عمان - الكاشف نيوز
مع بداية إعلان الحكومة، عن خطتها للفتح التدريجي لقطاعات اقتصادية مغلقة، وأبواب السفر للخارج، وإعادة مكاتب السياحة للعمل، بدأ “بزنس” المختبرات وفحوص “كورونا” المزورة، ينتعش، وسط فوضى تجتاح هذا الشريان الحيوي، الذي يسهم بتغذية عودة القطاعات الصحية والاقتصادية للعمل، ضمن شروط الحكومة، التي تتطلب حصول العاملين في تلك القطاعات، على ما يثبت أن فحوصهم نتيجتها سلبية.
هذه الفوضى أخذت تتفشى، بعد أن تفنن مخالفون بتوسيع أساليبهم الاحتيالية، لتحقيق هامش ربح مادي كبير، بعيدا عن أعين الرقابة الأمنية والصحية، التي أولت جل اهتمامها، في ظل الموجة الثانية للوباء، بالسعي لتحقيق مناعة مجتمعية من الفيروس.
بدأت هذه المخالفات، تتكشف على نحو خاص، بعد اشتراط وزارة الصحة على مكاتب السياحة والسفر، بأن من يرغب بالسفر، عليه الحصول على نتيجة سلبية لفحص الـPCR خلال مدة لا تزيد على 72 ساعة، قبل مغادرته للبلاد.
ألزمت هذه الشروط المحلية والعالمية، مكاتب السفر، ويصل عددها الى 800، للتعاقد مع مختبرات معتمدة لإجراء فحوص داخل المختبرات، مع إبراز هوية شخصية لمن يريد أن يفحص، لكن بعض المكاتب وجدت في ضعف العمليات الرقابية، منفذا لعقد “اتفاقيات سرية” مع مختبرات معتمدة، لإصدار نتائح فحوص سلبية لعملائها دون إجرائها مختبريا.
لم يتوقف تدفق المخالفات عند هذا الحد، بل لجأت بعض المختبرات المخالفة وهي “محدودة” إلى اتلاف مسحة (سواب) بعد التقاطها من المواطن مباشرة، واكتفت بإصدار نتائج سلبية للفاحصين، لتحقيق هامش ربحي معقول، إذ تعول المختبرات المخالفة على إعادة الفحوصات المخبرية في الدولة المستضيفة، وفق تأكيدات أصحاب مختبرات معتمدة، استطلع عن آراءهم بعد إجراء مقابلات معهم.
“لن يغامر أي مكتب سياحي بسمعة الوطن، أو سمعة مكتبه من أجل تحقيق ربح مالي بسيط، جراء فحوص مخبرية لا يتجاوز سعر الفحص فيها 25 دينارا”، هكذا دافع رئيس جمعية وكلاء السياحة والسفر السابق شاهر حمدان عن الاشتباه بتورط مختبرات بالقضية، مؤكدا أن “المخالفات التي قد تصدر من مكاتب سياحة وسفر، تكون غير مرخصة”.
وأوضح حمدان لـ”الغد”، أن اختيار المختبرات المعتمدة من دول أخرى ليس انتقائيا، بل الزامي غالبا. في المقابل، تتبع الأردن سياسة التدقيق على فحوص كورونا القادمة من مختبرات بلدان عربية وعالمية، بخاصة من اشتهرت ببيع وتزوير نتائح فحوصها.
38 تحليلا.. ومندوب مختبر يعترف
وفي حين ذهب موظفو مختبرات، من فنيين أو مندوبين الى تزوير نتائج فحوصات “كورونا” وبيعها بأسعار تصل إلى 35 دينارا، فيما تصل التسعيرة الرسمية المقرة من وزارة الصحة للحد الأعلى للفحص إلى 28 دينارا، رفض أصحاب مختبرات معتمدة، التلاعب بنتائج فحوصات مختبراتهم، برغم ما يتعرضون له من ضغوطات في هذا الجانب.
مندوب أحد المختبرات الخاصة، لم ينكر العام الماضي بعد عرضه على القضاء، في اعترافه أمام المدعي العام، قيامه بالتقاط عينات لطلبة من جنسيات خليجية، دون أن يرسلها إلى المختبر، واكتفى بحسب قولة “باعطائهم ورقة فحص مروسة، باسم وختم مختبر (ج) معتمد من وزارة الصحة، ونتيجة سلبية لكل منهم”.
وكشف خلال اعترافاته، بأن “ورقة الفحص غير سليمة، ومزورة. وأن ختمها غير صحيح، وأن هذه الورقة المزورة تنفذ بنقل الختم عن طريق برامج كمبيوتر خاصة، وان أوراق الفحوصات وعددها 38 ورقة، كانت جميع نتائجها سلبية”.
