أخر الأخبار
وثيقة إصلاحية من بواكير عهد استقلال المملكة
وثيقة إصلاحية من بواكير عهد استقلال المملكة
من بين المئات من وثائقنا الوطنية، تبرز وثيقة مليئة بالمفردات المعبرة، عن قيمنا الأردنية، وقيم الحُكم الهاشمي الراسخ الرشيد، ما يكتنزه من مفاهيم ما تزال حيّة حتى يومنا هذا.
فقد مرّ وطننا، ومنذ تأسيسه بالعديد من التحولات والمراحل الإصلاحية، التي راكمت على مدار أكثر من مئة عامٍ أسلوباً أردنياً، سمته التأسيس لكل مرحلةٍ ورؤيةٍ، بطريقةٍ تعبر عن الإنسان في بلدنا، وآماله السياسية، واحتياجاته في كل مرحلةٍ.
واليوم، ونحن على أبواب مشروعٍ إصلاحيٍ كبيرٍ، يعبر عنه ترجمة رؤى جلالة الملك، ومخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والرؤى الموازية للإصلاح الإداري والاقتصادي، نجد أنّ رحاب وطننا واسعة، ومليئة بالمقدرة والثقة للتغلب على التحديات، وعلى التحولات أيضا.
ودوماً ما نجد في وثائقنا الوطني، وتاريخ وطننا الرحب، صدىً للكثير من هذه المراحل، ولربما من بينها، مرحلة التأسيس للمملكة وعهد الاستقلال، في أيار عام 1946م.
ذلك أنه في الرابع من شباط عام 1947م، صدر مرسوم عن الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، كلف حكومة جديدة برئاسة سمير الرفاعي، وجاء في مرسوم التكليف الملكي آنذاك أنه "نظراً لاستقالة الوزارة الإبراهيمية الثانية، بعد مساعيها المشكورة وخطواتها المبرورة، نحو استقلال البلاد والسعي لتوفير حقوقها، وما رؤي من خدماتها الجليلة في تنفيذ الرغبة العامة بجعل البلاد الأردنية ملكية هاشمية، ووضعها قانوناً أساسياً جديداً يجعل للبلاد مجلساً نيابياً بحقوقه المنوطة به، والمذكورة في متن القانون الأساسي الجديد، ولنأمل الحكومة المشار إليها في أنها يجب عليها أنّ توسع المجال لحكومة أخرى تتولى الانتخابات الجديدة، وتقابل المجلس النيابي بمنهاجٍ عامٍ يضمن تجميع ما فيه من سلامة البلاد، وسعادتها وازدهارها".
لقد عُهد إلى هذه الحكومة، بأنّ تقوم "بمسؤولية العهد الجديد" وأطلق الملك المؤسس على هذا العهد، عدة أوصاف، بينها أنه "عهد حريةٍ واستقلالٍ، وعهد إنشاءٍ وإجمال" وطلب إلى الحكومة بأنّ تؤسس لهذا العهد بـ "التعاون بين الأمة ومجلسها النيابي والحكومة، بتعاون حقيقي لا يرمي فيه إلّا إلى الوصول إلى الهدف المقصود المعين".
ومما جاء في كتاب التكليف أيضا، والذي يشرح جانباً من الفكر السياسي الأردني، وفي وقتٍ باكرٍ من أزمان التأسيس والاستقلال الأولى، قول الملك المؤسس "ولا شك في أنّ الناس ولدوا أحراراً وليس لأحدٍ أن ينتقص من حريتهم أو يتجاوز على حقوقهم، فإنّ الله قد جعل لكل على كل حق، وكذلك فإنه لا ينبغي سوء تفسير الحرية والتورط فيما تورطت فيه غيرنا من الأمم، بأنّ يركب كل إمرئ رأسه ويقول عهد الحرية، ويتجاوز على غيره في حقوقه أو عرضه، فإن الحرية تصون الناس من الناس حيث لا إفك ولا بهتان ولا اعتداء، بل أخوة وتساوٍ ورفقٍ. بهذا تكون الأمم الحرة مضيفة إلى حريتها شرف مبادئها وكمال أخوتها، ساعية إلى مسعىً يرمي إلى صيانة حقها بالقانون".
ومما جاء أيضا، في كتاب التكليف الملكي، وهو من أوائل الوثائق في عهد استقلال المملكة: "فالحر حر ما دام احترم حرية غيره، ومعتدٍ متجاوزٍ أن هو تطاول على غيره، والقانون المودع في أيدي الأكفاء من الرجال، هو ميزان حق يجب أن لا يميل هنا وهناك".
أنّ أهمية هذه الوثيقة، في أنها تشرح فلفسة الحُكم الهاشمي، وما تأسست عليه من حكمةٍ ما زالت سماتها باقية حتى يومنها هذا، فمن مليكنا المؤسس، وحتى عهد مليكنا المعزز عبدالله الثاني، ما زال هذا الوطن كريم، بحضوره، ودوره، وأسلوب حكمه الهاشمي الرشيد، الموصول العهد، قيم حُكمٍ راسخة وموصولة، دام الأردن، عزيزاً.