استعرضنا عبر ست مقالات بعض أوجه الدعم والرعاية التي قدمتها الدولة الاردنية لجماعة الاخوان المسلمين، وقد كان هدفنا من هذا الاستعراض الموجز بيان حجم النكران لفضل الأردن على الجماعة الذي يمارسه بعض حدثاء الاخوان الذين اختطفوا الجماعة، وخرجوا بها عن مسارها التاريخي، وفكر مرشدها الأول، ليضعوا الجماعة في مواجهة الدولة، غير معتبرين من تجارب اخوانهم في دول اخرى، ذاق فيها الاخوان المسلمون الامرّين سجناً وتشريداً واعداماً. وهو الأمر الذي لم يدركه اصحاب العقلية الانقلابية التآمرية، وهم ينقلبون على تاريخ العلاقة بين الجماعة والدولة الاردنية، بعد ان خدعتهم عن حقيقة حجمهم اوهام ثنائية الجماعة والدولة، وأوهام انهم القوة السياسية الاولى، وهي الأوهام التي صمت آذانهم حتى عن سماع اصوات اخوانهم من اصحاب السبق في الجماعة، ونصائح حكماء الجماعة، وقد فات هؤلاء (أن العارية لا تدفئ وان ادفأت فانها لا تدوم) والعارية هنا هي الاعتماد على الامتداد الخارجي، وتوهم القوة والظن بأن السراب ماء. وهكذا نفذ الانقلابيون انقلاباً مزدوجا على خط الإمام المؤسس للجماعة، وعلى علاقة الجماعة بالدولة التي رعتهم وحمتهم، وبذلك.. فان هؤلاء الانقلابيين يتنكرون لتاريخ المؤسسين الأوائل للجماعة سواء في مصر او في الاردن.
إن اي متابع لانقلاب الجماعة على علاقتها بالدولة الاردنية لا يحتاج الى كبير عناء ليكتشف أن هذا الانقلاب جاء في سياق سلسلة من الانقلابات التي جرت داخل الجماعة، ومن الجماعة على تحالفاتها مع الاخرين، وهي انقلابات قام بها حدثاء الجماعة الذين فرغوا الجماعة من بعدها الدعوي التربوي، وحولوها الى اطار سياسي تحكمه الاعيب السياسة ومصالحها، ومنعوها من ان تكون روحاً يسري في الأمة وتسعى لنهضتها وقوتها، كما كان يأمل مؤسسها ومرشدها الاول، وحولوها الى تنظيم حزبي مغلق، يعادي معظم شرائح المجتمع، وهذا خروج بالجماعة عن مسارها التاريخي يزيد من الشقة بين ما تمارسه الفئة الانقلابية في الجماعة، وبين فكر مؤسسها ومرشدها الاول الشهيد حسن البنا، ورعيل الأوائل من بُناتها خاصة في الاردن.. فقد كان الشهيد البنا حريصا على أن يُبعد الجماعة عن الصدام مع الحكومات، لذلك فقد كان يحرص على التواصل مع الحكومات وقادة الدول، من ذلك ما اشرنا اليه من رسالته الى جلالة الملك المؤسس عبد الله بن الحسين، وهي واحدة من رسائله العديدة الى قادة وزعماء الكثير من الدول، مثلما انه كان رحمه الله يُخرج جوالة الاخوان المسلمين للمشاركة في الترحيب بزعماء الدولة المصرية، وأولهم الملك فاروق، مثلما كان يحرص على اشراك الاخوان في الاحتفالات الوطنية المصرية، فلم يكن من سياسة الشهيد البنا الصدام مع الحكومات، لأنه يعرف ان ذلك ليس من مصلحة الدعوة، وانه سيجر عليها النكبات. وهو ما وقع بالفعل عندما دفع رحمه الله حياته ثمنا للصدام مع الدولة، وهو الصدام الذي سببه تهور بعض الاخوان، خاصة في الجهاز الخاص الذي سنتحدث عنه في وقت آخر.
ومثلما انقلب بعض قادة الانقلابيين داخل الجماعة على نهج مؤسسها ومرشدها الأول، فقد انقلب بعضهم الاخر على اسم «جماعة الاخوان المسلمين» فصار للجماعة اسماء عديدة، كالجماعة الاسلامية، وحزب العدالة......الخ وصولا الى اسم «الحركة الاسلامية» الذي شاع في الاردن خلال السنوات الاخيرة بما يشبه التنكر للجماعة، وربما لتبرير الخروج على نهج البنا وخطه في العمل، وهو ما يتفق مع هدف الانقلابيين من تحويل مسار الدعوة من مفهوم التيار العريض والروح التي تسري في الأمة، الى حزب ضيق يخدم اهدافاً ضيقة لفئة قليلة.
واذا كانت بعض القيادات الانقلابية في جماعة الاخوان المسلمين قد قبلت بالانقلاب على نهج مؤسسها ومرشدها الاول في الكثير من القضايا، فقد كان سهلا عليها ان تنقلب على اخوانها في الجماعة، لذلك صارت الجماعة جماعات واجتهادات، وشهدت الكثير الكثير من الانقسامات والانشقاقات ابتداء من الانقلاب على مؤسس الجماعة الاول في الاردن الحاج عبد اللطيف ابو قورة، وهو الانقلاب الذي رتب له «نجيب جويفل» وما ادراك ما نجيب جويفل واية مفاهيم انقلابية تمكن من التأسيس لها بتوجيه من المخابرات المصرية لدى بعض الانقلابيين. فبعد الانقلاب على الحاج عبد اللطيف ابو قورة الذي لمسنا في كتاب استقالته من الجماعة، والذي أشرنا اليه في مقال سابق حجم المرارة التي اصيب بها، والاحساس بالغدر الذي عبر عنه فيما بعد بصور كثيرة، شهدت الجماعة سلسلة من الانقلابات والانشقاقات لأسباب كثيرة، أهمها رفض الرأي الآخر، وفي كل مرة كانت التهم جاهزة لدمغ المخالفين في الرأي بها، وأهمها تهمة التعامل مع الأجهزة الأمنية. وقد فات القائمون على امر الجماعة أن هذه التهمة إن صحت فانها تصيب الجماعة، لانها تدل على وهنها وعلى ضعف تربيتها لكوادرها، خاصة وان هذه التهمة اصابت قيادات بارزة في الجماعة، بعضها تولى موقع المراقب العام، وبعضها كان عضوا في مكتبها العام، وبعضها كان عضواً في مجالس شورتها، مما يجعل تكرار هذه التهمة سبة في سجل الجماعة، وليس في سجل من تتهمهم بها.
في اطار كل هذه الانقلابات والانحرافات عن نهج المرشد المؤسس للاخوان المسلمين، جاء الانقلاب على العلاقة مع الدولة الاردنية كجزء من سلسلة الانحرافات، التي شهدتها الجماعة في الاردن، خاصة في السنوات الاخيرة، وهي الانحرافات التي ابرزت الحاجة الى ضرورة النهوض لإصلاح الجماعة، الذي بدأت تلوح تباشيره في سماء الاردن، والذي نأمل ان يُسفر عن استعادة الجماعة، واعادتها الى خطها التربوي الدعوي، وعملها الراشد في خدمة المجتمع والامة، كما وضع تصوراته ونفذه الأوائل من مؤسسي الجماعة، وحملة لواء دعوتها.