أخر الأخبار
عقوبات أوروبا على روسيا تُؤذيها
عقوبات أوروبا على روسيا تُؤذيها
استهدف رزمة العقوبات السادسة التي فرضتها أوروبا على روسيا قطاع النفط بشكل أساسي، بعد أن كان هذا القطاع خارج نطاق العقوبات الغربية بسبب الخلافات بين دولها التي يعتمد عدد منها وبشكل كبير مثل سلوفاكيا وهنغاريا وجمهورية التشيك على النفط الروسي.
روسيا تصدّر لأوروبا يومياً 2.2 مليون برميل من النفط الخام و 1.2 مليون برميل من منتجاته المصنعة مثل البنزين والديزل وهو ما يشكل ربع احتياجات أوروبا من النفط.
هذا يوفر لروسيا قرابة المليار دولار يوميا من العملة الصعبة وفق ما صرح به وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، وعلينا أن ننتبه هنا الى أن الحديث يدور فقط عن النفط وليس الغاز الذي تحتاجه أوروبا أكثر من روسيا لصعوبة توفير بدائل له.
رزمة العقوبات السادسة على قطاع النفط الروسي تدريجية بحيث يمكن الاستغناء عن النفط الروسي مع نهاية العام. لكن السؤال المهم هنا هو التالي: ما هي الجهات المتضررة من هذا الحظر ومن المستفيد منه؟
بدايةً، الحظر يستهدف حرمان روسيا من الأموال الأوروبية التي تقوم الأولى باستخدامها لتمويل حربها في أوكرانيا. الحظر إذا يهدف الى الاضرار بروسيا وإفقادها مئات البلايين من الدولارات التي بدونها لا تستطيع الصرف على شعبها وتطوير اقتصادها وصيانة بنيتها التحتية. وهو، إن حصل، سيؤدي الى تأليب الشارع الروسي ضد قيادته وخروج الملايين للتظاهر مطالبة بالتغير.
لكن هذا الهدف يتعارض مع بعض الحقائق التي تعمل لصالح روسيا ومنها استفادتها كثيراً من ارتفاع أسعار النفط عالمياً بحيث تمكنت خلال اول شهرين فقط من غزوها لأوكرانيا من تحقيق أرباح إضافية عن بيعها لنفطها تقدر بـ 13 مليار دولار. كذلك دفع حرمان المصارف الروسية من استخدام نظام سويفت الحكومة الروسية الى مطالبة زبائنها الأوروبيين تسديد دفوعاتهم لأثمان النفط والغاز بالروبل الروسي وهو ما مكنها من تعزيز مكانة الروبل مقابل الدولار ومن القيام بالصرف على كل ما تحتاجه داخل روسيا بحيث لا يشعر مواطنها أن تغيراً جذرياً قد طرأ على نظام حياته اليومي باستثناء التوقف عن الأكل في مطاعم الوجبات السريعة الأميركية.
لكن هل ستتضرر روسيا كثيراً عندما تتوقف أوروبا كلياً عن استيراد نفطها؟
الباحثة في معهد كارنيجي، اليكساندرا بروكوبينكو تقول بأن المخاوف الحقيقية يجب أن تكون من توقيف روسيا لإمداداتها من النفط لأوروبا قبل ان تقوم الأخيرة بوقفها مع نهاية العام، وهي مدة ربما تكون كافية لها لإيجاد بدائل للنفط الروسي.
بروكوبينكو تقول بأن روسيا قد زادت من صادراتها من النفط للهند والصين بما يقرب من المليون برميل يوميا خلال الحرب، وإذا نجحت في توفير أسواق جديدة، وهي قادرة على ذلك، فإن على أوروبا ان تخشى من أن تقوم روسيا بحرمانها من النفط قبل أن تتمكن هي من توفير البدائل لها.
قدرة روسيا على بيع نفطها لدول شرق آسيا كبيرة جدا لأنها ستقوم بذلك، كما تفعل إيران، عبر تخفيض سعر برميل النفط، ما سيشجع الدول التي لا تدور في الفلك الأميركي على الشراء منها. ولأن أسعار النفط العالمية أصلا عالية جدا، فإن أي تخفيض لسعر برميل النفط بعدة دولارات، لن يؤثر فعلياً على أرباح روسيا من عائدات النفط.
روسيا إذاً متضرره بعض الشيء من الحظر على نفطها، لكنها قادرة على تحويل هذا الضرر الى فرصة لمعاقبة أوروبا على توجهها العدائي تجاه روسيا وعلى تسليحها لأوكرانيا.
الضرر الأكبر كما يبدو سيصيب أوروبا نفسها لأن الاستغناء عن النفط الروسي سيفرض عليها الحصول على النفط من دول أخرى أهمها الشرق الأوسط. الآن أوروبا تحصل على النفط بسعر أقل من سعر السوق العالمي وفق اتفاقيات موقعة مسبقاً مع روسيا، وهي تحصل على جزء كبير منه عبر انابيب توصل النفط مباشرة لها، ما يوفر عليها أثمان الشحن والتأمين.
عندما تستورد أوروبا النفط من الشرق الأوسط فإن عليها أن تشتريه بسعر السوق العالمي المرتفع أصلا وعليها أن تتحمل فوق ذلك تكاليف الشحن والتأمين المرتفعة أصلا.  
استيراد النفط بسعر عال يعني ليس فقط ارتفاعاً في أسعار المحروقات ولكن في جميع أسعار المواد الأخرى التي يعتمد إنتاجها أو نقلها أو توزيعها على النفط... فعليا، كل شيء. هذا بدوره يؤدي الى زيادة التضخم والى استهلاك الجمهور لودائعه المالية والتي سيكون مضطراً لاستخدامها لتحسين شروط حياته، وكل هذا في النهاية يؤدي الى ركود اقتصادي لأن النمو غير ممكن عندما تكون تكاليف المواد المُنتجة مرتفعة والجمهور غير قادر على شرائها.  
مقابل الخسارة الكبيرة لأوروبا والخسارة المحدودة لروسيا، هنالك رابحون.
دول الخليج العربي ستكون من أول المستفيدين من توقف أوروبا على الاعتماد على النفط الروسي. الأسعار العالية التي ستبيع بها نفطها لأوروبا ستدخل عليها مئات البلايين من الدولارات التي لم تكن في حساباتها.
الصين والهند ستكونان أيضا من المستفيدين الكبار لأن بإمكانهما الحصول على النفط الروسي بأسعار تفضيلية لا توفرها لها دول الشرق الأوسط، لأن روسيا مُكرهة على ذلك بفعل الحصار الغربي، بينما دول الخليج العربي لا يوجد من يجبرها (غير المنافسة)، على رفع او تنزيل أسعار نفطها.
الهند ربما تستفيد أكثر من الصين هنا لأنها تمتلك معامل ضخمة لتكرير النفط الخام. بمعنى يمكنها شراء الخام الروسي وتكريره الى مشتقات نفطية من بنزين وديزل وغيره وإعادة بيعه لأوروبا التي تحصل عليه الآن من روسيا مباشرة.
أميركا أيضا مستفيدة لأن بإمكانها بيع جزء من فائض نفطها لأوروبا.
في المحصلة، يبدو ان الخاسر الأكبر إذا قطعت أوروبا استيرادها للنفط من روسيا، هو أوروبا نفسها، في حين أن الاقتصاديات المهمة في العالم مثل الصين والهند والدول التي تنتج النفط بما فيها روسيا (وإن كان بدرجة أقل) مستفيدة من ذلك.