بقلم:فؤاد أبو حجلة
من يقرأ محضر الحوار المخجل بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس حركة حماس خالد مشعل في الدوحة، يعرف كم هو مظلوم هذا الشعب الذي يحمي كرامته بدمه، ويوقد بأرواحه شعلة الحرية في فلسطين.
محزن هو حالنا في اواخر العقد الخامس للثورة التي صنعت مجد الأمة كلها.. وأكلت أبناءها، فاستشهد من استشهد وغاب من غاب من الكبار الكبار، وتحولت الساحة إلى ملعب ضيق للصغار الذين يديرون ظهورهم للنضال الوطني وينشغلون في المماحكات والصغائر.
أنتمي إلى جيل يذكر جيدا قادة لم يشطبهم الموت من الوجدان الجمعي للشعب الفلسطيني، ويظل تراثهم النضالي يضيء حاضرنا.. ومستقبلنا، وتظل صورهم محفورة في القلوب حتى لو اختارت فضائيات وصحف السلطة وحماس أن تتجاهل ذكرهم.
لن يحل أحد مكان ياسر عرفات، ولن يستطيع أحد أن يملأ الفراغ الذي تركه صلاح خلف، ولا أظن أحدا يستطيع أن يوائم بين الحجر والرصاصة كما فعل خليل الوزير. دعونا نذكر أيضا بأبي علي إياد وسعد صايل وأبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر وأبو حسن البحيصي ومروان كيالي وحمدي سلطان وعزمي الزغير... وآخرين كثر تحضر أسماؤهم في الخاطر ولا تنمحي من الذاكرة بالتقادم.
رحل القادة وظل اللاعبون الذين يختلفون على تقاسمنا، ويختلفون على حسابنا، ويتنازعون بوصلة المسار الفلسطيني لحرفه باتجاه الرسميات الحاكمة أو باتجاه القوى الظلامية، على حساب الهوية الوطنية التي لم يبق لدينا غيرها بعد أن فقدنا الأرض كلها وحشرنا في حصارات محكمة الاغلاق، وصار دمنا مباحا للعابرين في التاريخ يهودا وعجما.. وعربا منسلخين عن عروبتهم.
ما الذي يعنيه هذا التناطح بالكلام بين عباس ومشعل في مجلس أمير قطر؟ وهل يستحق هذا الشعب أن يعبأ دمه في اسطوانة مدمجة يحملها أبو مازن، أو أن يختصر تاريخه في تعليق سمج يطلقه أبو مرزوق؟
نستحي مما حدث، ونتحسر على ما كان لنا ذات يوم من هيبة تتصدع لها جبال السياسة في المنطقة وفي العالم. ونذكر كيف كانت كلمات أبو عمار تقدمنا للعالم كأصحاب حق لا يقبلون منة ولا منحة من أحد، ولا يريدون شيئا غير حريتهم التي يقاتلون لانتزاعها.
نستحي من فحوى الحوار، ونذكر كيف كان أبو إياد يخاطب الزعماء التاريخيين في اللقاءات الصعبة في شرق الوطن الكبير ومغربه. ومن لم يعرف أبا إياد يستطيع العودة إلى أعداد الصحف العربية القديمة ليعرف كيف كان الرجل يرد برجولة على حكام توهموا قدرتهم على العبث في الشأن الفلسطيني.
كانت قياداتنا كبيرة، فكان شأننا كبيرا في العالم كله، وعندما انكمشت أكتافنا تحت عباءات السلطتين الطارئتين في رام الله وغزة، صغرنا كثيرا وصغر شأننا، وحولتنا القيادات الوظيفية إلى حائط واطيء يتسلقه العابرون في تاريخ المنطقة.
لا أعرف بالضبط صاحب الحكمة القائلة: إذا أقبلت باض الحمام على الوتد.. وإذا أدبرت بال الحمار على الأسد. لكنني أعرف أن هذا الحكيم كان يقرأ إدبارنا بعد اتفاق أوسلو وانتعاش اليمين الديني.
لا يمكن أن يستمر الحال على ما هو عليه، ولا يمكن ألا تلد الفلسطينيات قادة كبار.
سنظل نحزن.. وننتظر.