وحول الأسباب التي دفعته للقيام بهذا العمل في تزوير نتائج المختبر، بحسب وثائق، قال إن “أشخاصا كانوا يحضرون عندي، ويلحون علي بأن اعطيهم نتيجة فحص سلبية، فقمت بتزوير فحوصات لهم دون إجراء الفحص فعليا، وذلك لغايات سفرهم بهذه الأوراق إلى الخارج، وذلك مقابل مبالغ مالية متفاوته تتراوح بين 35 دينارا إلى 70 دينارا”.
وحددت لجنة تراخيص المختبرات الطبية الخاصة في مديرية التراخيص والمهن التابعة للوزارة نهاية العام الماضي، أسعارا ثابتة لثلاثة فحوص للمختبرات المعتمدة لديها، حسب الأسس المقرة ومستوى دقتها في إظهار النتائج ومدة ظهور النتيجة.
وفي هذا النطاق، تصل تكلفة فحص الـRT / PCR الى 38 دينارا، وينفذ في نقاط المعابر الحدودية البرية والبحرية والجوية، اما بشأن تسعيرة الفحوصات التي يجريها مواطنون في مختبرات خاصة ومعتمدة في المحافظات، فكلفة الفحص في حده الأدنى تصل إلى 25 دينارا وفي حده الأعلى 28 دينارا.
أما الفحص الثاني للمواطنين ممن يختارون طوعا الفحص السريع (AIGS / PCR) فكلفته تصل إلى 45 دينارا، ومدة ظهور نتائجه تصل إلى ساعة و20 دقيقة، أما فحص (GENE Xpert / PCR) فتصل كلفته إلى 70 دينارا، ومدة ظهور نتائجه 45 دقيقة.
وإذ اقر مندوب مختبر (ج) بتزويره نتائج فحوص “كورونا” المخبرية، تعرض مختبر آخر معتمد لدى وزارة الصحة (م.ل)، للضغط من قبل مواطن، طالب بتغيير نتيجة مستخدمته من أثيوبيا، وقد كشفت نتائجها المخبرية إصابتها بـ”كورونا”، وقوبل طلبه بالرفض، وفقا لملف القضية.
“المختبرات” تقر و”الصحة” تتعهد
جميع هذه التجاوزات رصدتها بواسطة أصحاب مختبرات معتمدة، ووثق بعضها في ملفات القضاء، أقربها كان عن طريق رئيس جمعية المختبرات والتحاليل الطبية الدكتور حسين الحجاوي.
وقد اعتبر الحجاوي هذه التجاوزات “فادحة”، أبطالها أصحاب مختبرات أو فنيو مختبرات، لهثت وراء إجراء فحوص مخبرية لـ”كورونا”، لسهولة تزوير نتائجها وصعوبة اثبات مخالفاتها.
“نعم هناك فوضى تنظيمية في عمل أغلب المختبرات، تكشفت منذ بدء جائحة كورونا، وفقدنا السيطرة عليها”، كما قال الحجاوي، مطالبا الجهات الصحية بتشديد عمليات الرقابة على المختبرات المخالفة، وإيقاف الإعلانات المضللة لمختبرات تسعى لجذب زبائن جدد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتدفع الناس لإجراء فحوص مخبرية في منازلهم بصرف النظر عن كفاءة من سيلتقطها.
كما استخدمت مختبرات أخرى، أسلوب “حرق أسعار الفحوص المخبرية”، دون التأكد من صلاحية المواد الخاصة بالفحوص، أو كيفية التقاط العينة، وفق الحجاوي الذي أعرب عن اسفه لوجود مختبر، زور نتائج فحوص 30 مصريا، كانوا يستعدون للسفر عن طريق العبارات من العقبة إلى نويبع في مصر، لكن إجراءات قانونية اتخذت بحق هذا المختبر.
بدورها؛ كشفت جمعية المختبرات، أن هناك مختبرات تلجأ لتعيين أشخاص غير مزاولين للمهنة، لالتقاط مسحة الأنف (سواب)، أكان في منازل المواطنين انفسهم أو في المختبرات، ما يؤثر على دقة نتائج الفحوصات.
جمعية المختبرات التي تأسست العام 2014، وينضوي تحت لوائها نحو ألف عضو، هي هيئة عامة، تسعى إلى التنسيق المستمر مع الوزارة لتنظيم المهنة، وفق الحجاوي الذي زود قسم التراخيص والمهن فيها، بمعدل 3 شكاوى شهريا ضد مختبرات مخالفة، لكن الوزارة لا تمتلك كوادر رقابية كافية، للتفتيش على جميع المختبرات الطبية في المملكة.
