أخر الأخبار
تطرف يلد آخر
تطرف يلد آخر
تثير حادثة حرق القرآن الكريم، من قبل أحد المتطرفين في السويد، مشاعر المسلمين، لأنها تمسهم في صميم عقائدهم، ذلك أنّ أيّ حريةٍ إنسانيةٍ يجب ألّا تمس مشاعر الناس، وتستفزهم وتولد الكراهية في صدورهم، فهذا العمل فيه إساءة كبيرة تتجاوز أيّ مبررٍ للحرية.
فلماذا يخرج علينا هؤلاء المتطرفون، ويحاولون مسّ قيمنا، ومعتقداتنا، وإثارة كوامن الكراهية، والعبث بالمقدسات، ولماذا هؤلاء المتطرفون بازديادٍ في عالم اليوم، حتى تكاد ترى في التطرف وكأنه صيغة واحدة، بغض النظر عن طبيعة الفكر، ولونه، وما يدعو إليه.
ولماذا أحياناً يلجأ هؤلاء المتطرفون بالعبث بعقائد الناس، وبخاصة الدين الإسلامي، الذي هو دين وسطيةٍ وتسامحٍ، ومعظم المؤمنين به، وعلى مدار تاريخه، كانوا يستمسكون بقيم الحضارة، ويحاولون إرساء التواصل، إيماناً من الأغلبية بأنّ الإسلام دين عالمي، يتجاوز مفاهيم الاختلاف، وهو حتى في إرسائه لمفهوم الأمة، يرى فيها أمة يجمعها رابطة الدين التي تسمو على كل قوميةٍ وعرقيةٍ.
وحيال هذا الخطاب الإسلامي المعتدل، فإنّ محاولات بعض متطرفين "إذكاء" نار التطرف والكراهية، وإعادة إنتاج ثقافة لربما لم تعان منها منطقة، بقدر منطقتنا العربية، بما عانته من أشكال التطرف، الذي لفظته معظم شعوبها، وتحملت وعانت منه.
وما تحملته شعوبنا العربية، والإسلامية، من تطرفٍ بمختلف ألوانه، وأشكاله، لربما لم تتحمله منطقة في العالم، لذا فليس بالغريب، أنّ تكون معظم التحذيرات من هذه السلوكيات، مصدرها منطقتنا.
واليوم، تجيء هذه الحادثة من السويد، لتستفز مشاعر الملايين من المسلمين من جديد، وتقدم شكلاً من أشكال الإساءة للأديان، وهو تصرف غير مقبول في مجتمعاتنا نحن في المشرق، وإذا ما كانت البعض في الغرب يعتبره حريةً، فإنه حرية غير مقبولة، وحرية منفلتة من عقلها، ودون ضوابط، وتعتدي على قيم حقوق الإنسان، والتعايش، بين أتباع الديانات كافة.
فالمساس بالرموز يجب أنّ يكون مجرماً، حفاظاً على المجتمعات الإنسانية، وتنزيهاً للدين والمعتقد عن أيّ خلافٍ، فما يعيشه عالم اليوم من منسوبٍ للكراهية يكاد يتجاوز المعقول، وكأنما الكراهية تلد أخرى، والتطرف يلد تطرفاً آخر.
ولربما جاءت هذه الحادثة، لتعيد تذكير العالم بالحاجة اليوم، إلى تأسيس مفهوم جديدٍ للمقدس، يبقيه في دائرة بعيدة عن أيّ جدلٍ سواء أكان مصدره سياسيا، ويبقيه بعيداً عن مكامن اختلافنا، فهذا أمر لا يمكن أنّ يكون مصدراً لتعزيز خلافاتنا، سواء أكنا في الشرق أم في الغرب.
فاحترام ما يعتقد به الناس، واحترام أديانهم، هو حاجة اليوم، في ظل عالمٍ تتصاعد فيه نبرة التطرف، حتى تكاد تراها تخرج بألوانٍ وأشكالٍ مختلفةٍ.
فحادثة حرق القرآن الكريم، لا تنم إلّا عن جهلٍ وحقدٍ وكراهيةٍ، تعبر عن مدى سقوط كثيرٍ من التيارات، التي ترى في الحرية ستاراً، وهي في الحقيقة لا تقدم إلّا نموذجاً، يثير غضب نحو ملياري مسلمٍ، وهو أمر غير معقول ويتناقض مع المنطق الإنساني السليم، القائم على احترام الناس.
إنّ هذه الحادثة، يجب أنّ تكون بدايةً لتأسيس مفاهيم جديدة تبقي معتقدات الناس وأديانهم منزهةً عن كل شيء، وعلى العقلاء في هذا العالم، شرقاً وغرباً، استدراك الخطر المتأتي من هذه النزعات المتطرفة، بما يحمله من تهديدٍ للسلم والأمن، ولقيم التعايش، ولتناقضه مع أبسط مفاهيم العيش الإنساني، ومفاهيم المجتمعات الإنسانية.