بقلم: "ديفيد كييس" لموقع ذي ديلي بيست.
الرئيس المفترض أنه خاضع للإشراف، يعانق طاغية الإبادة الجماعية ويحظر الانتخابات بينما يبقى العالم صامتاً.
مَن هو الرئيس العربي"المعتدل" الذي احتضن علناً زعيم الإبادة الجماعية في السودان الأسبوع الماضي؟
مَن هو “الاصلاحي” في الشرق الأوسط الذي دخل للتو سنته العاشرة من أصل مدة الأربع سنوات؟
مَن هو “حليف” الغرب الذي أمر منذ أيام بإجراء تحقيق حول رسام الكاريكاتير الذي يرجح بأنه رسم النبي محمد؟
الجواب هو الرئيس الفلسطيني محمود عباس .
هذه القصص الثلاث بالكاد ذُكرت في الصحافة الغربية. لماذا ؟؟ ببساطة، تم تحديدها كأخبار ذات سقف منخفض بحيث لم تعتبر ذات أهمية إخبارية .
زعيم عربي لم يسمح بإجراء انتخابات، رئيس في الشرق الاوسط احتضن واحداً من أسوأ مرتكبي القتل الجماعي في التاريخ الحديث؟ لا شئ مهم هنا !!
هناك فرق مأساوي وكبير بين الخطاب الغربي وحقيقة الواقع العربي، إذا كان أحد منا يستمع إلى ما يقوله قادة العالم الحر، فان عباس هو معتدل، و رجل اصلاح و حليف، و أفضل من حماس، وبعد كل هذا أليس هو كذلك؟
دع جانبا ما قاله عباس عام 2013 " ليس هناك فرق بين سياساتنا و سياسات حماس " ، والنقطة الأهم هنا هي أن مجرد كونك افضل من منظمة ابادة جماعية ارهابية، فان ذلك وحده لا يجعل منك معتدلا، و التذاكي والإيحاء الكاذب بأنك كذلك يخلي كلمة "معتذل" و يحط من معناها، و هي ليست اكثر من استخفاف بعقول الفلسطينيين و اهانة للمعتدلين الحقيقيين .
قبل أقل من شهر، مشى عباس في باريس تضامناً مع رسامي الكاريكاتير الذين قتلوا في الهجوم على المجلة الفرنسية الساخرة "تشارلي إيبدو" في حين أنه أمر الأسبوع الماضي بإجراء تحقيق بشأن رسام الكاريكاتير الفلسطيني الذي يرجح بأنه رسم النبي محمد !!
تحت حكم عباس وأوامره قامت السلطة الفلسطينية باعتقال نشطاء بسبب منشورات على الفيسبوك . وتم سجن طالب يبلغ من العمر ٢٢ عاماً قبل أسبوعين بتهمة إهانة رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم. فالتعذيب مستشري، في ظل رفض عباس لاجراء الانتخابات، على الرغم من انتهاء ولايته قبل ست سنوات .
لقد التقيت "علام موسى" وزير الاتصالات في السلطة الفلسطينية في سبتمبر الماضي في رام الله، وسألته عن اعتقال النشطاء الذين كانوا قد كتبوا منشورات على الفيسبوك ضد عباس، فأجاب موسى “لا علاقة لنا بذلك، من الممكن ان هذا كان يحدث منذ وقت طويل، وليس في الوقت الحاضر " .
في اليوم التالي مباشرة، اعتقلت السلطة الفلسطينية العديد من الفلسطينيين لكتابتهم منشورات تنتقدها على مواقع التواصل الاجتماعي !!!
وسألت موسى اذا كانت السلطة الفلسطينية تسمح بحرية الإنترنت كاملة ؟؟ فأجاب " بالتأكيد، فبصفتي وزيرا للاتصالات السلكية واللاسلكية، نحن مسئولون عن المواقع الالكترونية، وليس لدينا أي قيود، ليس هناك أي قيود على الإطلاق “.
هذا كذب، فالحقيقة ان السلطة الفلسطينية تراقب المواقع وتقوم بسجن النشطاء الذين يكتبون منشورات انتقادية لقادتهم على الانترنت .
بجانب قضايا مثل الحرب والسلام، قد تبدو قضايا المجتمع المدني وحرية الإنترنت غريبة وغير مهمة، وهذا خطأ جسيم، ان التبادل الحر للأفكار هو الأساس الذي يقوم عليه المنطق العام والتقدم الاجتماعي. بل هو أيضا حصن ضد التطرف، ولكن كيف يمكن أن تنجح الأصوات المعتدلة إذا كان يتم إسكاتها دائما ؟؟!!
والحل بسيط هو أن يبدأ الغرب باستخدام نفوذه السياسي والاقتصادي الهائل لتشجيع الإصلاح الديمقراطي الحقيقي في السلطة الفلسطينية، فالولايات المتحدة تزود السلطة الآن بنحو١٠٪ من الميزانية السنوية البالغة أكثر من 4.2 مليار دولار أمريكي، ومع ذلك فان الإصلاح مازال شكلي في أحسن الأحوال .
فبعد عقود من دعم الحكام المستبدين وصولاً إلى محمود عباس لم تحل مشكلة التطرف، بل تعززت فعلاً. وشخص ديكتاتور غير منتخب مثل عباس لن يهزم التطرف من خلال التحقيق مع رسام الكاريكاتير، وسجن المنتقدين له، وفرض الرقابة على الإنترنت .
وعلى الرغم من المخاطر، ينبغي على الغرب أيضا مطالبة الفلسطينيين بإجراء انتخابات، يجب أن يكون هناك زعيماً مفوضاً من شعبه، فالتعامل بصدق وشفافية مع نتائج الانتخابات هو أفضل علاج للتغيير طويل الأجل، بدلاً من السماح لديكتاتور أن يحكم دون رادع إلى الأبد .
ولكن حتى قبل اجراء الانتخابات، فان تعزيز المجتمع المدني وتوسيع مساحة للمعارضة يعتبر أساسياً لهزيمة التهديدات المزدوجة " الديكتاتورية والتطرف"، ويعتبر ربط مئات الملايين من الدولارات في صورة مساعدات لاحترام حقوق الإنسان من شأنه أن يكون حافزاً قوياً للتغيير.
إن الطغاة الخانقين للمعارضة ليسوا معتدلين، ويجب أن يتوقف العالم الحر عن التظاهر بأنه كذلك. فالسماح للدكتاتورية الفلسطينية لا تخدم أحداً ، ولاتخدم الفلسطينيين أنفسهم .
* للاطلاع على المقال بالنسخة الانجليزية:
Palestinian Dictator Mahmoud Abbas Gets a Free Pass
http://www.thedailybeast.com/articles/2015/02/08/palestinian-dictator-mahmoud-abbas-gets-a-free-pass.html