موقع الوزارة الرسمي، أشار إلى أن عدد المختبرات المرخصة لإجراء فحص “كورونا” يصل إلى 37 مختبرا، و17 مختبرا تابعا لمستشفيات خاصة، لكن الحجاوي قدر عددهم بـ51 مختبرا حتى نهاية الشهر الماضي.
الأمين العام لشؤون الأوبئة ومسؤول ملف “كورونا” في الوزارة الدكتور عادل البلبيسي، استغرب تجاوزات بعض المختبرات المعتمدة لفحص كورونا، ولجوئها الى تزوير نتائج الفحوصات، مؤكدا لـ”الغد”، ان الوزارة لن تتهاون مع المخالفين في حال ثبت ذلك.
وأضاف البلبيسي، إن أي تزوير يكتشف فورا عند تدقيقه من قبل الأجهزة الأمنية عبر المعابر الحدودية البرية أو الجوية، ويجري إبلاغ الوزارة بالمخالفة مباشرة، لافتا إلى أن الدول المستضيفة، تنفذ فحوصا خاصة بها، ولا تعتمد على فحوص دول أخرى.
وتفاديا لعمليات التزوير، لفت البلبيسي إلى أن التحاليل المخبرية لـ”كورونا” (pcr)، وكل شهادة صحية، لتلقي اللقاحات الواقية من الفيروس، الصادرة عن الوزارة، تمتلك تقنية رمز الاستجابة السريع (QR CODE) بمجرد قراءتها عبر الماسح الضوئي، أكان في المطارات أو الموانئ العالمية، وتكشف مباشرة حقيقة ورقة الفحص، مزورة أم سليمة.
اما بالنسبة للتحايل على أسعار الفحوص المخبرية في بعض المختبرات، فأوضح أن الوزارة لم تتسلم أي شكوى رسمية حول تزوير نتائج فحوص أو تحايل على الأسعار، تمارسه بعض المختبرات المعتمدة لديها.
ونوه الى أن لجنة المختبرات الخاصة بالوزارة، تنسب بإعادة النظر دوريا في تسعيرة الفحص، عن طريق دراسة التسعيرة ومقارنتها بالمستويات العالمية، إلى جانب دراسة أسس تطبيق معايير اعتماد المختبر من جميع جوانبه الفنية والصحية.
واتفق رئيس جمعية المستشفيات الخاصة الدكتور فوزي الحموري برأيه مع البلبيسي، من حيث “محاسبة المخالفين إذا ثبت ذلك، لانهم يسهمون بانتشار الوباء في المملكة”، مشيرا إلى “أن الوزارة تدقق في نتائج الفحوص، وتراقب عمل المختبرات باستمرار”، وتدعو المختبرات الخاصة عبر بياناتها الرسمية المتكررة، للتقيد بالتسعيرة التي وضعتها، مبينة انها ستتابع بشكل مباشر أي ملاحظات أو معلومات تردها حول عدم الالتزام بتسعيرة الوزارة.
هربا من التكلفة أم من طوابير الانتظار؟
في الوقت الذي ينتظر فيه نحو 3 ملايين مواطن دورهم للحصول على لقاح كورونا على منصة الوزارة، حصل نحو 2.9 مليون أردني ومقيم على الشهادة الصحية الخاصة بتطعيمهم ضد الفيروس، وفق أحدث احصائيات راشحة من الوزارة أول من أمس.
ووسط طوابير انتظار الحصول على فصح “كورونا”، لم يتردد المواطن العشريني معاذ (اسم مستعار) في تزوير شهادة نتائج مختبر معروف عبر برنامج كمبيوتر خاص، بطريقة يصعب على أي رقيب أو معني كشفها، وقد قام بتقليد ورقة فحص مختبري لصديقة، هربا من تكلفة الفحص المختبري، لكي يتمكن من الذهاب الى النادي الرياضي، لكن معاذ حسب قوله، يجهل أن عقوبه تزويره لنتائج مخبرية، قد تقوده إلى السجن، بدلا من المراكز الرياضية أو المسابح.
وتنص المادة (271) من قانون العقوبات الأردني “أن من ارتكب التزوير في أوراق خاصة بإحدى الوسائل المحددة، يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات”، في حين يعاقب أمر الدفاع رقم 17 لسنة 2020 “كل من يقدم نتيجة غير صحيحة لفحص الـpcr بقصد تضليل الجهات المختصة بالفحص، بالسجن حتى سنة او بغرامة مقدارها 3000 دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين”.
