أخر الأخبار
الإعدام قهراً
الإعدام قهراً
لقد توقفتْ الكثيرُ من الدولِ عن تنفيذِ حكمِ الإعدامِ إستجابةً للضغوطِ الدوليةِ التي تدعو الى إحترامِ النفسِ البشريةِ وحقها في الحياة، ولا مانع لديها في إحتجازِ الشخصِ داخل زنزانةٍ ضيقةٍ مدى حياته، ولكنها ترفض الإقدامَ على إعدامهِ شنقاً كما في الكثيرِ من الدولِ، أو رمياً بالرصاصِ كنوع من أنواع التقديرِ العسكريّ، أو حتى موتاً رحيماً بالعقاقيرِ الطبية، أو من خلالِ الكرسيّ الكهربائيّ، وغيرها من طرق الإعدامِ المختلفة.
في ذاتْ الوقتِ الذي يتسابقونَ فيه للدفاعِ عن الحقِ في الحياة، ويتشدَّقون بحقوقِ الإنسانِ في الحياةِ والصحةِ والتعليمْ؛ يُقدِمونَ على أشدِّ أنواع الإعدامِ إيلاماً، نوعٌ من أنواعِ الإعداماتِ تشاركُ فيه الدولُ الكبرى والصغرى، الحكوماتُ والشعوب، الأفرادُ والجماعات، القرباءُ والغرباء، ألا وهو "الإعدامُ قهراً".
ألا يموتُ قهراً ذلك العاملُ الذي يتحمّل الإهاناتِ من مديره يومياً في سبيلِ لقمةِ العيش؟ وألا يموتُ قهراً عاملُ النظافةِ وأنت ترمي اليه بكيسِ النفاياتِ مصحوباً بنظرةِ إستهزاء، وربما بتعليقٍ جارحٍ؟ يقضونَ يومهم بين الإستهزاءِ والسخريةِ والإهاناتِ والعقوباتِ والضربِ أحياناً.
ألا يموتُ قهراً ذلكَ الأبُ الذي يقفُ أمام الجزّار ويعجز ُعن إبتياعِ بعضِ اللحمِ لأولاده بسببِ ارتفاع سعره؟ وألا يموتُ قهراً وهو يشاهدُ أولاده يذهبونَ الى المدارس بملابسَ وأحذيةٍ بالية، ويضعونَ كُتبهم في أكياسٍ بلاستيكيةٍ لعدم قدرتهِ على شراءِ الملابسِ والحقائبِ المدرسية؟ ألا يموتُ كمداً حين يُطردُ أبناءه من المدرسةِ لتخلُّفهم عن دفعِ الرسومِ المدرسية، أو لعدمِ قدرتهم على إحضارِ الملابسِ الرياضيةِ أو دفاترِ الرسم والألوانْ؟
إلا يموتُ قهراً ذلك الأبُ وهو يرى مستقبلَ إبنه يضيعُ أمام عينيهِ لعجزه عن تأمينِ الرسومِ الجامعيةِ الباهظةِ؟ والله إنه لحرفياً "الإعدام قهراً" أن تجدَ طالباً متفوقاً في دراستهِ وعاجزٌ عن إستكمالها بسببِ تكاليفِ الدراسة، وإنه للظلمُ بعينه أن يتخلَّف متفوقٌ عن مقاعدِ الدراسةِ بسببِ مبلغٍ ماليّ يعجزُ عن تدبيرهِ، ولا يجدُ من يُقرضه له.
لقد شاهدتُ وسمعتُ عن أسرٍ تبيعُ من أثاثِ بيتها لتدريس أبناءها، وأسرٌ تعمل فيها الأمُ خياطة أو طبّاخة أو حتى خادمة لتأمينِ مصاريفِ المدارسِ والجامعاتِ، وأسرٌ تبحثُ عن بقايا الطعامِ في حاوياتِ القُمامةِ لتوفير الإحتياجات المدرسية والجامعية.
إلا يموتُ قهراً ذلكَ الزوجُ الذي إبتلاهُ الله بالعُقم، ولا يجدُ السبيلَ الى العلاجِ، وتتبخرُ أحلامهُ في الذرّية، يبقى محروماً من طفلٍ يدعوه "بابا"؟
إلا يموتُ قهراً ذلك المريضُ الذي يُكابدُ الألمَ ولا يجدُ سريراً للعلاجِ إلا في المستشفياتِ الخاصةِ، والتي تحتاجُ الى مبالغَ فلكيةٍ لعلاجه؟ والقهرُ يكون أكبرُ وأشدُّ؛ حينَ تسمعُ أنينَ من تعولْ، وأنت عاجرٌ عن مُساعدتهِ بسببِ فقركَ وقلةِ حيلتك.
في خضمِّ هذا السوادِ الحالكِ؛ تنبعثُ تلك الأيادي البيضاء التي تمتدُ لتفكَّ حِبالَ القهرُ عن رقابِ المقهورين، وتمسحُ دموعَ الباكين، وتجبرُ قلوبِ المنكسرين. أناسٌ تخلقوا بأخلاقِ الملائكةِ في مساعدةِ المحتاجينَ، وتفقُّد المساكين، والبحث عن الفقراءِ الذين تحسبُهم أغنياءَ من التعففِ، ولا يسألون الناس إلحافاً.
بإمكانكَ أن تكونَ من هؤلاءِ بكلِ بساطةٍ؛ فالمبلغُ الذي تُنقفه في عيدِ ميلادِ إبنك قدْ يكفي لتسجيلِ طالبٍ فقير ٍبالجامعة، ومصروفُ قطكِ المدللِ قد يكفُ أسرةً عما في أيديْ الناسِ، وتكاليفُ رحلةِ إستجمامٍ صيفيةٍ لعدةِ أيامٍ؛ قد تساعدُ صاحبَ إعاقةٍ في التخلصِ من إعاقتهِ، أو تُهدي طفلاً الى زوجينِ عجزا عن الإنجابِ لفترةٍ طويلة.
إذا عجزتَ أن تكونَ من هؤلاءِ الملائكةِ البشريةِ، فلا تكنْ ممن يضعُ حبالَ القهرِ على رقاب المقهورين، ويساعدُ في إعدامِ الناسِ قهراً، وإذا عجزتْ جيبُك؛ فلا يعجزُ قلبكَ ولسانكَ، فالنصيحةُ صدقةٌ، والكلمةُ الطيبةُ صدقة، والسلامُ على الغرباءِ صدقة، وتبسمكُ في وجه أخيك صدقة.