الكاشف نيوز - وكالات
كشفت وثائق صادرة عن وزارة الداخلية في هايتي وأطلعت عليها بشكل حصري شبكة "سي إن إن" الإخبارية عن تهديدات تلقاها قضاة ومحققين يعملون على قضية اغتيال رئيس البلاد، جوفينيل مويس، الذي قتل في السابع من يوليو الجاري خلاله تواجده في منزله.
وأظهرت الوثائق أن العديد من المسؤولين في هايتي تلقوا تهديدات بالقتل منذ بدء تحقيقهم قبل أسبوعين، إذ قال قاضي الصلح، كارل هنري ديستين، والذي وثق الأدلة وفحص جثة الرئيس القتيل عقب ساعات من اغتياله في تصريحات لشبكة "سي إن إن" إنه يتحدث من مكان مجهول، مشيرا إلى أنه تلقى العديد من مكالمات التهديد والوعيد.
كما جرى استهداف الموظفين الذين يعملون مع ديستين وغيره من قضاة التحقيق، مما دفع الرابطة الوطنية لموظفي القضاء والتحقيق الهاييتين إلى نشر رسالة مفتوحة تدعو إلى الاهتمام "الوطني والدولي" بتهديدات القتل التي تلقاها اثنان من الكتبة القضائيين، مارسيلين فالنتين وواكي فيلوستين، مطالبة وزير العدل، روكفلر فينسنت، باتخاذ إجراءات مناسبة لضمان سلامتهما.
وأظهرت الوثائق أن فالنتين تلقى مكالمة تهديد في 9 يوليو، بينما كان يؤدي عمله في فحص وتوثيق جثتين من المشتبه بهم في المشاركة في عملية الاغتيال، وطالب المتصل بمعلومات بتزويده بمعلومات توصل إليها التحقيق، وذلك قبل أن يهدد فالنتين بالقتل إذا رفض إضافة أسماء معينة إلى تقريره أو تعديل أقوال الشهود. .
في الأسبوع التالي، تلقى فالنتين رسالة نصية، مفادها: "يبدو أنك لا تزال تواصل البحث في قضية الرئيس، أخبروك أن تسحب اسمين وأنت مصر على الرفض.. أنا أعرف كل تحركاتك".
وتعقيبا على ذلك قال، المدعي العام المسؤول عن القضية، بيدفورد كلود، إن "الجميع يتلقى تهديدات بما فيهم أنا"، مشيرا إلى أنه سيعمل على اتخاذ المزيد من إجراءات الحماية الأمنية للمحققين.
ثغرات.. وعوائق
وأشارت الوثائق كذلك إلى وجود ثغرات واضحة في المعلومات التي جرى نشرها حتى الآن بشأن التحقيقات، بما في ذلك عدم الكشف عن محتويات مجهولة لكاميرات المراقبة الموجود في مقر إقامة مويس ليلة مقتله، بالإضافة إلى عدم الكشف عن شهادات أكثر من 20 مشتبهًا أجنبيًا محتجزًا وعشرات من ضباط الشرطة المحليين.
وبموجب بروتوكلات التحقيق، يحضر إلى مسرح الجريمة وعلى وجه السرعة قاض لإجراء التحقيق الأولي وتوثيق مكان الحادث وأخذ شهادات الشهود لإنشاء السجل الرسمي للأدلة، ولكن مصادر قريبة التحقيق تحدثت عن "ثغرات محيرة" جرت في البروتوكول أدت إلى إغفال أجزاء أساسية من المعلومات من تقارير المحققين القضائيين.
ولفتت المصادر إلى أنه تم منع قضاة التحقيق عدة مرات من مشاهدة أشرطة كاميرات المراقبة التي تحتجزها الشرطة، فيما قال القاضي، ديستين، إنه لم يسمح له على الفور بمعاينة مكان الجريمة، وجرى تأخيره لبضعة ساعات مما يثير شكوكا بشأن التلاعب ببعض الأدلة.
وبررت الشرطة التأخير بالخوف على سلامة ديستين وطاقمه بحجة أن إمكانية وجود بعض القتلة في المكان، ولكن ديستين قال إن بقائه خارج المنزل لبضع ساعات كان سيعرضه لخطر مواجهة القتلة أكثر وهم يفرون من مكان الجريمة.
في غضون ذلك ، قالت مصادر إن عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي الذين عاينوا المقر الرئاسي بعد أيام قليلة من الاغتيال فوجئوا بالعثور على عدد وافر الأدلة التي تركتها الشرطة الهاييتية هناك، وتساءلوا عن سبب عدم جمعها بالفعل.
