أخر الأخبار
شهادات اليوم 184: غزة إلى “العصر الحجري”
شهادات اليوم 184: غزة إلى “العصر الحجري”

غزة - الكاشف نيوز: لم تكن تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت التي أطلقها بعد ساعات من الهجوم الذي نفذته «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بإعادة غزة للعصر الحجري، مجرد تهديدات تحت صدمة هجوم «حماس»، حتى تحولت لواقع حقيقي بعد 6 أشهر على حرب مدمرة.

وأطلقت القوات الإسرائيلية، قبل 6 أشهر، عملية واسعة بدأت بقصف مكثف طال منازل وبنايات سكنية ومقرات حكومية وجامعات ومدارس، إلى جانب مقرات لـ«كتائب القسام»، قبل اجتياح مناطق واسعة شمال القطاع ثم الوسط ثم الجنوب، احتلت معها معظم القطاع وحولته إلى ركام.

ضحايا ومفقودون
حصدت الحرب مع دخولها شهرها السابع 33173 ضحية، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وخلفت أكثر من 75750 جريحاً، وعدد لا يحصى من المفقودين، حتى اختبر كل غزي ألم هذه الحرب.

ولا يجد أشرف سالم من سكان بلدة بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، الذي فقد 8 من أشقائه، و27 من زوجاتهم وأبنائهم، ما يعبر فيه عما يجول في خاطره، قائلاً، إنه «كابوس لا يمكن تصديقه».

وقتلت عائلة سالم في الهجوم الإسرائيلي على غزة، بعدما نزحوا إلى هناك من بيت لاهيا، وقضوا جميعاً في قصف طال حي الشيخ رضوان.

وقال سالم: «120 في ضربة واحدة. 120 أخوة وأقارب وأصدقاء وأحباب. 120 حياة وذكريات راحوا في رمشة عين (...) لساتهم تحت الأنقاض. ولا في الأفلام ولا في الاحلام ولا حتى أنا مصدق شو صار وشو بيصير».

وعائلة سالم واحدة من بين 200 عائلة قضوا بشكل جماعي في مجاز إسرائيلية، حسب إحصاءات رسمية، وقد أخرج معظمها من السجل المدني بالكامل.

وركزت إسرائيل في حربها على قتل العائلات، بما في ذلك النساء والأطفال.

وتقول وزارة الصحة إن أكثر من 70 في المائة من الضحايا هم نساء وأطفال، وحسب الإحصاء الفلسطيني، تقتل إسرائيل 4 أطفال كل ساعة.

ولا تزال هذه الأرقام غير نهائية، ليس بسبب استمرار الحرب، وإنما آلاف من الغزيين تحت الأنقاض.

وحسب محمود بصل، المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني بغزة، فإن الجهاز فقد قدراته في إمكانية انتشال أي شهداء أو جرحى مفقودين أسفل الأنقاض، مضيفاً: «بات من المستحيل القدرة على إنقاذ مزيد من الأرواح».

دمار هائل
بعد 184 يوماً، لا يمكن تذكر كيف كانت أحياء كاملة مثل «الكرامة» و«السلاطين» و«الصفطاوي» و«الرمال»، وغيرها، مليئة بالحياة.

ووفقاً لتقارير متطابقة، فإن أكثر من نصف المباني في غزة قد تضررت أو دمرت، بما يصل إلى 100 ألف مبنى، 36 ألفاً منها دمرت بالكامل، غالبيتها في غزة وخان يونس.

وقال الناشط علي اصليح: «هذه حرب مختلفة. حرب تدميرية». وأضاف: «كانت هنا غزة. اليوم يوجد ركام فقط. شيء لا يمكن وصفه».

ويعتقد اصليح أن الغزيين إذا ما انتهت الحرب بحاجة لسنوات طويلة كي يستعيدوا حياتهم، «لا ناس ولا مكان يصلح للعيش»، قال اصليح.

ويتضح من الطريقة التي تدير بها إسرائيل الحرب إنها تسعى إلى كل هذا الدمار. وأكد إسماعيل الثوابتة مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن التدمير فوق الأرض رافقه تدمير البنى التحتية في عملية ممنهجة.

وأضاف الثوابتة، أن «الاحتلال كان يقصف أو يفجر عبر العبوات الناسفة عشرات المنازل في ضربة واحدة. كانوا يستمتعون كما يبدو في رؤية أحياء كاملة وهي تختفي».

وحسب تقرير للبنك الدولي، فإن تكلفة الأضرار بلغت نحو 18.5 مليار دولار في الفترة ما بين أكتوبر (تشرين الأول) ويناير (كانون الثاني) الماضيين، مشيراً إلى أن أكثر من 70 في المائة من التكاليف المقدرة ناجمة عن دمار المنازل.

وخلص التقرير إلى أن حصة تكلفة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للخدمات العامة تقدر بـ19 في المائة، وحصة المباني التجارية والصناعية 9 في المائة.

وعلق الثوابتة على ذلك: «الاحتلال طال أيضاً المحال التجارية والأسواق العامة وكل مقومات الاقتصاد وحتى المراكز الطبية والخدماتية».

وحتى كتابة التقرير كانت 30 مستشفى من أصل 35 في قطاع غزة خرجت عن الخدمة.

وقال أشرف القدرة، الناطق باسم وزارة الصحة بغزة، إن «قوات الاحتلال في الكثير من الغارات التي شنتها داخل القطاع، كانت تستهدف مراكز صحية بشكل مباشر وغير مباشر، وتعمدت تدمير المستشفيات كما فعلت في مجمعي الشفاء وناصر، ومستشفى الأمل، كما كانت تتعمد استهداف الطواقم الطبية».

حياة بدائية
ومع تدمير القطاع وتحويل سكانه إلى نازحين في خيم كبيرة ومتنقلة، يمكن القول إن اسرائيل أعادت فعلاً غزة إلى الحياة البدائية، بدون كهرباء ومياه واتصالات.

ويضطر الشاب باسل أبو ندى من سكان حي الصفطاوي، شمال مدينة غزة، أن يقطع يومياً مسافة 3 كيلو مترات، في بعض الأحيان مشياً على الأقدام، لتعبئة 4 غالونات (قارورة صغيرة) من المياه نحو (15 لتراً)، تكفيه وأسرته المكونة من 13 فرداً، ليوم أو يومين في أفضل الحالات.

وقال أبو ندى، إن «هذه المياه غير صالحة للشرب، لكن يجب أن أقف في الطابور كل صباح».

سكت قليلاً ثم قال: «كان عنا شوية حياة اليوم هذا الوضع بشبه كل اشي الا الحياة».

ولا يقتصر الأمر على المياه، ويمكن مشاهدة الغزيين في كل أنحاء قطاع غزة يقفون في طوابير أمام ما تبقى من منازل ومحال يمكن أن توفر الكهرباء عبر الطاقة الشمسية.

وقال سمير العراوي من سكان جباليا، شمال قطاع غزة، إنه فتح المجال أمام جيرانه لمساعدتهم في شحن هواتفهم وأجهزتهم الكهربائية الخفيفة التي تساعدهم في ساعات الليل على إنارة الأماكن التي يوجدون فيها، لكنه علق في أزمة لا تنتهي.

وأضاف العراوي: «بعد 184 يوماً، أصبحت حياة كل واحد فينا ضمن جدول محدد، يبدأ في النهار بالبحث عن مظلات الطائرات للحصول على ما يسد رمق عائلته، ثم في طابور المياه ثم طابور الغاز ثم طابور الكهرباء ثم إلى النوم أو الموت».