القاهرة - الكاشف نيوز
طفلة بريئة لا تعرف عن الدنيا إلا خيرها، فجأة وجدت نفسها أمام قوى شريرة حاولت أن تسلبها شرفها. ومع أنها لا تدرك معنى الكلمة، دافعت عن هذا الشرف باستماتة، الأمر الذي جاء على عكس إرادة الشيطان الذي يقف أمامها، فاستلّ سكينه واتجه بلا رحمة يمسك برأسها لنحرها، وقاومت المسكينة قبل أن ترقد جثة هامدة سابحة في بركة من الدماء...
«عبير» كان اسمها ووصفها في الوقت ذاته. طفلة جميلة مليئة بالحيوية تنير حياة أسرتها. وكانت ابنة الحادية عشرة تدرك حجم المسؤولية تجاه والديها، لذا لم تتردد في البقاء في المنزل وعدم الذهاب إلى مدرستها، عندما شعرت بحالة الإعياء التي ألمت بوالدتها، وهي لا تعلم النهاية المأسوية التي كانت بانتظارها. في منطقة عرب المعادي جنوب القاهرة، حيث يقيم مجموعة كبيرة من الأعراب لذا اشتهرت بهذا الاسم، كانت تسكن عبير مع أسرتها المكونة من أب يمتلك محلاً لبيع الأطعمة، وأم ربة منزل أعياها المرض بعد إصابتها بداء السكري، وثلاثة أبناء هي أكبرهم إلى جانب كونها الفتاة الوحيدة وسطهم.
المنطقة ذات طابع شعبي، والجميع يعرف بعضهم بعضاً ويتبادلون الثقة بحكم علاقات الجيرة التي تربطهم من ناحية وأعراف العرب التي تسيطر عليهم من ناحية أخرى، لذا لم يكن هناك أي مصدر للخوف من أن تذهب الصغيرة بمفردها لقضاء احتياجات المنزل وتعود سالمة بما عهدت إليها أمها جلبه.
حالة إعياء
كان الصباح حزيناً، فقد استيقظت عبير على صوت ارتطام في صالة مسكنها، فأسرعت لتجد أمها على الأرض في حالة إعياء شديدة بعد إصابتها بغيبوبة سكّري. ولأنها اعتادت على هذه الواقعة نجحت في إفاقتها دون أن تتسبب بإزعاج من في المنزل، خاصة والدها العائد من عمله في الثالثة فجراً.
قرار حاسم اتخذته عبير بعدم الذهاب إلى مدرستها في ذلك اليوم، لتظل بجوار والدتها المريضة، فتولّت إعداد طعام الفطور لشقيقيها وأوصلتهما إلى المدرسة، لتعود وتلازم والدتها التي كانت ما زالت تشعر بحالة من الإعياء، فطلبت من صغيرتها أن تذهب إلى الصيدلية لشراء الدواء الخاص بها بعد أن اكتشفت نفاده، دون أن تدري المجهول الذي ينتظر طفلتها. في المنزل المقابل لمسكن عبير تقع الصيدلية التي ذهبت إليها لشراء دواء أمها، إذ يفتح أبوابها أحد العاملين فيها في الثامنة صباحاً، ومرّ الوقت حتى جاوزت الساعة العاشرة دون أن تعود الصغيرة.
الغياب يطول
حالة من الغضب تملكت الأم التي أخذت تصب اللعنات على صغيرتها، بعد أن ذهبت بها الظنون أنها تلهو في الشارع مع أقرانها وتركتها مريضة بمفردها في المنزل دون أن تعود بالدواء، فتحاملت على نفسها وفتحت الشباك للبحث عنها دون أن تجد لها أثراً على الإطلاق. لم تجد الأم أمامها حلاً إلا التوجه إلى زوجها لإيقاظه حتي يتوجه للبحث عن ابنتهما، بعد أن ساورتها الشكوك من تعرّضها لمكروه، فهي لم تعتد الغياب كل هذا الوقت على الإطلاق، خاصةً أنها تعلم بحالة التعب التي أصابت والدتها.
غسل الأب وجهه بقليل من الماء حتى يفيق، وارتدى ملابسه وتوجه مسرعاً للبحث عن صغيرتهما، فذهب إلى الصيدلية للسؤال عنها، إلا أن إجابة عبد الحافظ عامل الصيدلية جاءت صادمة، عندما أبلغه أن ابنته لم تأت على الإطلاق.
أسرة مكافحة
عبد الحافظ عامل الصيدلية، طالب في كلية التجارة، يعمل لمساعدة والده مدرس الجيولوجيا المكافح، الذي تحمل الكثير من الصعاب من أجل تعليمه هو وشقيقته التي تدرس في عامها الأخير بكلية الصيدلة وتعمل في الصيدلية في فترة الإجازة الدراسية لمساعدة الأب الذي يفتخر به كل أبناء الحي، فرغم ظروفه الصعبة يرفض تقاضي أي أموال من الطلبة الذين يأتون إلى مسكنه طالبين من علمه، ويعلل ذلك دائماً بأنه لا يطلب إلا أن يبارك له الله في أبنائه.
أمام هذه السيرة الحسنة للعامل وأسرته لم يكن أمام والد عبير إلا أن يصدقه، فما السبب الذي يجعله ينكر رؤية عبير؟
حالة من العجز سيطرت على الرجل، لا يعرف ماذا يفعل من أجل إيجاد صغيرته، بعد أن بدأ الخوف يسيطر عليه من أن مكروهاً قد أصابها، فأخذ يسأل عنها في الصيدليات المجاورة علها تكون ذهبت إليها، ليعود إلى زوجته يجر أذيال الخيبة.
