أخر الأخبار
عام على الحرب .. عالم متوتر
عام على الحرب .. عالم متوتر
مر نحو عام على الحرب الروسية الأوكرانية، وخلال هذا العام، تغيرت كثير من العلاقات بين دول العالم، ومعها غيرت وجه العالم.
في هذه الحرب، لكل طرفٍ روايته، فالولايات المتحدة الأمريكية، مصرّة على دعم حليفتها كييف، والذهاب بهذا الدعم إلى آخره، وتسوّق هذا الدعم على أنه في سبيل حماية الديمقراطية والعالم الغربي، وحماية أمن أوروبا، وهو أيضاً، حماية للحلفاء من دول الناتو.
على الجانب الآخر، تغير الخطاب الروسي أيضا، فما كانت حرباً روسيةً أوكرانية، تحولت في الأدبيات الروسية إلى حربٍ كونية، ويرى الرئيس بوتين اليوم في هذه الحرب، على أنها محاولة منه للتصدي للهيمنة الغربية.
قبل عامٍ من اليوم، كان صوت السلاح أعلى، وكانت نبرة الساسة أهدأ، اليوم.. وبعد الخطابات الأخيرة، أصبح التوتر هو السمة، وباتت النبرة أكثر تحدياً، بين رؤوس الحرب.. بوتين، وبايدن، وزيلنسكي، بل وحتى زعماء كبريات الدول الأوروبية.
ومن تابع الخطابين الأخيرين، لكلٍ من بوتين وبايدن، يلمس تغيراً في النظرة لهذه الحرب، فحديثها لم يعد يقتصر على ساحة المعارك الأوكرانية، فبوتين يرى أنّ هذه الحرب هي حماية لقيم بلاده الاجتماعية والأسرية والدينية حتى، من قيم مضادةٍ أخرى، ويقصد بها القيم الغربية.
أما بايدن، فيرى بكل ما يقوله بوتين بأنه «أوهام» لن تتحقق، فهو القادم تواً من كييف، وهو المنتشي بأخذ صورٍ هناك مع حليفه زيلنسكي، لربما هو أكثر ما يحتاجه اليوم، ليس ليصدر الصورة للخارج وحسب، بل وللداخل الأمريكي، حيث ما يزال المشهد بالداخل أكثر توتراً، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.
وهذا مشهد يبدو بأنه يزيد مفاعيل التوتر، لدى أطراف الحرب، فما أعلن عنه بوتين من تعليق آخر معاهدةٍ نووية مع الولايات المتحدة الأمريكية، هو خطوة ليست رمزيةً وحسب، بل هي خطوة تعبر عن مدى الضيق الذي بات يشعر به الروس، أو يمكن القول، إنّ حالةً من الملل أصابتهم جراء قواعد اللعب، المبنية على تزويد أوكرانيا بسلاحٍ لا يهدد العمق الروسي، وإبقاء الدعم لأوكرانيا ضمن خطوط متفق عليها مسبقاً بين الجانبين.
فكما هناك داخل أمريكي، ورأي عام، لا يمكن إغفاله بالنسبة لبايدن، أيضا، هناك داخل روسي لا يمكن إغفاله بالنسبة لبوتين، الذي ما يزال يصف هذه الحرب، بأنها عملية عسكرية خاصة، وأنها لم تتحول إلى حربٍ بعد.
ولكن، الخطورة في هذه العناوين، أو هذا التوتر البادي على ملامح وكلمات كلٍ من الزعيمين، الخشية أنّ يقود العالم إلى مرحلةٍ جديدة، لم توضع حساباتها على الطاولة، فهناك حدود لروسيا جنوباً مع الصين، وهي الحليف الذي يظهر ويتوارى بين فينة وأخرى، وما يزال موقفه مبني على حسابات معادلته الخاصة، وهي تايوان.
والقضية في تايوان، تنتظر مصير الحرب في أوكرانيا، ذلك أنّ جميع اللاعبين هناك يدركون، أنّ السلام والإقرار بسيادة روسيا على الأراضي التي ضمتها، معناه الإقرار لاحقاً بحقوق الصين في تايوان، ما يجعل الغرب، أو فلنقل النظام الدولي الحالي، في مأزقٍ كبيرٍ، يكون من خلاله بوتين قد حقق مراده.
في النهاية، هو مشهد سورياليٍ ترسمه الحرب، وهي معادلات لم تتضح بعد، فهناك بالفعل عالم آخر يتشكل، ولكنه ما يزال يعمل ضمن المعادلات القديمة، التي ستتغير حتماً.. فهكذا يعلمنا التاريخ، فبالإمكان أنّ تبدأ بحربٍ، وبالإمكان أنّ تحشد لها، ولكن من المحال أن تستطيع رسم سيناريوهاتٍ لنهاياتها، والأمل أنّ يكون العام الثاني من هذه الحرب هو الأخير.. فالقوى العظمى لا تطيق الاستنزاف، وهنا مكمن الخطر.