ومما زاد من غموض الأمور وغرابتها، أن عناصر الحرس الرئاسي، الذين من المحتمل أن يكونوا شهودًا حاسمين في القضية، قد جرى إبعادهم أو سُمح لهم بمغادرة المبنى قبل أن استجوابهم من القاضي، ديستين، الذي قال: "عندما وصلت إلى منزل الرئيس، لم يكن هناك ضابط شرطة في الكابينة الأمنية كما كان الحال دائمًا. بمجرد أن عرّفت نفسي، جاء بعض العناصر الذين بدوا كأنهم ضباط شرطة وأخبروني انهم لا يستطيعون أن يكشفوا عن هوياتهم".
"منعونا من الوصول إلى مقر الرئيس"
ووفقا لأحد الوثائق، فقد تمكن ديستين من مقابلة جان لاغيل سيفيل، كبير منسقي الأمن الرئاسي، المطلوب حاليًا من قبل الشرطة فيما يتعلق بالقضية، والذي قال للقاضي: "اتصل بي الرئيس جوفينيل مويس في حوالي الساعة 1 صباحًا ليخبرني أنه سمع الكثير من طلقات الرصاص خارج منزله وطلب المساعدة. اتصلت على الفور بديميتري هيرارد (رئيس أمن القصر) والمسؤول الأمني بول إيدي اللذين حشدا عناصرهما بسرعة.
وأضاف سيفيل: "أخبروني أن الطريق مغلق ولم يتمكنوا من الوصول إلى منزل الرئيس، فيما قال لي ديمتري أن جميع الحراس لا يمكنهم الوصول إلى هناك، كنت في طريقي.. لكن مجموعة من المرتزقة الذين كانوا قادمين من منزل الرئيس أوقفوني. لحسن الحظ لم يتسببوا في أي أذى".
ومع ذلك، غاب العديد من حراس الأمن الذين كان على عاتقهم حماية مويس، وهنا يوضح ديستين "علمت أن أحد منهم لم يكن موجودا هناك ليلة الاغتيال، ولم تسنح لي الفرصة للتحدث مع أي شخص كان في مكان الحادث خلال الهجوم".
ويخضع 24 ضابط شرطة حاليًا لتحقيق إداري، وفقًا لقائد شرطة هايتي ليون تشارلز، وجرى اعتقال العديد من قادة الأمن، لكن بعد مرور أكثر من أسبوعين على القتل، ما زال الكتاب والقضاة المسؤولون لم يستمعوا إلى أي شهادة منهم.
بالمقابل يقول المدعي العام، بيدفورد كلود، إنه راضٍ عن عمل الشرطة وأنهم عملوا معًا بشكل وثيق، مشددا على أنه استمع إلى شهادة عناصر الإدارة المركزية للشرطة القضائية"، ولكنه رفض الإفصاح فيما إذا اطلع على أشرطة كاميرات المراقبة.
ولا تنتهي الشكوك، فقد أكدت الوثائق والمصادر أنه جرى تحريك بعض جثث المشبته بهم بالإضافة إلى إحراق وتدمير بعض السيارات التي استخدموها، وفي هذا المجال، قال برايان كونكانون، الخبير في النظام القانوني الهاييتي، أنه لم يسمع قط في حياته بمنع قاضي وطاقمه من الوصول إلى مسرح الجريمة مباشرة.
وأردف: "هناك الكثير من الأشياء التي لا معنى لها في التعامل مع مسرح الجريمة، مثل إحراق السيارات.. ولذلك يجب على المحققين أن يستجوبوا من شارك في تغيير معالم مسرح الجريمة لمعرفة ما إذا كان لديهم سبب وجيه لإجراء تلك التغييرات".
"مخالفات دستورية"
وبالإضافة إلى ذلك فإن ثمة تساؤلات بشأن جثة موريسيو خافيير روميرو وجيرالدو دوبيرني كابادور، وهو ضابط سابق في الجيش الكولومبي يعتقد أنه جند العديد من المهاجمين المشتبه بهم.
فالجروح والإصابات التي تم العثور عليها في جثة روميرو أثارت تساؤلات بشأن كيفية مقتله، إذ وجد المحققون جرحًا غائرا نجم عن إطلاق رصاصة عن قرب في مؤخرة رأسه.
في نفس التقرير، أخذ المحققون تصريحات من جيمس سولاج وجوزيف فينسنت، وهما مواطنان أميركيان زُعم أنهما متآمران في مؤامرة الاغتيال، ولم يجرِ الإعلان عن روايتهما للأحداث حتى الآن.
وفي معرض تعليقه على تلك التقارير والوثائق، قال الخبير القانوني الهاييتي والقاضي السابق جان سينات فلوري إنه يخشى كسر العديد من القواعد القانونية في سياق التحقيق الحالي، باعتبار أن الدستور يحظر استجواب الشهود دون محامٍ أو شاهد من اختيارهم، مع ضرورة أن يبت قاضٍ مستقل في قانونية اعتقال أي مشتبه به لأكثر من 48 ساعة.