السر ينكشف
هرع سكان المنطقة على صرخات السيدة وبدأوا مشاركة جارهم البحث عن ابنته لمدة ثلاث ساعات بلا جدوى، حتى جاءت إحدى السيدات من السوق، وما إن رأت الجمع وعلمت بأمرهم حتى أخبرتهم مشاهدتها لعبير في الصباح وهي تدخل الصيدلية.
لم يفهم الأب سبب إنكار عامل الصيدلية عندما سأله في الصباح عنها، وعندما توجه إلى الصيدلية مرة أخرى كان العامل قد فرّ منها. بدأ الجميع يبحث عن الصغيرة في الصيدلية بلا جدوى، حتى فتح أحدهم باب المخزن الملحق بها، ولأن الظلام كان سيد الموقف فقد داس على شيء جعله يصاب بالهلع، خاصة عندما أضاء الأنوار ووجد نفسه يقف على مجموعة من الكراتين الفارغة تسبح على بركة من الدماء، فرفعها قبل أن يطلق صرخات تهز أرجاء المنطقة معلنة عن كارثة. وجد الأهالي الفتاة الصغيرة جثة هامدة تسبح في بركة من الدماء، وبجوارها طفاية حريق ملطخة بالدماء، وعلى أحد الأرفف سكين ملطخ بدمائها وبجوارها حقنة فارغة. خرج الجميع مهرولين لطلب الشرطة، وهم يرددون عبد الحافظ قتل عبير، لتسقط الأم على الأرض مغشياً عليها من هول الصدمة. حضرت الشرطة لمعاينة الجثة، ووجدتها تعاني من جرح ذبحي بالرقبة وآخر غائر أسفل البطن وكدمات متفرقة بالرأس إثر الاصطدام بجسم صلب، رجح أن يكون طفاية الحريق التي وجدت بجوار الجثة. أمام حالة الثورة التي أصابت أهالي المنطقة من هول هذه الجريمة البشعة، لم يكن أمام والد المتهم إلا مشاركتهم البحث عنه وتسليمه للشرطة، ورغم محاولاته المستميتة للإنكار ومحاولة إلصاق التهمة بعامل آخر، إلا أنه لم يجد مفراً من الاعتراف بعد ورود تقرير الفحص الفني يثبت وجود بصماته في مسرح الجريمة.
الاعتراف
عبدالحافظ عادل محمد عبد الله (19 سنة) طالب في كلية التجارة بجامعة القاهرة ويعمل في الصيدلية التي شهدت مسرح الجريمة، متهم بقتل عبير وائل عبد الحفيظ بناءً على بلاغ والدها وما أثبتته تحريات رجال المباحث والفحص الفني لمسرح الحادث. بهذه الكلمات افتتح وكيل النائب العام المصري محضره، لتأتي اعترافات المتهم صادمة لوالده قبل أن تكون صادمة لوالد الضحية وأسرتها.
قرر المتهم أن يتناول أحد الأقراص المخدرة في الصباح، والتي تتوافر له بحكم عمله في الصيدلية، وعقب ذلك شاهد الضحية تدخل عليه طالبة شراء دواء السكر لوالدتها، فلعب الشيطان في عقله بعد أن شاهدها أنثى كاملة المعالم، ودفعها بقوة إلى داخل المخزن محاولاً الاعتداء عليها، بعد أن ظن أنها لن تخبر أحداً بفعلته خوفاً من الفضيحة، خاصةً أنها تنتمي إلى أسرة بسيطة.
أضاف أنه كان يمسك بسكين لتهديدها حتى تمتثل له، لكنها ظلت تصرخ، فطعنها أسفل بطنها حتى يتمكن منها، لكنها ظلت متشبثة بالدفاع عن نفسها وشرفها، ليدرك بعد ذلك أنه أمام كارثة، فاستمر في جريمته وقام بذبحها لتصمت عن صراخها، لكنها كانت لا تزال على قيد الحياة فأحضر إبرة وحقنها بالهواء، لكنه شعر بأنها ما زالت تنبض، فهشم رأسها بطفاية الحريق حتى تأكد من وفاتها.
وأضاف في اعترافاته: «حاولت التخلص من الجثة بحملها وإلقائها في صندوق القمامة، لكن الشارع بدأ يعج بالمارة، فعدلت عن الفكرة وقررت تغطيتها داخل المخزن وتركها حتى أنتهي من عملي لتلصق التهمة بالعامل الذي سيأتي من بعدي».
أوضح أنه في سبيل مخططه جلس يلعب على الكمبيوتر الخاص بالصيدلية حتى لا يثير الشكوك فيه، حتى علم بنية أهل البنت الحضور إلى الصيدلية للبحث عنها، ففر هارباً قبل أن يفتكوا به عندما اكتشفوا الجريمة.
«حسبي الله ونعم الوكيل»، كلمات عفوية خرجت من والد المتهم، بعد أن علم بفعلته الشنعاء التي أضاعت كل شيء وقضت على مستقبل أسرته وليس مستقبله بمفرده، فيما وقف والد الضحية متربصاً للنيل من المتهم قبل ترحيله في حراسة مشددة، عقب صدور قرار بحبسه على ذمة القضية، تمهيداً لإحالته على المحاكمة الجنائية.