أخر الأخبار
أبعد من «حكاية».. صواريخ S300
أبعد من «حكاية».. صواريخ S300

كالعادة... تتقدم واشنطن وتل ابيب الصفوف، للتنديد بقرار الرئيس الروسي بوتين رفع الحظر الذي كانت فرضته بلاده «طوعياً» على تسليم صفقة صواريخ S300 ذات القدرة «المجربة» في التصدي للصواريخ ومقذوفات الطائرات من مسافات بعيدة، فضلاً عن امكاناتها التقنية المرتفعة التي تستطيع من خلالها التعاطي مع اكثر من هدف في الآن ذاته، في اشارة لا تخلو من دلالة بأن الهدف من كل هذا التنديد الصهيواميركي، والجدل المرافق له والمحمول على تراشق اعلامي، هو المُضُي قُدُماً في عرقلة اي تقدم في العلاقات الروسية الايرانية، والمرشحة لمزيد من التطور، بعد ان ازداد التقارب بينهما في ملفات عديدة، وبدا في لحظة ما، وكأنه اكثر من علاقات عادية بين بلدين وأقل من شراكة استراتيجية، تُعززها سلسلة المواقف المتطابقة في موضوعات وأزمات ساخنة، تقف في مقدمتها الازمة السورية وتطورات الاوضاع في العراق، حيث سارعت موسكو الى تزويد بغداد بطائرات عسكرية قاذفة ومقاتلة، فيما كانت ايران تواصل حشد قواتها على الحدود وترسل المتطوعين من فيلق القدس، وتمنح الجيش العراقي وخصوصاً قوات الحشد الشعبي الاسلحة والمعدات، وتقوم بتدريبهم وبخاصة بعد اجتياح داعش للموصل في العاشر من حزيران الماضي، وتهديدها للعاصمة بغداد بعد «الانذار» الاميركي بأن اجتياحهم إربيل، عاصمة اقليم كردستان، هو خط أحمر.
مسارعة موسكو وبعد أسبوعين من التوصل لاتفاق الاطار في لوزان، الى رفع الحظر عن تسليم طهران منظومة صواريخ S300 التي كانت قد دفعت ثمنها بالكامل (800 مليون دولار)، ما دفع بالاخيرة الى التهديد برفع المسألة الى التحكيم الدولي والمطالبة بدفع «غرامة» تصل الى اربعة مليارات دولار، يؤشر الى ان الكرملين عازم على اغتنام كل فرصة متاحة لاغاظة الغرب واستفزازه، وعدم ابداء اي مرونة «مجانيّة» ازاء الأزمات التي تعصف بأكثر من بلد ودولة وخصوصاً في الشرق الاوسط، الذي يوشك على الدخول في مرحلة جديدة وربما غير مسبوقة منذ اربعة عقود (تحديداً منذ الثورة الاسلامية في ايران عام 1979) تلك العقود التي تميزت بالعداء المتبادل بين ما يوصفون اميركيا بنظام الملالي او رأس محور الشر، وبين الشيطان الاكبر، الذي يخلعه قادة ايران على الولايات المتحدة الأميركية..
من هنا, فأن رفض موسكو للانتقادات الاميركية والاسرائيلية والدفاع عن قرارها رفع الحظر عن صفقة مكتملة العناصر, كان يُفترض ان تُسلّم قبل اربع سنوات ونصف، لكنها خضعت للتأجيل والمماطلة قبل ان يصدر الرئيس الروسي وقتذاك ميدفيديف قراره بحظر التسليم, بعد ضغوط اميركية واسرائيلية هائلة, يعني ان روسيا قد خطت الخطوة الاولى نحو تغيير قواعد اللعبة القديمة والتي كان ذروتها التصعيد في فرض العقوبات الخانقة وصولاً الى تلك التي طالت القطاع المصرفي والمالي والنقدي (البنك المركزي الايراني) كذلك, بل خصوصاً، القطاع النفطي وكلها تمت عبر مجلس الامن ووفق الفصل السابع, ما وضع ايران أمام ازمة خطيرة آخذة في التفاقم, الامر الذي تعاطى معه الرئيس السابق احمدي نجاد بخِفّة وعناد ومكابرة, فيما بدأت ادارة الشيخ حسن روحاني مسيرة مغايرة (اشبه بالمغامرة) بعد ان أخذت ضوءاً أخضر من المرشد الروحي خامنئي, الذي ترافق دعمه لمفاوضات الثنائي (ظريف – عرقجي) مع الحذر والتلويح بامكانية رفض نتائج المفاوضات, اذا ما تعارضت مع المصالح الايرانية والكرامة الوطنية ومبادئ السيادة.
هي اذاً قواعد لعبة جديدة آخذة في البروز والتشكّل سواء في ما سيحصل بعد التوقيع على الاتفاق النهائي اواخر حزيران القريب (اذا لم يتم نسفه أو تأجيله) وبخاصة أن الخلاف بين روسيا بما هي أحد أطراف منتدى (5 +1) وباقي الشركاء الغربيين, هو الان واضح ومُعلن، حيث تطالب موسكو بأن يتم إعادة فرض العقوبات في حال نقضت طهران التزاماتها وفق الاتفاق العتيد, عبر قرار «جديد» من مجلس الامن, فيما يقول الغربيون ان العقوبات ستُعاد تلقائياً في حال راوغت ايران أو تنصّلت من هذه الالتزامات, أم في شأن معادلة التحالفات والاصطفافات الجديدة التي ستطيح المعادلة الراهنة, بعد أن تغيّرت الاحجام والاوزان وظهرت موازين قوى جديدة, ليس من الحكمة تجاهل ان ايران ستكون في اوائل المستفيدين من هذه المناخات.
الى أين من هنا؟
لن تستطيع تل ابيب وواشنطن, ثني بوتين عن قراره الاخير، والزعيم الروسي الذي ما يزال «يكافح» بعناد ومثابرة عن سياسته «الاوكرانية» ولا يتراجع عن مواقفه الصلبة في الازمة السورية المتواصلة منذ اربع سنوات, سيقف بحزم على «جبهة» العلاقات مع ايران، وليس أدل على ذلك من تأكيده لاسرائيل ان منظومة S300 هي صواريخ دفاعية فلا داعي للقلق منها, فيما يقول مساعدوه: إن الاوضاع المتفجّرة في المنطقة وخصوصاً بعد عاصفة الحزم في اليمن تستدعي أن يكون لدى ايران صواريخ كهذه.
هل يستوعب عرب اليوم رسائل موسكو وما تستنبطه تصريحات قادتها؟ ... الأيام ستقول.