أخر الأخبار
رؤية التحديث الإقتصادي .. هل سقط الإسكان سهواً ؟؟؟!!!
رؤية التحديث الإقتصادي .. هل سقط الإسكان سهواً ؟؟؟!!!
تم بالأمس وبرعاية ملكية سامية إطلاق رؤية التحديث الإقتصادي التي عمل على إعدادها خلال الأشهر الثلاثة الماضية أكثر من 500 من أصحاب الخبرة والإختصاص في القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والبرلمانية ووسائل الإعلام والشركاء التنمويين، وقد استندت الرؤية إلى مرتكزين رئيسيين أولهما إطلاق كامل الإمكانات الإقتصادية أما المرتكز الثاني فهو النهوض بنوعية الحياة.
جهد طيب ومبارك نرجو أن يكون فاتحة خير على هذا الوطن الحبيب وبوابة التغيير المنشود نحو الوصول إلى التنمية الشاملة والتطوير بما يؤدي إلى تحسين نوعية الحياة وتحقيق الرفاه لمختلف فئات المواطنين.
لقد كان لافتاً عدم ورود قطاع الإسكان ضمن القطاعات التي صنفتها الرؤية كقطاعات اقتصادية ذات أولوية، ولا ضمن المحركات الرئيسية للنمو الإقتصادي خلافاً لما هو معروف ومؤكد من أن قطاع الإسكان هو من أهم القطاعات الإقتصادية سواء من حيث توفير فرص العمل أو من حيث تحريك قطاعات إقتصادية هامة خدمية وإنتاجية واستخراجية، أو من حيث حجم الرساميل الموظفة فيه، أو من حيث المساهمة في مجمل تكوين رأس المال الثابت، كذلك لم يرد الإسكان ضمن القطاعات الإجتماعية الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم، مع ان توفير السكن الملائم حاجة إنسانية أساسية لا تقل أهمية عن الدواء والكساء وحتى الغذاء.
يتميز قطاع الإسكان بثنائية لا تتوفر في القطاعات الحيوية الأخرى، فهو قطاع إقتصادي هام وأساسي كما هو قطاع اجتماعي بإمتياز لتحقيق الإستقرار الذي لا غنى عنه للأفراد والجماعات، وأي تعامل يتجاهل عن قصد أو غير قصد هذه الثنائية وخاصة في مجال إعداد الخطط والبرامج التنموية، هو خلل منهجي لن يؤدي بالضرورة إلى تحقيق الغايات والأهداف المرجوة.
أكدت الرؤية أن الحصول على مسكن عالي المواصفات بأسعار مقبولة هو أحد معايير المعيشة الأساسية التي ينبغي تعزيزها كأحد المتطلبات الرئيسية للنهوض بنوعية الحياة، كما أدرجت الإسكان ضمن العناصر الضرورية لتحسين مستوى المعيشة، بيد أن الرؤية لم تشر من قريب أو بعيد فيما إذا كان توفير السكن الملائم متاحاً وميسراً لمختلف شرائح المجتمع، وهنا قد يقول قائل بأن الرؤية قد سعت إلى إدراج جودة الحياة ضمن التنمية الحضرية للمجتمعات المحلية والتي من المفترض أن يكون الإسكان أحد عناصرها الرئيسية، إلا أن الرؤية لم تذكر أياً من قضايا الإسكان ضمن التحديات التي تواجه قطاع التنمية الحضرية، ولا ضمن المبادرات المقترحة لتطوير هذا القطاع، الأمر الذي يمكن أن يكون مقبولاً لو كان الحصول على المسكن الملائم متاحاً لمختلف مكونات المجتمع، وهو افتراض تنفيه الوقائع العملية على الأرض والدراسات المتخصصة والتي كان آخرها الدراسة التقييمية لواقع قطاع الإسكان التي أجراها البنك الدولي عام 2018.
لقد تضمنت الرؤية سبع مبادرات لتحقيق التنمية الحضرية تتعلق بتطوير مفهوم "مدن المستقبل" وتعزيز حوكمة التخطيط الحضري وإنشاء مركز أبحاث حضري ومرصد بيانات، وكلها مبادرات جيدة وفي مكانها، ولكن أياً منها لا يتعامل مع لب وجوهر مشكلة الإسكان، فتوفير الملاعب والحدائق والمساحات الخضراء ومدن ذكية غير مزدحمة تعمل بكفاءة وفاعلية هي قضايا أساسية لا غنى عنها، بيد أن توفير مسكن صحي آمن لا تزدحم الأسر والأفراد فيه، هي أولوية لا تقل عن تلك القضايا بل تتقدم عليها في الأهمية والترتيب.
إن تحقيق تنمية إقتصادية شاملة بما يؤدي إلى زيادت حقيقية وملموسة في صافي دخول الأفراد، سيؤدي بالضرورة في نهاية المطاف إلى تسهيل حصول الأسر على المسكن الملائم، وهو هدف طموح ولكن تحقيقه لا يتم بين عشية وضحاها، لذا تغدو الحاجة ملحة لوضع الخطط والبرامج الكفيلة بإزالة المعوقات التي تعترض عمل هذا القطاع بما يؤدي إلى توفير المساكن بمواصفات عالية وأسعار مقبولة، وهو هدف اكتفت الرؤية بذكره والتأكيد عليه، دون التطرق إلى الوسائل والأساليب التي تكفل تحقيقه على أرض الواقع.