اما العشرينية براء وشقيقتها دانا ذات الـ16 ربيعا (الأسمان مستعاران)، ونتيجة لرغبتهما بقضاء العطلة الصيفية معا بالذهاب الى مسبح في عمان، فحصلتا على ورقة فحص “كورونا”، تؤكد انهما اجريتاه ونتيجتهما سلبية.
وقامت براء بهذا التزوير، لانها لن تتمكن من التسجيل للتطعيم عبر منصة الوزارة، للحصول على لقاح كورونا، جراء حملها في الشهر الرابع، لكنها ترغب في الذهاب مع شقيقتها وصديقاتها الى المسبح، أو الانتساب الى أحد المراكز التثقيفية أو التعليمية في منطقتها، وفق قولها ، فقامت بهذا التزوير.
الشباب معاذ وبراء وشقيقتها الصغرى، وجدوا في برامج الكمبيوتر (فوتوشوب واليسيتر وغيرها، وطابعات ملونة ..الخ) ملاذا لهم، على حد تعبيرهم، يمكن من التهرب من دفع مبالغ مالية ترهق ميزانياتهم، بتزوير ورقة حصولهم على فحص سلبي.
كما أنهم يعولون في تمرير هذه الأوراق المزورة، على جهل أصحاب القطاعات التي فتحت مؤخرا، وعدم امتلاكهم لأجهزة مسح ضوئي للكشف عن كود الفحص، إذ يكتفون بمشاهدة ترويسة الورقة ولوغو المختبر، وخانة النتيجة بالإنجليزي، وبالطبع يجب أن تكون النتيجة سالبة.
وكانت الحكومة، أعلنت في بداية الشهر الحالي عن إعادة فتح دور السينما ومدن الترفيه والنوادي الرياضية والحمامات والمسابح والمراكز الثقافية والتعليمية، لكنها اشترطت على الناس تلقي اللقاح لدخولها.
كما أصدر رئيس الوزراء بشر الخصاونة أمرا “يلزم جميع المنشآت التي تمّ فتحها، بعدم السّماح لأيّ شخص بالدخول إليها قبل إبراز البطاقة الشخصية، أو رمز التحقق الصحي أو شهادة التطعيم من خلال تطبيق (يطلق عليه اسم) سند”.
ويرى البلبيسي ان الهدف من إبراز شهادة التحاليل المخبرية الخالية من الفيروس (سلبية) في قطاعات اقتصادية، التي سمحت الحكومة بفتحها تدريجيا في منتصف الشهر الحالي، هو “تشجيع المواطن على تلقي اللقاح، لتحقيق المناعة المجتمعية”.
ويتفق رئيس لجنة التنمية والصحة والتعليم في المركز الوطني لحقوق الانسان الدكتور إبراهيم البدور برأيه مع البلبيسي، ويقول إن “الهدف من ابراز شهادة فحص المختبر، دفع الناس والزمهم بشكل غير مباشر لاخذ لقاح كورونا”، لافتا الى أن الخلل قد يكون في آلية التطبيق.
ليس صعبا تزوير الشهادات الصحية الخاصة باللقاحات، أو تزوير نتائج تحاليل المختبرات، وسط التطور التكنولوجي الهائل في عالم الكمبيوتر، وتوافر مئات البرامج الخاصة بمعالجة البيانات والنصوص والصور، في المقابل من السهل اكتشاف أي تزوير لخبراء أمن المعلومات والجهات الرقابية والأمنية، وفق خبير أمن المعلومات والاتصال الرقمي الدكتور سليمان عمران.
ولفت عمران إلى ان تشديد الرقابة، وتحميل الشهادات الصحية، ونتائج المختبرات عبر الهاتف الخلوي مع وصلة مرتبطة بالمختبر مباشرة، من الطرق التي يمكن ان تكشف التزوير.
وأشار إلى أهمية توعية المواطن قانونيا بخطورة التزوير، لانه يؤدي للحبس بناء على قانون العقوبات وقوانين أوامر الدفاع، مقترحا انشاء قاعدة بيانات مركزية تابعة للوزارة، تضم نتائج المختبرات الحكومية والخاصة، ويتم خلالها انتقاء عينات عشوائية للتدقيق على المختبر من حيث نتائجه وأسعاره ورقم الفاتورة والختم وتوقيع مدير المختبر، قائلا “الأتمتة تصنع الفساد”.
قانونيا؛ تعرف المادة (260) من قانون العقوبات الأردني ماهية التزوير بأنه “تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يراد اثباتها بصك أو مخطوط، يحتج بهما نجم أو يمكن ان ينجم عنه ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي” في حين ذهبت المادة (271) الى أن عقوبة التزوير في الأوراق الخاصة، تتراوح بين سنة الى 3 سنوات.