، يسهر على رفع المعاناة عنه؟! 
فالمتحدثون الكُثر، الذين يدافعون عن الحال الراهنة، ويحاولون تجميلها، وهم يدركون استحالة إقناع أحد بما يقولون؛ يتجاهلون حاجة المواطن الى السياسي الذي يُشخّص العلل، لا السياسي الببغاء، الذي يحاول التغاضي عن الوقائع المزرية، ويلعب بمفهوم "الشرعية" وكأن هذه الشرعية قد أجازت للممسكين بها دون ممثلي المجتمع؛ هدم المؤسسات واستهداف القضاة، وتجاهل العمال العاطلين والإستمرار في إفقار الناس، ثم محاولة استرضاء هؤلاء الفقراء، بوعود زائفة، مع إكراه موظفي الجهاز الحكومة على إظهار الولاء، بخلاف قناعاتهم، تحت طائلة قطع الأرزاق!
فـ "الشرعيات" لا تقوم ولا تحقق مشروعيتها بالديكتاتورية، والحقائق لا يطمسها الإسفاف في اللفظ داخل الغرف المغلقة، والخطر المُحدق بنا، في لحظة مصيرية فارقة، لا يبتعد ويزول بالكلام السخيف، لا سيما بعد أن صَمَّ الممسكون بمقاليد الأمور، آذانهم، عن آلاف النصائح، ولم يفعلوا شيئاً مفيداً لصالح المجتمع والنظام الوطني. 
إن كل من يطرحون أنفسهم، كمعنيين بالعمل الوطني العام ـ بمن فيهم محمد دحلان ـ معرضون للاختبار، ولكن شتّان بين من يصارح ويقترب من وقائع المشهد العام، بمنظار الميكروسكوب الفاحص؛ ومن يلجأ الى اللفلفة واللعب بالبيضة والحجر. فنحن اليوم في حاجة الى السياسي، الذي يسلط الضوء على كل أنواع الخلل والمعاناة، دون إغفال محاور القضية الوطنية في السياسة وفي النزاع، بل دون أن يوضح رؤيته للخروج من المأزق، دون التخلي عن الأمنيات الكبرى.
من نافل القول، أن النائب المنتخب بأعلى الأصوات في يناير 2006 وعضو اللجنة المركزية المنتخب في المؤتمر العام السادس الحاشد، المنعقد في الأسبوع الأول من أغسطس 2009؛ قد استطاع تحت زخات المطر وفي سنوات هبوب الرياح المسمومة؛ أن يطوّر خطابه السياسي، وأن يوسع دائرة المفاهيم التي تشرح الواقع، لكي يعرف ماذا يقول في هذا الوضع الصعب، ويعرف كيف يؤدي واجبه. وحبذا لو احتذاه آخرون، لا زالوا يهرفون بعبارات غير مفهومة عن حالة تتلاقح مع حالة، دون وضع نقطة على حرف، ودون أن نفهم شيئاً!