أخر الأخبار
الأردن على عهد عروبته
الأردن على عهد عروبته
جاءت السنوات الأخيرة، وهي محملة بالكثير من الهم العربي، وواجهنا كشعوبٍ عربيةٍ، وخاصة في مشرقنا العربي، أحداثاً وتحولاتٍ غير مسبوقة، أصابت ليس السياسة وحسب، بل طالت مناحي العمران البشري والمادي.
ولربما، سيتذكر المؤرخون هذه الحقبة الصعبة، ويوثقون لما جرى في سوريا، والعراق، وتصاعد هجمات الاحتلال في فلسطين، وغيرها، على أنها سنوات عربية ليست عجافاً وحسب، بل إنّ هذه الهموم، حاولت انتزاع أسباب البقاء، في كثير من الأحيان.
وأمام هذا المشهد المليء بالتفاصيل، والذي كثيراً ما يجبرك على التأمل، فيما يجري، تدرك بأنّ دولتنا الأردنية، تحملت ما لا يتحمله أحد من شقيقاتها، فالأردن بقي مستمسكاً بناصية خطابه العروبي الديني، تجاه فلسطين، وبذل لأجلها وتحمل، بعزيمة ملوكه، وما يزال يقدم الكثير.
وهذه المواقف العميقة، والتي تمثل قيماً ومبدأً لدولتنا، بمفهوم الدولة الواسع قيادةً وشعباً، وأرضاً، هي على صلة بإرثٍ عميق، أرساه ملوك بني هاشم، على مر أكثر من مئة عام.
وهذا الإرث، يحمل الكثير من الصور، والتعابير، فالأردنيون الذي كيفما استعرضت تاريخهم واشتباكاته مع القضايا القومية العربية تجدهم في مقدمة المناصرين لكل قضية، وهم أيضاً، الذين كيفما استعرضت تاريخهم وجدتهم الأكثر تعباً في سبيل عروبتهم.
الأردنيون، منذ لحظة أعربت هذه الدولة عن ذاتها، في عشرينات القرن الماضي، أتهموا بأنهم يدعمون الثورة السورية ضد الفرنسيين (1925 – 1927)، وهذه التهمة مثلت محل اعتزاز أردني، شاهد عليه مذكرات أحد رموزها سلطان الأطرش.
والأردن، هو ذاته الذي قدم جنده التضحيات عام 1948، ثم ضم الضفة الغربية، صوناً لعروبتها، وبإرادة أهلها، فدفع أيضاً ثمن ذلك سنيناً من الحصار من الشقيق والقريب، وكانت التهمة حينها، حميته العربية.
والمستطلع لوثائق وعناوين صحف بعض الدول في عقد الخمسينات، يدرك لماذا تأسس نوع من حقد الأشقاء واتهام هذا الوطن بما ليس فيه، إذ أشهر بعض الأشقاء سلاحه تجاه الأردن، لأنه اتخذ قرار الضم، وخيم هذا القرار على كل مطلبٍ أردني من بعضهم، فهم لا يريدون للأردن أن يمارس دوراً، ولا يريدون أن يروه سوى في جيوبهم.
فنخوة الأردن ورؤوس أهله الحامية تجاه فلسطين، واستعدادهم للبذل بالغالي والنفيس، والوثبة الأردنية العربية المدفوعة بشرعية ملوك بني هاشم وعزيمتهم، صنعت من هذا الوطن صرحاً عروبياً خالصاً، يعز نظيره.. ويستكثرها من يودون أن يلغوا دور الأردن ليستطيعوا شرعنة سرقة فلسطين والخنوع لكل قادم وتعديل بوصلة المشرق العربي وشعوبه العربية.
واليوم، ترى الأردنيين وفي محياهم التعب، من عيش وضيق حالٍ، وترى مع ذلك شقيقاً صامتاً، وصديقاً غائباً، وحليفاً مضى، ولكنك تدرك أن الأردنيين ما تعبوا من عروبتهم ومواقفهم.
كما أننا بتنا ندفع ثمن مواقف تصدينا لها منذ عقود مضت بالدم واليوم نتصدى لها بالتضييق، فالأردن منذ سنوات وحدوده مغلقة شمالاً وشرقاً وغرباً.
وندرك ونعلم ونحن نتأمل هذا الحال أن الأردنيين تعبوا، وأرهقتهم السنون، وأتعبتهم عروبتهم، التي حملوها عقداً بعد عقد.. كما الأمانة في أعناقهم، حتى وصلنا اليوم إلى أن بات «الماسك على عروبته كما الماسك على جمر».
ثمن العروبة والخطاب الصادق، وثمن التأسيس على الصدق، فالأوائل أرادوا لهذا الوطن أن يكتنز مفردة العروبة، وإن أضاعها كثر، وأن يصون الخطاب لزمانٍ قادمٍ سينهض فيه جيل يستبسل في سبيل البناء، فيصون الأردن هذا الخطاب..
إنّ هذا الوطن كريم بمليكه، وفيه من الخير الكثير، على كل علل هذا الزمن العربي، وهمومه، فقدرنا في هذا الوطن الهاشمي، أنّ نبقى على عهد الأوائل منّا، وسنبقى بعزيمة كل الأردنيين، على عهد عروبتنا..
حمى الله وطننا الهاشمي، وأدام عز مليكه...